فسل الخوارج: من أعلم علياً عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بهذا الغيب؟
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بمصارع الحسين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بكربلاء]
ومن ذلك خروجه يريد صفين والخوارج معه فسار بكربلاء فقال: هاهنا مصارع الحسين وأصحابه، هذا مناخ ركابهم، هذا محل رحالهم، هذا مهارق دمائهم، فكان ذلك.
فقل للخوارج: من أعلم علياً بهذا الغيب؟
[خبر الراهب والعين]
ثم سار حتى انتهى إلى راهب في صومعته وقد انقطع الناس بالعطش فشكوا ذلك إليه عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ وذلك أنه أخذ بهم طرق البر وترك الفرات عياناً، فدنا من الراهب فهتف به فأشرف إليه من صومعته فقال: يا راهب هل قرب قائمك من ماءٍ؟ فقال: لا.
فسار قليلاً حتى نزل في موضع فيه رمل فأمر الناس فنزلوا وأمرهم أن يبحثوا عن ذلك الرَّمل، فأصابوا تحت ذلك الرَّمل صخرة؛ فقلعها أمير المؤمنين بيده رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ونحاها فإذا فيها ماءٌ أرقُّ من الزلال، وأعذب من كل ماءٍ، فشرب الناس وارتووا وحملوا وردوا الصخرة والرَّمل كما كان.
ثم سار فقال أمير المؤمنين: بحقي عليكم إلا رجعتم إلى موضع العين فنظرتم هل تقدرون عليها.
فرجع الناس إلى موضع الرمل فبحثوا الرمل فلم يصيبوا العين.
فسل الخوارج: من أعلم علياً بهذا الغيب؟.
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ أن قاتله عبد الرَّحمن بن ملجم لعنه الله]
وقوله لعبد الرَّحمن بن ملجم كلما نظر إليه في عسكره:
أريد حياته ويريد قتلي .... عذيرك من خليلك من مراد(1/181)
أما والله لتخضبن هذه من هذه، ووضع يده على صلعته ثم وضعها علي تحت لحيته، فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين ألا تقتله؟
فقال: ومن يقتلني؟.
فسل الخوارج: من أعلم علياً بهذا الغيب؟
وفي الليلة التي قتل صبيحتها بات تلك الليلة يصلي و يدعو وجعل رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يدور - رَحِمَهُ اللهُ وَغَفَرَ لَهُ - ويختلف ويتمثل ويقول:
أشدد حيازمك للـ .... ـموت فإن الموت لاقيك
ولا تجزع من الموت .... إذا حلّ بواديك
فقالت له ابنته زينب: لقد طال سهرك ليلتك هذه وتمثلك بهذا البيت! فقال لها: يا بنيَّة! هذه أول ليلة من الآخرة، وآخر ليلة من الدنيا.
فخرج عند طلوع الفجر، فخرج إليه ابن ملجم، - لعنه الله وأخزاه - فضربه بالسيف فقبض عليه أمير المؤمنين - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَرَحْمَتُهُ - فقال له: [أنت] عبد الرَّحمن بن ملجم؟
قال: نعم يا أمير المؤمنين.
قال له علي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: الله أكبر، الله أكبر، والله ما كذبت ولا كذبت.
فسل الخوارج: من أعلم علياً بهذا الغيب؟
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ عن ظهور نهر يخرج بالكوفة]
وقوله لأهل الكوفة: أنا أخبركم أنه [سيجري] هاهنا نهر [يكون] أوله ضراً على أهل الكوفة، وآخره منفعة لهم أكنتم مصدقي بما قلت؟!
قالوا: يا أمير المؤمنين! ويكون هذا؟ قال:(والله لكأني أنظر إلى نهر في هذا الموضع قد جرى فيه الماء وجرت فيه السفن يكون عذاباً على أهل هذه القرية أولاً، ورحمة لهم آخراً). فلم يلبث إلا أياماً حتى حُفر نهر الكوفة فكان كما قال لهم.
فسل الخوارج: من أعلم علياً بهذا الغيب؟(1/182)
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بحرق وغرق البصرة]
ومثل قوله في البصرة:(يا بصرة، يا جند المرأة، وأتباع البهيمة لتحرقنّ ولتغرقنّ حتى لا يرى إلا منارة مسجدها)، كأنه جوجو سفينة، فقد حرقت [ونحن] ننتظر الغرق تصديقاً لقول أمير المؤمنين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ.
فسل الخوارج: من أعلم عليّاً بهذا الغيب؟
[في قسمة مال بيت المسلمين بالبصرة]
ومثل حديث عبد الله بن عباس إذ أمره أمير المؤمنين أن يقسم ما في بيت المال في البصرة بين أصحابه لكل رجل خمسمائة درهم لا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، فقسم المال كما أمره فبقي ألف وخمسمائة درهم؛ فقال: يا أمير المؤمنين؛ أمرتني أن أقسم لكل رجل خمسمائة درهم، وذكرت أنها لا تزيد ولا تنقص، وأنه بقي ألف وخمسمائة درهم؟
قال: صدقت يا ابن عباس، هات أعطني خمسمائة وادفع إلى الحسن والحسين كل واحد منهم خمسمائة.
