[بيان شي من مذاهب أهل البيت عليهم السلام في أُصول الدين]
مَذهَبُهُم: أنَّ الله واحدٌ لا شريكَ له، ولا مَثيلَ ولا نَظيرَ، وأنَّه تعالى لا يَتَّصِفُ بصفاتِ المخلوقاتِ على الإطلاقِ، فليس تعالى بذي مكانٍ، وليس بِجسمٍ.
وعليه: فليس له يدانِ ولا قدمانِ، ولا جنبٌ ولا وجهٌ وعينانِ، ولا لسانٌ وشفتانِ، ولا يُوصفُ تعالى بالطولِ والقِصَرِ، ولا بالصعودِ والنزولِ، ولا المشي والهرولةِ، ولا بالضحكِ والفرحِ، والسرورِ والغضبِ، ولا يتصفُ بالألوانِ، ولا بالسِّنةِ والنومِ، } لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَدٌ{، }لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ{ [الشورى/11] }لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ{ [الأنعام/103]، لا يُرَى سبحانه لا في الدنيا ولا في الآخرةِ.
وأنَّ ما جاء من ذلك في القرآنِ فله عند الراسخين في العلمِ من أهل البيتِ تفسيرٌ وتأويلٌ، يشهدُ بصحتها لغةُ العربِ العَرْبَاءِ التي نَزَلَ القرآنُ بلغتهِم، ويشهدُ أيضاً بصحتها أولوا الألبابِ الزكيةِ الذين لَمْ يُدَّنِسُ عُقولَهُم التقليدُ الأعمَى، والخرافاتُ، والعقائدُ الوَهْمِيَّةُ الموروثةُ عن معاويةَ وبني أُميَّةَ، وبني العباسِ.
وهو قادر على كُلِّ شيءٍ إذا أرادَ شيئاً كان لا بآلةٍ ولا بحركةٍ وسكونٍ.
وعالِمٌ بكُلِّ شيءٍ، لا تَخْفَى عليه خافيةٌ، يَسْمَعُ ويَرى لا بآلةِ سَمْعٍ وبَصَرٍ، ويتكلمُ لا بلسانٍ وشفتينِ.
وأنَّ كلامَهُ مُحْدَثٌ غيرُ قديمٍ.
وهو تعالى حيٌّ موجودٌ، ودليلُ ذلك كلِّهِ أنَّ ما نشاهدُهُ من الموجوداتِ والحوادثِ لا بد لها مِنْ خالقٍ حَتْمَاً؛ إذ لا يوجدُ فعلٌ إلاَّ من فاعلٍ، فإذا ثبت أنَّه لا بد من فاعلٍ، فلا بد أن يكونَ موجوداً وحياً وقادراً وعالِمَاً.(1/31)


