فقل للخوارج: إن كانت النصارى قالت إن عيسى إله فقد نفى عيسى ذلك عن نفسه، فقال:{إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِي الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا}[مريم/30] .
وإن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ قد نفى عن الشيعة ما ادعت الخوارج عليهم من الكذب في عليٍّ وذلك قوله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ بالأثر المشهور الذي نقلته الأمَّة عنه - أنه قال لعليّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ:((يا عليّ؛ لولا أن تقول فيك طوائف من أُمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم؛ لقلت اليوم فيك مقالاً لا تمر بمَلأٍ من الناس إلاَّ أخذوا التُّراب من تحت قدميك يتباركون به)).
فقول النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ:((لولا أن تقول فيك طوائف من أُمَّتي)) نفى عن أمَّته أنها لا تقوله؛ لأنه لو علم أنها تقول في عليٍّ ما قالت النصارى في عيسى بن مريم لما قال :((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي)).
فإذا علم عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أنها لا تقول ما قالت النصارى أمسك عن المقال الذي لو قاله فيه لأخذوا التراب من تحت قدميه يتباركون به.
فإن زعمت الخوارج: أن الشيعة تقوله فقد أكذبت رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ، ومن أكذب رسول الله فقد أكذب الله وكفر به وبرسوله.(1/196)


وإن كذبوا على الشيعة أنها مثَّلت علي بن أبي طالب بعيسى بن مريم فقد ضرب الله تبارك وتعالى عيسى بن مريم مثلاً بعليّ بن أبي طالب في كتابه الناطق على لسان نبيِّه الصَّادق المصدوق محمَّد صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ: أن المنافقين ومن كان يبغض أمير المؤمنين عليّاً لما سمعوا قول النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في علي:((لولا أن تقول فيك طوائف من أُمَّتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم))، قالوا: ما بال محمد يرفع بضبع ابن عمه حتى مثله بعيسى بن مريم؟
فأنزل الله في عليّ وفيهم:{وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاَّ جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلاَّ عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرَائِيلَ * وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلاَئِكَةً فِي الأَرْضِ يَخْلُفُونَ}[الزخرف/57-60] .
فسل الخوارج: من الذي ضرب الله مثلاً؟ ومن هذا الذي صد عنه قوم النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ؟ ومن هذا العبد الذي أنعم الله عليه وجعله مثلاً لبني إسرائيل؟
هل ادعى أحدٌ من الأُمَّة، أو رُوِيَ في أحد من الأُمَّة وقال فيه رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ هذا المقال غير علي بن أبي طالب؟(1/197)


[الجواب على من زعم أن سبب حديث الغدير منافرة وقعت بين علي(ع) وزيد بن حارثة]
وزعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم أن النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يقل في علي:((من كنت مولاه فعلي مولاه)) يريد بذلك ولاء الدين؛ إنما كان سبب ذلك أنه كان بين عليٍّ و[بين] زيد منافرة وذلك في حَجَّة الوداع.
فقال له علي: أنت مولاي!.
فقال له زيد:أنا مولى رسول الله.
فقال رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((من كنت مولاه فعليٌّ مولاه)).
إن مولى الرجل مولى ابن عمه، فلذلك قال.
فقل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: هل أمر رسول الله صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلهِ لشيء ينزل عليه من الفرائض بالصلاة جامعة؟
فإن قالوا: نعم.
فسلهم: لأي فريضة في أي موضع؟ لا يجدون ذلك.
وإن قالوا: لا.
فقل: أَفليس قد أمر يوم غدير خم بالصلاة جامعة؟
فلا بد من قولهم: نعم؛ لأنهم وجميع الفرق الثلاث والسبعين قد أجمعت على ذلك.
فقل: هل يستقيم في المعقول، أو يجهله ذووا العقول: أن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ يأمره بالصلاة جامعة لفريضة من فرائض الله ويأمر بها في منافرة رجلين جحد أحدهما صاحبه الولاء؟(1/198)


إن هذا المقال لا تقبله القلوب مع أن هذا القول كان في حَجَّة الوداع، وزيد -رَحِمَهُ اللهُ- قُتِل يوم مُؤته حين وجهه النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ إيَّاه وجعفر بن أبي طالب، وعبد الله بن رواحة الأنصاري. إِلاَّ أن تكون الخوارج أَوْ غيرهم رووا أن زيداً بعث بعد ذلك فالله قادر على ما يشاء، مع أن في هذا الحديث:((من كنت مولاه فعليٌّ مولاه)) لفظ متسق قوله:((اللَّهُمَّ وال من والاه، وعاد من عاداه، وأحب من أحبَّه، وابغض من أبغضه)).
وقوله:((هذا وليكم من بعدي))، هذا في رواية أخرى. فما معنى هذا القول؟
وما معنى قول عمر بن الخطاب يومئذٍ:(يهنيك يا بن أبي طالب؛ أصبحت - أو قال -: أمسيت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة)؟ أَلاَ قال: أصبحت مولى زيد، ولم يقل: مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة. لولا أنه أراد ولاء الدين؟!.
فإن قالوا: فإن عنى بقوله وَلاء الدين فليس إذاً لعليّ في هذا فضل على غيره؛ لأن الله يقول:{وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ}[التوبة/71] فعلي وليٌّ، وهم أولياؤه.
فقل لهم: فإن لم يكن له عليهم فضل بأنه وليُّهم، وهم أولياؤه، فرسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ (ليس له إذاً) فضل على المؤمنين؛ لأنه وليُّهم، وهم أولياؤه.
فإن قالوا: فما فضل علي بن أبي طالب على المؤمنين إن كان رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أراد به ولاء الدين؟(1/199)


فقل: أراد به أنه أولى بهم من أنفسهم كما أن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أولى بهم من أنفسهم، وكما أن الله تبارك وتعالى أولى بالمؤمنين من أنفسهم؛ لأنه يقول في كتابه:{[ذَلِكَ بِأَنَّ] اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لاَ مَوْلَى لَهُمْ}[محمَّد/11] ؛ فهو ولي المؤمنين ومولاهم في الدين، وليس بولي للكافرين ولا مولى لهم وهو مالكهم.
وقوله:{اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ}[البقرة/257] ثم قال:{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمْ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنْ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ}[البقرة/257] ، فأخبر أنه ولي المؤمنين، وليس بولي للكافرين.
ثم أخبر أنَّ ولاءه الذي وَلِيَ به المؤمنين لرسوله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ فقال:{النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ}[الأحزاب/6] أي في الدين.
ثم أخبر رسوله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أن الولاَء الذي جعله الله له في الدين لعلي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فقال:((من كنت مولاه فعلي مولاه))، و ((من كنت وليَّه فعليٌّ وليُّه)).
فولاية الله تعالى، وولاية رسول الله، وولاية علي بن أبي طالب، على الخلق واحدة.(1/200)

40 / 42
ع
En
A+
A-