وليس غرضُنا هنا سردَ الأدلةِ في هذا الباب من الكتاب والسنة، فكثرةُ المؤلفاتِ في هذا الباب تكفي كما ذكرنا، ولو لَمْ يَرِدْ شيءٌ من الأدلة لكان ينبغي لآل محمد ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ الذي هو أفضلُ الأنبياءِ والمرسلينَ وخاتمهم: أنْ يكونوا أفضلَ من آلِ عمران وآلِ إبراهيم الذين قال الله عنهم: { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ{ [آل عمران/33]، وقال: }فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا{ [النساء/54]،كيف؟! وقد قال الله تعالى: }إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا{ [الأحزاب/33]، وقال: }قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{ [الشورى/23]، وشَرَعَ الله تعالى الصلاةَ عليهم مع أبيهم في الصلاةِ إلى ما لا يَكادُ يَدْخُلُ تحت الحصرِ من السنةِ المتفقِ على صحتها بين علماءِ الإسلامِ.(1/26)
[القول الفصل]
نعم! الأدلةُ قد قضتْ بأنَّه لا تَتمُّ حقيقةُ الإيمانِ والإسلامِ إلا لِمَنْ دَخَلَ في دائرةِ أهلِ البيتِ ـ عليهم السلام ـ، وحَكَمَتْ أيضاً على مَنْ خَرَجَ مِنْ دائرتهم بالضلالِ والنفاقِ، وقد كَثُرَتْ في ذلك الأدلةُ كثرةً عظيمةً حتى أنَّه جاء عن النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في ذلك أكثر مِمَّا جاءَ في الصلاةِ والصيامِ والحجِّ من كتبِ أَهلِ السنةِ وحدهم، من غير ما جاء في الكتاب الكريم وحديث الشيعة، هذا في حين أنه لَمْ يَرِدْ عن الله تعالى في كتابِهِ أو عن رسولِهِ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حَرْفٌ واحدٌ يؤيدُ مذهبَ الأَشْعَرِيةِ أو المُجْبِرَةِ أو الوهابية، أو المُعْتَزِلَةِ، أو غيرهم، اللهم إلاَّ دعوى كلٍّ منهم أنَّه على الكتابِ والسنةِ، أو أنَّه على ما كان عليه النبيُّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وأصحابه، أو أنَّه على مذهبِ السلفِ، غير أنهم لَمْ يأتوا على دعاويهم بِحججٍ وبيناتٍ وبراهين، ونقول لهم كما قال الله تعالى: { قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } [البقرة/111].
[أساس الإسلام]
وصدق الرسول ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ حين قال: ((وأساسُ الإسلامِ حُبُّنَا أهلَ البيتِ))، أو كما قال، فإنَّ من أحب أهلَ البيت وتولاهم يوفقه الله تعالى إلى المعارف الحقيقية بالله تعالى و.و.إلخ.(1/27)
إذاً فحقيقةُ الإسلامِ الذي جاء به النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ لا يوجدُ على الإطلاقِ إلاَّ في دائرةِ أهلِ البيتِ ـ عليهم السلام ـ، أمَّا ما كانَ خارج هذه الدائرةِ فإنه إسلامٌ مَدْخولٌ، ودينٌ مَرْذولٌ، وتماماً كما قال ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ في حديثِ السفينةِ ((إنما مَثَلُ أهلِ بيتي فيكم كَمثل سفينةِ نوحٍ: مَنْ رَكِبَها نَجا، ومَنْ تَخلَّفَ عنها غَرِقَ وهوى))، وهذه الأدلةُ وغيرُها تَردُّ على الإمامية الذين يَدَّعُونَ أنَّ المرادَ بذلك: اثنا عشرَ شخصاً لا غير، ونقولُ لهم: }قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{ [البقرة/111]، هاتوا آيةً من كتابِ الله، أو حديثاً مُجْمَعَاً على صحتِهِ بين طوائفِ المسلمين.(1/28)