وأنَّه تعالى بريءٌ من معاصي العبادِ، لا يشاؤها ولا يريدُها ولا يرضاها ولا يحبها، وأنَّ العصاةَ هم الذين وَقَعُوا في العصيان بفعلهِم وإرادتِهم ومشيئتهم، ليس لله تعالى فيها فعلٌ ولا إرادةٌ ولا مشيئةٌ.
وأنَّ علمَهُ تعالى بِمَّا سوف يكونُ من المعاصي وغيرها: سابقٌ غيرُ سائقٍ، بمعنى أنَّ علمَهُ تعالى بِما سيكونُ من معاصي العبادِ ليس هو السببُ في وقوعِها منهم، وإلاَّ لَزِمَ في أفعالِ الله تعالى ما لَزِمَ في أفعالِ العبادِ لِسَبْقِ علمِهِ تعالى بِما سيفعلُهُ هو تعالى، ولا قائلَ بذلك.
وأنَّ الشفاعةَ يومَ القيامةِ تَكونُ خاصةً بالمؤمنينَ دون أهلِ الكبائرِ الذين ماتوا مُصِّرِينَ غيرَ تائبين.
وأنَّه لا يَكْفِي قولُ ((لا إله إلاَّ الله)) بل لا بد مع ذلك من الأعمالِ الصالحةِ، واجتنابِ الأعمالِ السيئةِ، فأمَّا مُجَرَّدُ القولِ مِنْ غيرِ عملٍ فلا يُستحقُّ به ثوابٌ، ولا يُدْفَعُ به عقابٌ، وصاحبُهُ مِنْ أهلِ النَّارِ، اللهم إلاَّ إذا شَهِدَ الكافرُ بشهادةِ الحقِّ ثُمَّ عاجلَهُ الموتُ عقيبها، أو تابَ المسلمُ توبةً نصوحاً ثُمَّ عاجلَهُ الموتُ قَبْلَ أنْ يَتَمَكَّنَ مِنَ الأَعمالِ الصالحةِ، فإنَّه يُرْجَى لهؤلاء رحمة الله، وذلك أنهم لَم يَتمكنوا من الأعمالِ الصالحةِ.
وأنَّ مَنْ دَخَلَ النارَ من الكافرين أو المنافقين، أو من عصاةِ هذه الأمةِ فإنَّه: خالدٌ فيها أبداً لا يَخْرُجُ منها.(1/32)


وأنَّه لا وثوقَ بالأحاديثِ التي ذكرتْ أنَّ الشفاعةَ لأهلِ الكبائرِ مِنْ هذه الأُمةِ، والتي ذَكَرَتْ أنَّ الموحدين العصاةَ سيَخْرُجونَ مِنَ النارِ، والتي تَحدثتْ عن الصراطِ، والميزانِ، والعرشِ، والكرسيِّ، والرؤيةِ، وكشفِ الساق، وذلك لأنها من أحاديثِ الآحادِ، ورواتها غير ثقاتٍ عند أهلِ البيتٍ ـ عليهم السلام ـ مع مُخالَفَتِها للعقلِ والقرآنٍ.
وأنَّ عليَّ بنَ أبِي طالبٍ: أفضلُ الصحابةِ على الإطلاقِ.
وأنَّه المستحقُّ للخلافةِ والإمامةِ بعد النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وأنَّ الذين تَقَدَّمُوه قد تقدَّموه بغير حقٍّ، وأنَّهم أخذوا ما ليس لهم.
وأنَّ المستحقَّ للخلافةِ من بعد عليٍّ ـ عليه السلام ـ هو ابنُهُ الحسنُ ـ عليه السلام ـ، ثُمَّ من بعده الحسينُ بنُ عليٍّ ـ عليهما السلام ـ…ثُمَّ …ثُمَّ … إلخ.
وهؤلاء الثلاثةُ استحقوا الخلافةَ بالنص، ولو لَم يكن إلاَّ قولُهُ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ ((إني تاركٌ فيكم… الحديثَ))، ((عليٌّ مني بِمَنْزِلَةِ هارونَ من موسى...الحديثَ))، ((الحسنُ والحسينُ إمامانِ قاما أو قعدا، وأبوهما خيرٌ منهما))، ((الحسنُ والحسينُ سَيَّدا شبابِ أهلِ الجنةِ)).(1/33)


