طوبى لمن أدركهم وجاهد معهم ونصرهم، المقتول معهم كالمقتول مع النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ، والمجاهد معهم كالمجاهد معه.
لا يعرف بعد ظهورهم الجور، يتوارثون الحق آخراً عن أول، آخرهم يتبع سيرة أولهم، ليس معهم غوي ولا ذي جرأة، يتوارثونه إلى يوم القيامة.
فقل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: ما بال رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- خَصَّ عليّاً بهذا العلم ولم يساوِ بينهم فيه؟
وقل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: أليس قد كان هؤلاء الملوك والخلفاء الذين ذكرهم عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ وسيكون المهدي، فمن أعلم علياً بهذا الغيب؟
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ رشيد الهجري بما سيقع به من تمثيل وقتل على يد الدَّعِي عبيد الله بن زياد]
وحديث أبي حيَّان العوفي عن قنوى بنت رشيد الهجري قال: قلت لها: أخبريني بما سمعت من أبيك؟
قالت: سمعت أبي يقول: قال حبيبي أمير المؤمنين: يا رشيد! كيف صبرك إذا أرسل عليك دَعِي بني أميَّة فقَطَّع يديك ورجليك ولسانك؟
قلت: يا أمير المؤمنين أليس أجر ذلك الجنة؟ قال: بلى؛ يا رشيد أنت معي في الدنيا والآخرة.
قالت: فوالله ما ذهبت الأيام حتى أرسل إليه الدَّعِي عبيد الله بن زياد؛ فدعاه إلى البراءة من عليٍّ، فأبى أن يبرأ منه.
قال له: فبأي ميتة قال لك تموت؟
قال: أخبرني خليلي أنك تدعوني إلى البراءة منه، فلا أبرأ منه، فتقطع إذ ذاك يدي ورجلي ولساني، فقال: والله لأُكَذِبَنّ قوله فيك اليوم؛ قَدِّموه فقطِّعُوا يديه ورجليه واتركوا لسانه حامِلُه طوائفه.(1/176)


فلما قُطعت يداه ورجلاه قالت له ابنته: جعلت فداك هل تجد لما أصابك ألماً؟
قال: لا يا بنية.
فكان الزحام بين الناس، فلما حملناه وأخرجناه من القصر اجتمع الناس حوله قال: ائتوني بصحيفة ودواة. فكتب الكاتب: بِسْمِ اْللهِ اْلرَّحْمَنِ اْلرَّحِيْمِ، وذهب اللعين. فأخبره أنه يكتب للناس ما يكون إلى أن تقوم الساعة، فأرسل إليه الحَجَّام حتى قطع لسانه فمات في ليلته تلك رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وَرَحِمَهُ.
وكان أمير المؤمنين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ يسميه (رشيد المنايا). وكان قد ألقى إليه علم المنايا والبلايا، فكان إذا لقي الرجل قال: يا فلان أنت تموت موتة كذا وكذا، وتُقتل أنت يا فلان بقتلة كذا وكذا. فيكون كما قال رشيد.
قل للخوارج: أليس قد كان هذا؟ فمن أعلم علياً [عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ]بهذا الغيب؟
[إخباره صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ ميتماً بما سيقع به من القتل والصلب على يد الدَّعِي عبيد الله بن زياد]
وحديث علي الخياط عن عبد الله بن الوضاح، عن يوسف بن عمران الميتمي، عن أبيه قال : قال سمعت أبي ميتماً يقول: دعاني أمير المؤمنين - رَحْمَةُ اللهِ عَلَيْهِ - يوماً فقال لي: كيف أنت إذا دعاك دعي بني أُميَّة عبيد الله بن زياد إلى البراءة مني؟
فقلت: إذاً والله لا أبرأ منك يا أمير المؤمنين.
قال: إذاً والله يقتلك ويصلبك!!.
فقلت: إذاً والله أصبر وذلك في الله قليل.
قال: يا ميتم! إذاً تكون معي في درجتي.(1/177)


قال: فكان ميتم يمر بعريف قومه فيقول : يا فلان كأني بك قد دعاك دعي بني أُميَّة بن دعيها فيطلبني منك فتقول: هو بمكَّة، فيقول لك: لا أدري ما تقول! لا بد لك من أن تأتيني به، فتخرج إلى القادسية فتقيم بها أياماً، فإذا أُقْدِمْتُ عليك ذهبت بي إليه فيقتلني على باب عمرو بن حُريث، فإذا كان اليوم الرابع ابتدر منخاري دماً عبيطاً.
قال: وكان ميتم يمر بالنخلة السمحة فيضرب بيده عليها ويقول: يا نخلة لك نبت ولك غذيت.
وكان يمر بعمرو بن حُريث فيقول: يا عمرو! إذا جاورتك فأحسن جواري.
فكان عمرو يرى أنه يشتري إلى جنبه داراً أو ضيعه لزق ضيعته، فكان عمرو يقول: ليتك قد فعلت.
فخرج ميتم إلى مكَّة وأرسل الطاغية عبيد الله بن زياد إلى عريف ميتم فطلبه من العريف فأخبره أنه بمكَّة، فقال له: لئن لم تأتني به لأقتلنك.
فأجَّل له أجلاً، وخرج العريف إلى القادسية ينتظر ميتمًا، فلمّا قدم ميتم أخذ بيده فأتى به عبيد الله بن زياد.
فلما أدخله عليه قال: ميتم!. قال: نعم!؟ قال: تبرأ من أبي تراب، قال: لا أعرف أبا تراب.
قال: فتبرأ من علي بن أبي طالب.
قال: فإن أنا لم أفعل؟
قال: إذاً والله أقتلك.
قال: أما إنه قد كان يقول: إنك تقتلني وتصلبني على باب عمرو بن حُريث، فإذا كان اليوم الرابع ابتدر منخاري دماً عبيطاً.
قال: فأمر به .
فقُتِل رَحِمَهُ اللهُ ، وصلب على باب عمرو بن حريث، فقال للناس: سلوني هو مصلوب قبل أن يموت!؟؛ فوالله لأخبرنكم بما يكون إلى يوم القيامة.(1/178)