[توضيح وزيادة بيان]
مِمَّا بَيَّنَهُ النبيُّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وَشَرَعَهُ لأُمتهِ أنْ يقولوا في الصلاةِ عليه كما جاء في البخاري ومسلمٍ وغيرهِمَا من كتبِ أهلِ السنةِ: ((قولوا: اللهم صلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آل مُحَمَّدٍ، وبارك على مُحَمَّدٍ وعلى آل مُحَمَّدٍ …))، ولا يَحتاجُ مثلُ هذا إلى تعليقٍ، فاللبيبُ يَعْرِفُ أنَّ مَنْ أَمَرَ الله تعالى بالصلاةِ عليه أولَى بالحقِّ مِنْ غيرهِ، وقال الله تعالى: }قُل لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى{ [الشورى/23]، فقد فَرَضَ الله تعالى في هذه الآيةِ علَى كُلِّ مسلمٍ مَوَدَّةَ آلِ مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ فَرْضَاً، وَحَتَمَهُ حَتْمَاً، وقد روى البخاريُّ ومسلمٌ في صحيحيهما أنَّ المرادَ: مَوَدَّةُ آلِ مُحَمَّدٍ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وكذا غيرهما من أهلِ الحديثٍ.
تَبَيَّنَ مِمَّا سَبَقَ أنَّ أهلَ البيتِ هم أهلُ الحقِّ، وبناءاً عليه فإنه إذا اشتبه على المسلمِ شيءٌ مِنْ دينِهِ وعقيدتِهِ فيكفيه لأنْ يستوضح الحقَّ أنْ يَسألَ أهلَ البيتِ، أو يَنْظُرَ في عقائدهم وأقوالِهِم.
نعم! إذا صَدَقَتِ الموالاةُ لأهلِ البيتِ، وَصَدَقَتِ المحبةُ والمودَّةُ فسيحصلُ عند ذلك الإطمئنانُ والتصديقُ بصحةِ مذاهبهم في أُصولِ الدينِ، وما يَلْحَقُ به.(1/29)
فإذا عَرَفَ المسلمُ أنَّ أهلَ البيتِ يقولون: إنَّ عليَّ بنَ أَبِي طالبٍ أفضلُ الصحابةِ على الإطلاقِ بعد النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وأَنَّهُ الأَوْلَى بالخلافةِ، والمستحقُّ لها بعد النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، ثُمَّ الحسن، ثُمَّ الحسين، و…إلخ.
فإنَّه يَجْزِمُ بصحةِ ذلك، ويعتقدُهُ، وإذا عَرَفَ مَذاهبَهُم في التوحيدِ والعَدْلِ والإمامةِ والشَّفَاعةِ و…إلخ اعتقدَ ذلك، ودَانَ به، وجَزَمَ بصحتِهِ، وإذا والَى أهلُ البيتِ أحداً والاهُ، وإذا عادوا أحداً عاداه، وأنَّ الذين تَقَدَّمُوا علياً ـ عليه السلام ـ بالخلافةِ قد تَقَدَّمُوهُ بغيرِ حَقٍّ، وأَنَّهُم أَخَذُوا ما ليس لهم.
وأنَّ إمامةَ الثلاثةِ الذين هم: عليٌّ والحسنانِ ثابتةٌ بالنَّصِّ.
وأنَّ الإمامةَ مِنْ بَعدهما مَحْصُورَةٌ في أولادِ الحسنين، وأنَّ طَريقَهَا مِنْ بعدِ الثلاثةِ: الدعوةُ والقيامُ مِمَّن جَمَعَ شروطَهَا التي مِنْ أهمها:
كَثْرَةُ العلمِ، والوَرَعُ، والشَّجاعَةُ، والسخاءُ، وجودةُ الرأيِّ، وحُسْنُ التدبيرِ...(1/30)