وأمَّا أن يعلمهم ما يكون وما هو كائن فلم يكن ذلك عليه صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ واجباً؛ لأنه لو كان ذلك واجباً عليه لما ترك أن يعلم أهل المدينة بذلك رجلاً رجلاً، وأهل مكة رجلاً رجلاً، ثم يخرج إلى المدائن والقرى والآفاق، والمشرق والمغرب، ويأتي إلى الإمرأة في خدرها، وإلى الأعرابي في بدوه،وإلى الرَّاعي في مرعاه، فيعلمهم جميعاً، فيكون الله تعالى قد ألزمه ما لا يطيق.
وَلَمَا قبضه الله حتى يعلم الأولين والآخرين حتى يساوي بينهم في العلم، وهذا ما لا يكون.
وقد أخبرنا الله عَزَّ وَجَلَّ أن العلماء بعضهم أعلم من بعض حيث يقول:{وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ}[يوسف/76] .
وليس ما علَّمَه رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ عليّاً من العلم الذي لا يوجد علمه إلا عند عليّ بنقص على رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ولا خيانة، ولا تفريط؛ لأنه عائد نفع ذلك على الأمَّة؛ لأنها محتاجة إلى إمام يقوم لها بدينها، وشاهد ذلك قول رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((أنا مدينة العلم وعلي بابها، فمن أراد المدينة فليأتها من بابها))، وقول الله تعالى:{أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لاَ يَهِدِّي إِلاَّ أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ}[يونس/53] .(1/171)


وقد علمت الأمَّة أن جميع أصحاب محمد -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كانوا يحتاجون إلى عليّ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ في جميع النوازل والحوادث، ويسألونه عما لا يعلمون، فهذا يوجب أن الناس في العلم بعضهم أرفع من بعض.
فإن أنكروا ذلك؛ فقل لهم: فَلِم روى الآخر عن الأول؟
وما بال الآخر لم يساوِ الأول في العلم؟
ولم رووا عن أبي بكر علماً (لم يرووه عن عمر)، وعلماً لم يرووه عن عثمان؟
فلا أراه عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ ساوَى بينهم في المعرفة في العلم؛ (بل) أوصى إلى عليّ وعلَّمَه من العلم ما لم يعلم أحداً من جميع الأمَّة.
وقد أخبر الله عَزَّ وَجَلَّ عن نعمته وفضله على إبراهيم خليله عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ؛ حيث يقول ممَّا خص به أهل بيت إبراهيم:{وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}[العنكبوت/27] ؛ إذ كانت ذارري الأنبياء عليهم السلام أكرم على الله من غيرهم.
[إخباره عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ ما يجري من أمر خلافة بني أميَّة ومن بعدهم من بني العبَّاس قبل وقوعها، وكذلك إخباره عن ظهور المهدي عليه السلام]
وبعد: فإن أنكروا ذلك فليروُوا لنا عن أحد من الخلق ما قد روينا نحن وهم في علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ وعنه مما لم تروه الأُمة عن غيره أول خلافة بني أمية رجلاً رجلاً، ثم خلافة بني العباس بعدهم.(1/172)


هذا عبد الله بن عبد الرَّحمن روى عن أبيه، عن معمر قال: لما كان في اليوم الذي بويع فيه لأبي بكر دخل على عليّ المقداد بن الأسود، وسلمان الفارسي، وعمَّار بن ياسر، ونفر من أصحاب رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فقالوا له: أخرج بنا فنجاهدهم في الله.
فكره علي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ وقال: رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أمرني [أني] لا أرتدي ثوباً حتى أفرغ من تأليف القرآن.
ثم حمد الله وأثنى عليه، ثم قال:
سيكون من بعد ما ترون أمور كثيرة؛ إنه سيلي هذا الأمر من بعدي نفر من بني أُميَّة، يلي منهم رجل يجتمع عليه أمر الأُمة واسع الصدر، ضخم الحلقوم، يأكل ولا يشبع، لا يموت حتى لا يبقى له في السماء ناصر، ولا في الأرض عاذر.
ثم تفضي من بعده إلى رجل شرير، جريء على الله، مستحل لما حرم الله، يميز عقبي، ويقتل ولدي، ويذبح حرم رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، يتعدى على عباد الله، قليل العمر، كثير في سياسته شره.
ثم تفضى من بعده إلى رجل بخيل ذي حمية وعصبية، إمام جاهلية، ليس بمحمود في فعله وفي جنده، يختل دين الله، يقتل في حرم الله وأمنه.
ثم تفضى من بعده إلى رجل كثير المثالب، منتصر الكتائب، يذل العباد، ويدوخ البلاد، كثير الفساد والأعوان والأجناد.
ثم تفضى من بعده إلى رجل ليس بدونه في الشر، لا يقيل عثرة، ولا يستر عورة. يسير بسيرة أبيه، ليس له شبيه، ذي لسان طويل، ونَيْل قليل.
ثم تفضى منه إلى رجل متعاهد بجنده، مانع لرفده، قليل وفاؤه، نزير عطاؤه.(1/173)


