هذا والمعلومُ أنَّ النبيَّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ نشأَ في مكةَ، ولَمْ يُخَالِطْ في نشأتِهِ الحكماءَ والعلماءَ ولا أهلَ الكتابِ، ولا عرفَ الفلاسفةَ، وأهلَ الأَخبارِ، فعلِمْنَا حينَ جاءَ بالقرآنِ وقرأَهُ على النَّاسِ، وفيه أخبارُ الأنبياءِ والمرسلين، وأخبارُ كثيرينَ مِن الأُمَمِ الماضيةِ، وفيه: الحديثُ عن بدءِ الخلقِ، وقصةِ الملائكةِ، وإبليسَ، وآدمَ، وأخبارِ أهلِ الكتابِ، و…و…الخ، عَرَفْنَا حينئذٍ أَنَّه نبيٌّ صادقٌ؛ إذْ لو لَمْ يكنْ صادقاً لَكَشَفَ أهلُ الكتابِ وأهلُ العِلْمِ عن كَذِبِهِ، ونَّدَدوا بذلك، فَلَّمَّا لَمْ يكنْ شيءٌ مِن ذلك عَلِمْنَا أَنَّه نبيٌّ صادقٌ.
وكذلك فإنَّ القرآنَ قد اشتملَ على كثيرٍ من الآياتِ التي تَحدثتْ عَمَّا يُسِّرُهُ المنافقونَ وغيرُهُم، فلو لَم يكنِ الحالُ كذلك لَسَارَعوا إلى التنديدِ به، وبتكذيبِهِ في ذلك، ومن هنا قال الله تعالى: { يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِم } [التوبة/64].
هذا، وفي القرآنِ شيءٌ كثيرٌ مِمَّا يدلُ على نبوةِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، وأنَّ القرآنَ كلامُ الله تعالى، والغرضُ هنا هو الاختصارُ.
من هنا فيجبُ التصديقُ بنبوةِ النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ، والتصديقُ بأنَّ القرآنَ كلامُ الله تعالى، والتصديقُ بكلِّ ما جاءَ في القرآنِ، وامتثالُ أوامرِهِ، والانتهاءُ عند نواهيِهِ.(1/21)


وكذلك يَجبُ الإيمانُ والتصديقُ بأنَّ الله الذي جعلَهُ وفَعَلَهُ، وخَلَقَهُ وفَصَّلَهُ، وأَنَّه كلامٌ مُحْدَثٌ ليس بِقَدِيمٍ كما يقوله بعض الطوائف؛ لقوله تعالى: { مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ } [الأنبياء/2].
وأَنَّه كُلَّهُ حقٌ لا باطل فيه، لقوله تعالى: { وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت/42-42].
وأَنَّه لا تناقضَ فيه ولا اختلاف { وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيراً } [النساء/82].
[الإيمان بالكتب والرسل والملائكة]
يَجبُ الإيمانُ والتصديقُ بكلِّ ذلك، وقد أخبرَ الله في كتابِهِ كيفَ كان إيمانُ النبيِّ ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ والمؤمنين، فقال تعالى { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ } [البقرة/285].(1/22)


ومن أشهر الملائكة: جبريلُ وميكائيلُ وعزرائيلُ وحَمَلَةُ العرشِ، قال تعالى: { الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا } [غافر/7]، وقال تعالى: { وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ } [المطففين/10-12].
ومنهم الموَكَّلُونَ بقبضِ الأَرْواحِ، وغير ذلك مِمَّا قَصَّ الله علينا ذِكْرَهُ في القرآنِ، وقد يَكْفي الإيمانُ والتصديقُ بِهم جُمْلَةً.
ورسلُ الله ـ صلواتُ الله عليهم ـ أولُهُم آدمُ – أبو البشر- صلوات الله عليه ـ، ومنهم إدريسُ ونوح وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى وهود وصالح وشعيب، وممن ذكر الله أيضاً في القرآن: هارون وأيوب ولوط ويوسف وزكريا ويحيى وغيرهم ممن ذكرهم الله، وكثيرٌ منهم لَم يذكرهم الله في القرآن قال تعالى: { مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ } [غافر/78]، وقد يكفي الإيمانُ والتصديقُ بهم جملةً، كما حكى الله تعالى في قوله تعالى: { آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ.. } [البقرة/285].(1/23)


وأما الإيمان بالقدر فالمراد به: أنَّ أفعالَ الله تعالى مُشْتَمِلَةٌ على الإتقانِ والحكمةِ والمصلحةِ، وكذلك أوامرُهُ ونواهيه، وليس المراد بذلك: أنَّه تعالى هو الذي خَلَقَ الكفرَ والفسادَ والظلمَ ومعاصيَ العباد ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ.
[أهل البيت ـ عليهم السلام ـ]
أهلُ البيتِ ـ عليهم السلام ـ معروفون، لا يُنازعهم اليوم في هذا الاسم مُنازعٌ، أولهم بعد النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ (علي بن أبي طالب) ـ عليهم السلام ـ، ولا يَنْقَطِعُونَ ما بقيَ التكليفُ، وتماماً كما قال أميرُ المؤمنين في نهج البلاغة:((فهم باقون ما بقي التكليف))، والواقعُ يُصَدِّقُ مقالَ أميرِ المؤمنين ـ عليه السلام ـ، فما زال بيتُ النبي ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ معموراً بالعلماء المُعْلِنينَ بالدعوة إلى الحق إلى اليوم، على منهاجٍ واحدٍ، وطريقةٍ واحدةٍ، وعقيدةٍ واحدةٍ.
فعلماءُ أهلِ البيتِ ـ عليهم السلام ـ اليوم أمثال الحجة (مجد الدين المؤيدي)، وتلميذه (الحسين بن يحيى الحوثي)، هم صورة تُمَثِّلُ عليَّ بنَ أبي طالبٍ وعقيدتَهُ، ودينَهُ وطَرِيقَتَهُ.
وفرض الله تعالى على هذه الأمة محبة أهل هذا البيت ومودتهم واتِّبَاعهم، وأخبرَ أنهم أهلُ الحقِّ، وقرناءُ الكتابِ، وسفينةُ نوحٍ، وأنَّ مُتَبِعَهُم ناجٍ، ومُخالِفَهُم ضالٌ غاوٍ و.....الخ.(1/24)


وأدلةُ ما ذكرنا كثيرةٌ في الكتابِ والسنةِ، وقد ألَّفَ العلماءُ فيها مؤلفاتٍ كثيرةً وشهيرةً، مثلُ: الشافي للإمامِ المنصورِ بالله عبد الله بنِ حمزةَ ـ عليهما السلام ـ، وكتاب لوامع الأنوار لشيخنا حجةِ الزَّمان مَجدِ الدِّينِ بنِ مُحَمَّدٍ المؤيدي ـ أيَّده الله تعالى ـ، وغيرُ ذلك كثيرٌ، ولو لَمْ يَرِدْ في ذلك من الأدلةِ إلاَّ حديث الثقلين المجمع على صحته بين المسلمين لكفى وأغنى، وهو قوله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً: كتابَ الله وعترتي أهلَ بيتي، إنَّ اللطيفَ الخبيرَ نبأني أنهما لن يفترقا حتى يَرِدا عليَّ الحوض))، وممن رواه من أهلِ السنةِ: مسلمٌ في صحيحه وغيره بحيث لا يكادُ يخلو من ذكره كتابٌ من كتبِ الحديثِ عند أهلِ السنةِ.(1/25)

5 / 10
ع
En
A+
A-