أم من قام خطيباً فقال: أيها الناس لا يَتزوجنَّ أحدٌ منكم بأكثر من أربعمائة درهم فأعاقبه على ذلك.
فرده عن قوله امرأة من المسلمين فقالت: الله أعدل منك يا عمر؛ إذ يقول:{وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا}[النساء/20] .
فرد على نفسه: كلٌّ أفقه منك يا عمر؟
وما حجتهم على من خالفهم في الستر والرحى وخدمة الملائكة فقال: أيهما أولَى: أن يكون على بابه ستر معلّق بغير وتد، ورحَى تطحن بغير يد، أم مَنْ أمر برجم المرأة التي وضعَت لستة أشهر بغير علم منه ولا معرفة بعذرها في كتاب الله عَزَّ وَجَلَّ؟ أم مَنْ رده عن رجمها وقال: لا ترجمها يا عمر فإن عذرها في كتاب الله؟
فسأله: في أي كتاب الله؟
فقال: قوله: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ [لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ]}[البقرة/233] ، وقوله:{وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاَثُونَ شَهْرًا}[الأحقاف/15] .
فقال بعد ذلك: لولا عليٌّ لهلك عمر. وكفَّ عن ما أمر به من رجمها.
أو ما حجتهم على من خالفهم في حديث سارية فقال: أيُّهما أولى أن تفتح له الأرض حتى ينظر أقصاها وأدناها، أرجل سار بعسكره يوم صفين فأصابهم عطش شديد فلم يقدروا على ماءٍ فأمرهم أن يحتفروا في موضع، فاحتفروا فوجدوا صخرة مطبقة على عين ماءٍ فاقتلعها، فإذا فيها ماءٌ أرقُّ من الزلال، وأعذب من كل ماءٍ، فشربوا ووردوا، ثم أطبق الصخرة مكانها، فلما عاد عسكره إلى موضعها لم يقدروا على مكانها؟(1/191)


أم رجل جهل معرفة الخلافة والكلالة والربا، وفي جهله لهذه الثلاثة هلاك أمة محمَّد عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ فتقلد هذا كله على الجهل منه؟!.
أمَّا الخلافة: ففيها الأمر والنهي لجميع الخلق بما أمر الله ونهى عنه وافترضه.
وأمَّا الكلالة: ففيها مواريث الخلق.
وأمَّا الربا: ففيه تجارات الخلق ومعايشهم ومعاملاتهم؛ فصدقتموه على هذا؟!.
وكيف صدَّقتم شيبان الرَّاعي وهو عندكم دون عمر بن الخطاب أنه سار من واسط إلى مكَّة في ليلة ومعه رغيفان حاران عليهما كَامخ فَوَافَى بهما عرفات؟!.
أم كيف صدقتم حبيباً أبا محمَّد أنه كتب كتاباً ضماناً لرجل اشترى له داراً من الله في الجَنَّة، فلما حضرت الرجل الوفاة أوصَى ابنه أن يضع الكتاب في كفنه، ففعل ذلك ابنه، وبات حبيب ليلته فإذا بهاتف يهتف به: يا أبا محمَّد! هاك الكتاب فإن صاحبك قد وَافَى الدار.
فأصبح الكتاب تحت وسادة حبيب، وأن ابن ذلك الرجل قدم البصرة فدخل على حبيب فسلم عليه فقال: من أنت؟
فقال: أنا ابن الذي اشترى منك الدار في ا لجَنَّة.
قال: فما فعل الكتاب؟
قال: أمرني أن أضعه في كفنه فوضعته.
فقال له حبيب: أتعرف الكتاب إذا رأيته؟
قال: نعم. فأخرج الكتاب إليه.
فقال: هو والله هذا.
فقال له حبيب: فإن أباك قد وَافَى الدار.
فجاز هذا لكم؟!.
ومثله خبر الرَّبيْع الذي ادعت العامة أنه نزل من السماءِ فيه مكتوب: براءة من الله لعمر بن عبد العزيز.(1/192)


