فقل لهم: أولئك حُجَج الله وأوصياء رسوله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ؛ لأن الله عَزَّ وَجَلَّ قد احتج بهم على خلقه خلفاء من بعد النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- واحداً بعد واحدٍ، فلذلك سمَّاهم فقال:{وَالْمُؤْمِنُونَ}.
فإن أنكروا ذلك على الأوصياء خاصة، وقالوا: هي في المؤمنين عامَّة.
فقل لهم: فليقصدوا لنا رجلاً منهم أو من غيرهم ممَّن لا يشكّون في إيمانه ليخبر رجلاً منا أو من غيرنا من عمله الذي يعمل في منزله في ليل أو نهار، أو سر أو علانية، حتى نعلم أنه من أهل هذه الآية الذي يطلعون مع الله ومع رسوله على أعمال العباد إن كانوا صادقين.
فإن قالوا: لسنا ننكرها عن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ وعلم ما أطلعه الله عليه؛ إذ كان حُجَّة الله على خلقه، ولكن ننكر قولكم إن علي بن أبي طالب يعلم الغيب، وإنكم إنما تأولتم فيه، وقلتم فيه ما ليس فيه ولا له، ولم يدّعه لنفسه.
قلنا لهم: أمَّا نحن فلم ندع أن عليّاً يعلم من الغيب شيئاً من تلقاء نفسه، أو أنه إله.
ونحن ننسبه إلى أبي طالب، فالإله ليس له أب، وننسب الحسن والحسين إليه ابنين، والإله لا ولد له، ونقول إنه [زوج] فاطمة [رضي الله عنها]، والإله لا صاحبة له، وهو بشر يناله من الملالة والضجر، والموت والحياة ما ينال مثله، وهو متعبد في صلاته وصيامه وحَجِّه وجهاده.(1/166)


فمن كان على هذا الحال كيف يكون إلهاً؟ وَلِمْ أتعب نفسه بالعبادة، وَلِم خلق معاوية إن كان إلهاً حتى يقاتله، وَلِم خلق ابن ملجم حتى يقتله؟ إن هذا الإله ضعيف، وهذا قول الرعاع والهمج، ومن لا رَوِيَّة له، ولا معرفة عنده.
وكيف تقول الشيعة هذا وهم رجال الأُمَّة في أهل العلم والنظر، والتوحيد والعدل، ولولاهم لظهرت الزنادقة على الأُمَّة، ولا كان في سائر الفرق تمييز بين الحق والباطل، ولا من يعرف الخطأ من الصواب.
فهم رجال الإسلام، والذابون عن دين الله عَزَّ وَجَلَّ، وأهل الفتش والنظر والعلم بالقرآن والحجج المنيرة، والأقوال الرشيدة، والبيان الزاهر، ولله عَزَّ وَجَلَّ المِنَّة عليهم في ذلك؛ إذ هم الفرقة الناجية.
ولكن من قول الشيعة: إن رسول الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ قد أطلعه الله من غيبه على ما يحتج به على عباده ليكون له عليهم بذلك شهيداً، ويكون له بتصديقهم إيَّاه حُجَّة، فلم يبق ممَّا تحتاج إليه الأُمَّة من قليل ولا كثير، ولا دقيق ولا جليل، ولا حلال ولا حرام، ولا ما قد كان ولا ما هو كائن إلى يوم القيامة إلا وقد علمه رسول الله عن الله.
وكذلك علي بن أبي طالب عَلِمَه عن رسول الله، فرسول الله حُجَّة الله، وعلي حُجَّة لرسول الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ.
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
تم الجزء الثالث بمنّ الله وعونه وتوفيقه وصلَّى الله على سيدنا محمَّد وآله وسلم.
يتلوه الجزء الرابع: وكذلك الأئمة من بعد علي الخلف منهم حُجَّة السلف، ولا تخلو الأرض لله عَزَّ وَجَلَّ من حُجَّة.
ـــــــــــــــ(1/167)


الجزءُ الرَّابِعُ مِن كِتاب الكامل المنير([243])
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم

[اطلاعه (ص) عليّاً عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ على بعض المغيبات، وذكر جملة من ذلك]
وكذلك الأئمة من بعد علي الخلف منهم حجة السلف، ولا تخلو الأرض لله عَزَّ وَجَلَّ من حجة، عِلْمُ آخرهم من علم أولهم، ولقد كان علي بن أبي طالب يدَّعي ذلك ويقول على رؤوس الخلائق، لا ينكر ذلك عليه منكر، ولا يدعيه عليه أحد؛ من ذلك أنه كان يقول: سلوني قبل أن تفقدوني؛ فوالله لأنا بطرق السماء أعلم من العالم [منكم] بطرق الأرض، وما من فتنة يهلك فيها مائة وينجو منها مائه إلا نبأتكم بسائقها، وقائدها، وناعقها إلى يوم القيامة.
وكان يقول: أنا يعسوب المؤمنين، وغاية السابقين، ولسان المتقين، وخاتم الوصيين، ووارث علم النبيئين.
فمن كان يقول هذه المقالة ويدعي هذه الدعوى؟ لا ينكرها أحد، ولا يدعي مثلها أحد، ما ينكر المنكرون عليه أن يكون الله ورسوله [صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ] قد أطلعه على علم الغيب على ما لم يطلع عليه أحد بعد رسول الله مُبلِّغاً عن الله، وكان علي مُبلِّغاً عن رسول الله.
فإن قالوا: قد ادعيتم أن رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد أطلعه على ما كان وعلى ما هو كائن إلى يوم القيامة، فما باله حكَّم الحكمين وهو يعلم أنهما يخلعانه وقد أعلمه النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ بذلك؟(1/168)


فقل لهم: ليس عليه بتحكيم الحكمين إن كان حكمهما حجة، ولا يلزمه في ذلك إلا ما يلزم أنبياء الله ( عليهم السلام ) بعلمهم لمن لا يؤمن بهم ثم يدعوهم إلى الإيمان.
وهذا نوح عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ لبث في قومه يدعوهم إلى الله [تعالى] ألف سنة إلا خمسين عاماً، فما كان علمه أنهم لا يؤمنون إذ قال:{رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنْ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا * إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلاَ يَلِدُوا إِلاَّ فَاجِرًا كَفَّارًا}[نوح/26-27] ؛ فمن أين علم أن مَنْ في أصلاب الرجال وأرحام النساء من قومه لا يكونون إلا كفاراً؟ فما معنى دعائه إياهم وقد علم أنهم يضلون عباد الله وأنهم لا يجيبونه.
فليس يلزم [عليًّا] من الحجة بعلمه أن الحكمين يخلعانه إذ حكّمهما إلا ما يلزم نوحاً عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ إذ دعا قومه وهو يعلم أنهم لا يجيبونه.
ولِمَ أمر الله تعالى محمَّداً صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ أن ينذر عشيرته الأقربين أبا لهب وغيره من أهل بيته، وقد أنزل الله عليه فيه:{تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ}[المسد/1-3] فلم دعاه رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ وقد علم أنه لا يؤمن وأنه سيصلى ناراً ذات لهب؟؛ فليس يلزم عليّاً بعلمه أن الحكمين يخلعانه إلا ما يلزم رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ إذ دعا أبا لهب وهو يعلم أنه لا يجيبه.
ولم أنذر رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ عشيرته وقد علم أنهم لا يؤمنون؟(1/169)


ولم أمر الله موسى عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بدعاء فرعون وبني إسرائيل وهو يعلم أنهم لا يؤمنون؟
فإن قالوا: إن الله بعث رسله حججاً على الخلق لأن لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل.
فقل لهم: لسنا في الحجة؛ إنما نحن في العلم، زعمتم: لم حكّم علي رَضِيَ اللهُ عَنْهُ وهو يعلم؟
فقلنا لكم: فلم فعل الله عَزَّ وَجَلَّ وأنبياؤه وهم يعلمون؟
الجواب: ولكن من قول الشيعة في أمير المؤمنين، وسيد الوصيين، ووارث علم النبيئين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ: أن رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قد عهد إليه بما لم يعهده إلى غيره، وأوصى إليه بما لم يوص به إلى غيره، وأطلعه من العلم الذي جهلته الخوارج وغيرهم مما عاينوه ولم يقدروا على إنكاره ولا على جحوده ما لم يطلع عليه أحد من الخلق.
فإن قالوا: لا يجوز أن يُطْلِع رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ علي بن أبي طالب على شيء من أمر دين الله ويكتمه عن الأمة؛ هذا منفي عن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ.
فقل لهم: أمَا ما يحتاج الخلق إليه مما افترض الله عليهم من الأمر والنهي؛ كالصلاة، والزكاة، والحج، والصيام، وما يكون الخلق فيه شرعاً فقد أعلمهم بذلك وأداه إليهم؟(1/170)

34 / 42
ع
En
A+
A-