فسل الخوارج: من أعلم عليّاً بهذا الغيب؟
[خبر النبي دانيال]
وبما روي في كتاب ( فتوح عمر بن الخطاب ) أن قوّاده وجدوا قبراً فيه رجلاً طول أنفه شبراً، فلم يدروا ما شأنه، فكتبوا إلى عمر بن الخطاب، فلم يجد عمر علمه عند أحد من جميع أصحاب محمَّد رسول الله صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ؛ حتى أرسل إلى علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فسأله عنه وأخبره بما كتب إليه أبو موسى الأشعري من جهله للميت.
فقال علي لعمر: أو ما عرفت الرجل أنت ومن معك من أصحاب رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؟!.
فقال عمر: ما عرفته؛ وهم هؤلاء ما عرفوه.(1/183)
فقال علي بن أبي طالب: هذا نبيء من الأنبياء يقال له (دانيال).
فقال: ما علمك به؟
فقال: أعلمني به رسول الله صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
وكتب عمر إلى أبي موسى بخبره ذلك، فأخبر أبو موسى؛ فأرسل بكتاب عمر فآمن القوم وقالوا: صدقتم؛ أنتم أصحاب نبي وصاحبكم وصي نبي.
فلما وصل كتاب أبي موسى إلى عمر قرأه على أصحابه [ثم قال] لعليٍّ: ما أعلمك يا أبا الحسن، وما أحلمك وأنبلك.
[علي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ يفتي قاضي الجن أبي حازم في مسألة سأله عنها]
ومثل هذا حديث أبي حازم قاضي الجن رواه محمد بن إبراهيم بن محمد قاضي الجنَد فقال - وهو المخالف لنا ولكم - قال: بينَا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب يخطب الناس على منبر الكوفة إذ أقبل ثعبان عظيم فجعل يتخلخل الناس وأجفلوا عنه وهم يريدون قتله، فقال لهم أمير المؤمنين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: اتركوه.
ثم أتى إلى المنبر وارتقى حتى حاذى برأسه رأس أمير المؤمنين، ثم التقم أذنه، فسمعنا له نقيقاً كنقيق الضفدع، فأجابه أمير المؤمنين بمثل نقيقه، فسألوا عليّاً عن ذلك فقال: هذا أخي أبو حازم قاضي الجن يسألني عن مسألة فأخبرته بها.
وأشياء كثيرة ممَّا لا يعلهما إلا نبي أو وصي نبي.
[الجواب على من أنكر الدلائل والأعلام في أمير المؤمنين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ]
فإن أنكرت الخوارج وقالوا: لا تكن هذه الدلائل والأعلام إلا مع نبي، وقد انقضت النبوة والوحي بعد محمَّد -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-.(1/184)
فقل للخوارج: إنا لم ندَّع هذه الآيات والدلائل لعليّ أنه نبي، ولا أنه أوحي بها إليه، ولا علمها من تلقاء نفسه؛ إنما ادعيناها له من جهة النبي - صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْلِهِ - وأجازه [إيَّاها] إذ كان وصيّه وحجته على أُمَّته من بعده، وموضع أسراره، ومستودع علمه.
وقد علمنا وعلموا أن أحداً من جميع الأُمة لم يدَّع هذه الفضائل لنفسه ولا ادعاها أحدٌ لا من أصحابه ولا من غيرهم.
فإن أنكروا هذه الدلائل في أمير المؤمنين فقل لهم: هل تنكرون أن هذه الدلائل والأعلام مع وليّ من أولياء الله تعالى نالها بطاعة الله؟
فإن قالوا: قد يمكن، وقد ولا يمكن.
فقل لهم: هل يمكن أن يكون عدو من أعداء الله نالها بمعصية الله؟
فإن قالوا: نعم.
فقل لهم: هل تنكرون أن إبليس قد نال بمعصية الله - زعمتم - ما لم ينله ولي الله بطاعة الله، فأخبرونا بأي منزلة قال إبليس على أنه شخص واحد يتصور - زعمتم - في كل صورة، ويتجسم كل جسم في مشرق الأرض وفي مغربها، وفي بَرِّها وفي بحرها، لا يخلو منه مكان - زعمتم - ثم مكَّن الله له من جميع الخلق بقولكم وقول الحشوية حتى علم وساوس الصدور وخفقان القلوب، وهو أخس الأوهام، فهو - زعمتم - مع كل عبد وحر، وذكر وأنثى، ومؤمن وكافر، مشارك الخلق في الأموال والأولاد، لا يخفى عليه من ولد آدم شيء.
وقد روت الحشوية أن إبليس قال: ما ولد مولود قط من ولد آدم إلا وأنا أعلم متى حُمل به ومتى وُلِد إلا عيسى بن مريم عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ فإني لم أعلم متى حُمل به ومتى ولد.(1/185)