أم كيف صدَّقتم الخواض الذي كان يخوض النار في البصرة زمان أبي موسى، وقد احترقت البصرة فوجدوا شيخاً يسبح الحوض في بطن النار كما يخوض أحدكم الماء لا يناله منها شيء، فقال أبو موسَى: كيف لم تحترق؟!.
فقال له الشيخ: إنِّي عزمت على ربِّي أن لا يحرقني في النار.
فقال أبو موسَى:(عزمت عليك إلا ناظرت ربك أن يطفئ عنا هذه النار ). ففعل؟
أم كيف صدقتم إبراهيم بن أدهم أنه كان يُحَوِّل الحصى دنانير، وإذا أراد أن يتوضَأ صَبَّ أدواته فخرج منها الماءُ، وإذا أراد أن يشرب صبَّ فتحول ذلك الماء لبناً. وأشياء كثيرة لا تحصَى.
وما رووا من معجزات يحيى بن أبي كثير اليمامي، وأنه كان يقيم المقيم للصلاة فيخرج يسير في الهواء من اللهج إلى المسجد. مع أشياء كثيرة اختصرناها لكثرتها.
فكيف صدقتم في هؤلاء بهذه الآيات والمعجزات والأعاجيب، وأكذبتم ما جاء في أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ الذي قال له رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ:((أنت مني وأنا منك، لحمك من لحمي، ودمك من دمي)).
وهو وصيّ الوصيِّين ووارث علم النبيئين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، وصي محمَّد عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ، ووزيره، وأخوه، وخليفته على أُمَّته، وحجته، والمجاهد في سبيل الله، والسابق إلى دين الله، وقاتل الأقران في الله، وكاشف الكروب عن رسول الله، والذي له من الفضائل الشريفة، والمناقب العظيمة، ما لو قُسِّمَتْ على أُمَّة محمَّد لأوحلتهم كثرة؛ وإنما عددنا منها القليل من الكثير الجليل، زاده الله شرفاً وأنصفه من ظالِمِيه.(1/193)


وليس لهؤلاء الذين رويتم فيهم هذه العجائب والدلالات التي صَدَّقتموها فضيلة يستوجبون بها المنازل التي ذكرتم.
[شبهات وردود]
[زعم الخوارج أن الصلاة لا تجوز إلا على النبيين]
وزعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم أن الصلاة لا تجوز على أحد إلا على النبيئين لا على غيرهم.
فلعمري: ما قصدت الخوارج بهذا المعنى إلا بغضة لآل محمَّد عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ؛ إذ أمر الله رسوله بالصلاة عليهم؛ لأن الصلاة من الله هي الرَّحمة، وكذلك قوله تبارك وتعالى:{رَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ}[هود/73] ؛ فهذا البيت الذي نزلت فيه الرَّحمة غير بيت محمَّد عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ؟
وقوله:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا * وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً * هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}[الأحزاب:41-43] ، فإذا كانت الصلاة من الله على المؤمنين فما الذي أخرج أهل بيت النبيّ منها وهم المؤمنون وبهم أمن المؤمنون؟
فبماذا استوجبت الخوارج الدخول في الصلاة ويُخْرَجُ منها آل محمَّد -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟!(1/194)


وقوله تبارك وتعالى:{وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة/155-157] ، فإذا كانت من الله الصَّلاة والرَّحمة والهُدَى على الصَّابرين فما الذي أخرج أهل بيت محمَّد منها وهم الصابرون الذين صبروا على المصائب في الله مع رسوله، ومنذ قبض الله نبيَّه عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ على القتل، والصلب، والحريق، والظلم، ومنع الحقوق إلى يومنا هذا مع قول النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ:((لا تُصلُّوا عليَّ صلاةً بتراء)).
فقيل: يا رسول الله! وما الصلاة البتراء؟
قال:((أن تُصلُّوا عليّ وحدي؛ ولكن صَلُّوا عليَّ وعلى أهل بيتي فقولوا: اللَّهُمَّ صلِّ على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ، وبارك على محمَّدٍ وعلى آل محمَّدٍ، كما صَلَّيت وباركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميد مجيد)).
[الجواب على زعم الخوارج: أن قول الشيعة في علي (ع) كقول النصارى في عسيى بن مريم عليهما السلام]
وزعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم أن مثل الشيعة في قولهم في علي بن أبي طالب كمثل النصارى في قولهم في عيسى بن مريم عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ؛ ادعت النصارى أن عيسى إله، وادعت الشيعة أن علياً إله؛ فقد نفى عيسى ذلك عن نفسه فتعالى الله عمَّا يقولون علواً كبيراً.(1/195)

39 / 42
ع
En
A+
A-