ثم تفضى من بعده إلى رجل متورع ممسك وليس كذلك ذي نفاق، ويقسم الزكاة والفيء، ويكثر الصوم والصلاة؛ يتصنع للرعية، ويقسم بالسوية، يقتله آمن خدمه عنده، وأحظى حشمه لديه.
ثم تفضى من بعده إلى رجل يحذو حذو آبائه بالفجور، ويغر عباد الله بالغرور، يملك أربع سنين، ثم تقوم عليه قيامته.
ثم تفضى من بعده إلى رجل فاجر مشوم، فاسق ظلوم، مارد غشوم، يقتل من ولدي وشيعتي أخياراً علماءاً، أحباراً أبراراً أتقياء.
ثم تفضى من بعده إلى رجل يقفو على أثره، ويتبعه على سيرته، ذو أمل طويل وعمر قليل.
ثم تفضى من بعده إلى رجل أقل منه عمراً، وأكثر منه شرًّا.
ثم تفضى من بعده إلى المخلوع من بني أُميَّة، كثير الغي، بعيد الرشد عند انقضاء مدتهم وتصرّم ملكهم.
ثم تفضى من بعده إلى رجل آخرهم سلطانا، وأكثرهم طغياناً، لا يلي بعده منهم إنسان، ولا يجتمع منهم اثنان.
ثم تفضى من بعده إلى رجل من بني العباس ذي همم كثيرة قبيحة، يأخذ بالجريرة ويقتل بالصغيرة، وملكه في نواحي الحيرة.
ثم تفضى من بعده إلى رجل خرب الطرائق، قليل المرافق، يقتل البر الصادق، ويستحي من الظلوم الفاسق، ولا يبقي خَيِّراً إلا قتله، ولا فاسقاً إلا موَّله وخوَّله، يصيب أهل بيتي منه بلاء طويل وعذاب أليم.
ثم تفضى من بعده إلى رجل حسود حقود، ظلوم غشوم.
ثم تفضى من بعده إلى رجل جميل الصورة، قبيح السيرة، تدين له البلاد، ويخضع له العباد، وتجتمع له الأجناد.
ثم تفضى من بعده إلى رجل ضعيف النحيرة، لئيم الغريزة، يُهراق دمه، ويقتله حشمه.(1/174)


ثم تفضى من بعده إلى رجل متصنع متشيِّع، ذي دهاء وأدب، وكلام وخطب، يُظهر مودتنا ويضمر بغضنا.
ثم تفضى من بعده إلى رجل سائس للملك، مقرب للترك، شجاع القلب، مجتمع اللب.
ثم تفضى من بعده إلى رجل حسن الطريقة، سهل الخليقة، يحسن حال أهل بيتي وهو خير أهل بيته.
ثم تفضى من بعده إلى رجل فاسق، مارق، أحمق، صاحب لذات، وله خلوة، ويقتل في أمن خلافته وقد تفرد بلذّاته، وخلا بشهواته.
ثم تفضى من بعده إلى رجل ذي همم طويلة، وعقل راجح، ذي عمر قصير، وأمل طويل، مشهور أمره، قليل عمره، مرتفع ذكره.
ثم تفضى من بعده إلى المخلوع من بني العباس، المكبود المقهور، المقتنع باليسير.
ثم تفضى من بعده إلى رجل يقهره جنده، ويقتله عبيده.
ثم تفضى من بعده إلى رجل مارق، فاسق، غوي، يظهر الدَيَانة، ويخون الأمانة. ثم يقتله الغواة والجفاة.
ثم تفضى من بعده إلى رجل (عقله) ضعيف، ودينه سخيف.
ثم تفضى من بعد ذلك إلى رجل لا تصلح له ولا يصلح لها.
ثم تفضى من بعده إلى رجل متداهي غافل عمَّا يطرقه لاهي، لا يعلم حتى يأتيه هلكه ويزول ملكه، وهو آخرهم ملكاً، وأسرعهم هلكاً، وعند هلكه ..
يظهر أمر الله [سبحانه]، ويعز أولياءه، ويظهر الحق، ويزهق الباطل، ويظهر المهدي؛ اسمه اسم النبي واسم أبيه كاسم أبيه، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً.
يختم الله به وبولده أئمة الخلافة كما ختمت بمحمَّد -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- النبوءة، لا تزول عنهم الخلافة بعد أن تكون فيهم، ولا يزالون مع الحق والحق معهم حتى يردوا الحوض.(1/175)

35 / 42
ع
En
A+
A-