وأنَّ أهلَ البيتِ خلفاءُ النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، بمعنَى: أنَّهم القائمونَ مقامَهُ، فيجبُ لهم ما كان يَجبُ للنبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ مِن الطاعةِ والنُّصْرَةِ، وتَحْرِيمِ المخالفةِ، والرجوعِ إليهم، وتعظيمِهِم، وتكريمِهم، ومودَّتِهم، ومُسالَمَةِ مَن سالموا، ومُحارَبَةِ من حاربوا، ووجوبِ النَّصيحةِ في السرِّ والعلنِ و…و….إلخ.
وقد صح في الآثار: أنَّ الأرضَ لا تخلو من علماءِ آلِ مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وها نحن اليوم وقد مضى أكثرُ من ألف وأربعمائة سنة لَم تَمُر فترةٌ من هذا التاريخِ الطويلِ غابَ عنها علماءُ أهلِ البيتِ ـ عليهم السلام ـ.
فهم شهداءُ الله على العبادِ، وحُجَجُهُ عليهم، أَمْرُهُم ظاهرٌ، لا لَبْس فيه ولا ارتياب }لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ{.
وعند أهلِ البيتِ ـ عليهم السلام ـ أنَّ المستحقَّ للخلافةِ من بعد الثلاثةِ هو: مَنْ قامَ ودعا من ذريةِ الحسنِ والحسينِ ـ عليهما السلام ـ جامعاً لشروطِ الخلافةِ كزيدِ بنِ عليٍّ، ويَحيى بنِ زيدٍ، ومُحَمَّدِ بنِ عبد الله، واخوتِهِ، و...إلخ.
وقد يكونُ هناكَ فتراتٌ لا يَظْهَرُ فيها قائمُ آلِ مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لأَسبابٍ وموانعَ هم أعلمُ بها، غير أنَّ حجةَ الله قائمةٌ، وهم المعلنون عنها، وشهداءُ الله وإنْ أغمدوا سيوفهم كما كان عليُّ بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ هو الحجةُ بعد النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ عَرَفَهُ مَنْ عَرَفَهُ، وجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ.(1/34)


وقد يقولُ قائلٌ: علماءُ أهلِ البيتِ مُخْتَلِفُونَ اليوم، وقد التبسَ علينا الأَمْرُ، وعميَ علينا الحقُّ.
فنقولُ: قد التبسَ الأمرُ مِنْ قَبْلُ، فلَم يُعْرَفِ الحقُّ، هل هو مع عليٍّ ـ عليه السلام ـ أم مع معاويةَ؟!! ثُمَّ هل الحقُّ مع الحسينِ أم مع يزيدَ؟! ومِنْ قَبْلِ ذلك: هل الحقُّ مع النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أم مع أبي جهلٍ؟!!، وهكذا، مع وضوحِ الحقِّ من الباطلِ وغيره كتميزِّ النهار من الليل.
ولا يلتبسُ ذلك إلاَّ على مَنْ لَبَّسَ على نفسهِ، وهذا النوعُ لا تفيدُهُم الآياتُ والأدلةُ: }وَلَوْ جَاءتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ{ [يونس/97].
هذا ولَم يلتبس الحقُّ من الباطلِ منذُ زمانِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ إلى اليوم، بل هو في غايةِ الوضوحِ، وكلمةُ الله هي العليا، وكلمةُ الذين كفروا هي السفلَى إلى أنْ يرتفعَ التكليفُ، فالحقُّ واضحٌ وإن ضَعُفَ أَهلُهُ وقلُّوا، والباطلُ واضحٌ وإنْ كَثُرَ أهلُهُ.
[من أسماء الله الحسنى]
سميع: بمعنى عالم بالمسموعات كلها، فلا يفوتُهُ شيءٌ، لا بآلةٍ، ولا يَجوزُ تشبيهُهُ بالحيوانات.
بصير: عالم بالمُبْصَراتِ، يشاهدُها ويراها لا بمعنى ولا بآلةٍ.
رحمن، رحيم، ودود، بَرٌّ، رؤوف: بمعنى أنَّ أفعالَهُ تعالى وأحكامَهُ مَبْنيةٌ على التيسيرِ والتسهيلِ، والمراعاةِ لمصالحِ العبادِ في دينِهِم ودنياهم وآخرتِهم، وليس معنى ذلك رقةٌ في القلبِ كما في الإنسانِ والحيوانِ، إذ أنَّ إثباتَ ذلك تشبيهٌ لله تعالى بِخَلْقِهِ، وذلك لا يَجوزُ.(1/35)

7 / 10
ع
En
A+
A-