فلما سأله الناس عن حديث واحد أتاه رسول ابن زياد فألجمه بلجام من شريط، فهو أول من أُلجم بلجام، وهو مصلوب.
فقل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: أليس قد كان ذلك؟ فمن أعلم علياً بهذا الغيب؟
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بما يجري من أمر الخوارج، وطلبه لذي الثُّدَيَّة]
والحديث الذي روته العامة أن أمير المؤمنين لما سار إلى النهروان في قتال الخوارج شك رجل من أصحابة يقال له جندب الأسدي فبلغ أمير المؤمنين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ شكُّه في قتال الخوارج فقال له:(يا جندب! الزمني)، فلزمه.
فلما دنوا من قنطرة النهروان التي كانت من ورائها الوقعة خفق أمير المؤمنين عند زوال الشمس فأتاه قنبر - رَحِمَهُ اللهُ - يؤذنه بالصلاة، فانتبه فقال له:(ائتني بشيء من ماءٍ).
فقعد فتوضأ وأقبل فارس يركض فقال: قد والله يا أمير المؤمنين عَبر القوم القنطرة، قال:(كذبت والله ما عَبر القوم قنطرة، ولا يعبرونها، ولا يقتلون منا عشرة، ولا يفلت منهم عشرة).
فلما سمع جندب مقالة أمير المؤمنين قال: الله أكبر هذه والله علامة قد أعطانيها.
ثم أقبل فارس آخر يركض [بفرسه] فقال: والله يا أمير المؤمنين قد كاد القوم يعبروا. قال:(صدقت). ثم صلَّى بالناس الظهر وتوجه بمن معه من الناس نحو القنطرة.
قال جندب: والله لا يصل إلى القنطرة قبلي أحد من الناس. وكان تحته فرس جواد فركضه حتى أتى القنطرة ورجال القوم وراء القنطرة، وكان جندب أول من رمى1 بسهمه فيهم، وأول من طَعن برمحه وضرب بسيفه.
فلما أن قتلهم علي قال:(اطلبوا [لي] ذا الثدية).(1/179)


فطلبوه فلم يصيبوه، فقالوا: يا أمير المؤمنين ما أصبناه.
فقال:( اطلبوه؛ فوالله ما كَذَبت ولا كُذِّبت، ولا ضللت ولا ضُلَّ بي، وإنِّي لعلَى بيِّنة من ربِّي بيَّنها لنبيئه فبيَّنها لي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ).
ثم توجه هو بنفسه مع أصحابه حتى أتى إلى ساقية فإذا فيها قتلى كثير - لا رحمهم الله - بعضهم على بعض فقال:(اقلبوهم) . فاستخرجوه من تحتهم، فقال:(هذا هو).
ثم قال:(الحمد لله الذي قتلك يا عدو الله وعجَّل بك وأصحابك إلى النار).
وقد كانت الخوارج خرجوا عليه قبل ذلك بحرورا بجانب الكوفة اثنَي عشر ألفاً فأتوه بخبرهم فخرج إليهم في الناس وعليه إزار ورداء راكباً بغلةرسول الله [-صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-]، فقال الناس: يا أمير المؤمنين: تخرج إليهم في إزار ورداء إن القوم شاكون في السلاح؟
فقال: إنه ليس يوم قتالهم؛ ولكنهم سيخرجون علي في قابل بالنهروان أربعة آلاف يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية.
فلما برز إليهم بحرورا قال لهم: ارضوا بمائة منكم.
ثم قال للمائة: ارضوا بخمسين منكم.
ثم قال: ارضوا بعشرين، ثم قال: ارضوا بعشرة، ثم قال: ارضوا برجل.
ثم قال: ليس اليوم أوان قتالكم، وستفترقون حتى تصيروا أربعة آلاف وتخرجوا عليَّ قليلاً في مثل هذا الشهر، في مثل هذا اليوم؛ فأخرج إليكم أنا وأصحابي فأقاتلكم حتى لا يبقى منكم مخبر؛ والذي فلق الحبة وبرأ النسمة لهكذا أخبرني أخي - صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ .
قال: فافترقوا حتى صاروا أربعة آلاف كما قال أمير المؤمنين فقتلهم حتى ما بقي منهم رجل.(1/180)

36 / 42
ع
En
A+
A-