وقوله في سورة {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ}[الإنسان/1] في عليٍّ حين أطعم المسكين، واليتيم، والأسير؛ فحكى الله عن ضميره ما لم يتفوَّه به:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا}[الإنسان/9-10] .
فأخبر تبارك وتعالى بما وقاهم وبما أعدّ لهم من الجَنَّة، والحَرِيْر والسُنْدُس، والإِسْتَبْرَق، وحلي الذَّهَب والفِضَّة ما لم يعدده لأحد من أهل الجنة غيرهم، ولا حكى تبارك وتعالى في القرآن لنبي ولا لصديق ولا لشهيد أنه أعدّ له في الجَنَّة مثل ما أعدّ لعليٍّ عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ.
(والقوارير): ليس في جميع القرآن ذِكر قوارير إلاَّ ما ذُكِر لعليّ، فإن كان في الجنَّة نعت أحسن من نعت ما أعد لعليّ فليأتوا به، وهذا ما لا يدعيه أحد غيره.
وأشياء كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى؛ مع ما جاء فيه من الأحاديث عن رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- المجمع عليها، مثل: غدير خم، وحديث الطائر، وحديث الكهف، وحديث ليلة الجن، وحديث المرقاة، وغير ذلك.(1/136)


[حديث المناشدة]
يدل عليه ما رواه محمد بن سليمان البصري قال: حدثنا يحيى بن صالح الحريري، قال: حدثنا الهيثم بن واقد، عن يعقوب بن إبراهيم، عن أبي الجارود - وهؤلاء المخالفون لنا ولكم - عن عامر بن الطفيل وغيره، قال: كنا على الباب يوم الشورى؛ فسمعنا علي بن أبي طالب يقول: بايع الناس أبا بكر وأنا والله كنت أولى بها منه، وأحق بذلك. إن بيعتي في رقابكم جاءت عن الله وعن رسوله فنقضتم العهد والميثاق، والله بيني وبينكم.
ثم بايع الناس عمر وأنا والله كنت أولى وأحق بذلك.
ثم تريدون أن تبايعوا لعثمان؟! فالله بيني وبينكم يوم القيامة.
ثم قال: والله لأحتجنَّ علكيم بحجج لا يستطيع معاهدٌ منكم، ولا مشرك، ولا مصلِّ أن يرد حُجَّة منها.
ثم قال: ناشدتكم بالله أيها الخمسة وأنتم أيها الناس؛ أتعلمون أن فيكم من وحَّد الله قبلي؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من صلَّى القبلتين غيري؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من اتخذه رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أخاً لنفسه حين قال:((أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي))؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من له عم كعمي حمزة أسد الله وأسد رسوله وسيد الشهداء، الذي غسلته الملائكة؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من له أخ مثل أخي جعفر له جناحان من جوهر يطير بهما مع الملائكة؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من له زوجة مثل زوجتي فاطمة سيدة نساء العالمين؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من له سبطان مثل سبطي: الحسن والحسين سيدي شباب أهل الجَنَّة؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.(1/137)


قال: أفيكم من يجري له سهمان غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من قدَّم بين يدي نجواه صدقة غيري؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من كان أعظم عناءً برسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يقيه بنفسه غيري حين اضطجعت في مضجعه، وبذلت مُهجة نفسي فأنزل الله {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ}[البقرة/207] غيري؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من كان أقتل لصناديد العرب عند كل شدة تنزل برسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ السلام مني؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من قتل يوم بدر ستة رجال في المبارزة غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من ثبت مع رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ السلام يوم أحد حين انهزمتم غيري؛ فأنزل الله في كتابه ما أنزل حين عاتبكم بالذي كان من انهزامكم عن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ، وسمَّاني صابراً، وسمَّاني شاكراً؟
فقالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من قال جبريل يومئذٍ:(يا محمَّد؛ لقد تعجبت الملائكة من مواساة هذا الرجل لك منذ اليوم بنفسه). فقال رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ السلام:((إنَّه مني وأنا منه)). قال جبريل:(وأنا منكما) [غيري؟]
قالوا: اللهمَّ لا.(1/138)


قال: أفيكم من قال له رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ مثل الذي قال لي يوم بعثني إلى ذات السلاسل حين بعث إليهم أبا بكر فانهزم، ثم بعث عمر فانهزم، ثم بعث عمرو بن العاص فانهزم، فقال رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((لأبعثنَّ إليهم رجلاً طاعته كطاعتي، ومعصيته كمعصيتي، لا ينهزم كما انهزمتم حتى يفتح الله على يديه إن شاء الله))؟
قالو: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من قتل مرحباً اليهودي، وأسر أخاه، غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من أُمر رسول الله أن يباهل به غيري، وغير زوجتي، وابني؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من ترك بابه في المسجد عن أمر الله غيري؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من أحل له في مسجد الرسول ما أُحل لي غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من سَمَّاه الله في كتابه مؤمناً، وسمى عدوه وهو [الوليد بن] عُقبة بن أبي معيط فاسقاً، غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من قال جبريل لرسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ بأمر الله:(لا يؤدِّي عنك سورة براءة إلا رجل هو منك وأنت منه). قال النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ:((فمن يا جبريل ذلك؟)) قال:(علي بن أبي طالب). فدفعها إليَّ رسول الله وأمرني بردّ أبي بكر؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.
قال: أفيكم من قال له رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((هذا سيّد العرب)) غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من كان بايعه جبريل غيري؟
قالوا: اللَّهُمَّ لا.(1/139)


قال: أفيكم من قال له النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((هذا أقدمكم سلماً، وأعلمكم علماً، وأقرأكم لكتاب الله)) غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من كلّمته الجن حين سرحنا رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أنا، وأبا بكر، وعمر، وعثمان، إلى وادي الجن؛ فبدأ أبو بكر فسلم عليهم وكلّمهم فلم يجيبوه، ثم كلّمهم عمر فلم يجيبوه، ثم كلّمهم عثمان فلم يجيبوه، ثم قال القوم:(إنَّا لا نجيب إلا نبياً أو وصي نبي). فسلمتُ عليهم، فردوا السلام وقالوا:(تكلّم بما شئت نجبك عليه). فأجابوني على كل شيءٍ أمرني به رسول الله عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ، غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من أغمض رسول الله [-صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-] غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من غسَّل رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وحنَّطه، وكفَّنه، غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من كان أقرب عهد برسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- حين وضعه في قبره غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
ثم قال: الله بيني وبينكم.
ثم قال: أفيكم مَنْ إذا قاتل قاتل جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.
قال: أفيكم من قال الله عَزَّ وَجَلَّ:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}[المائدة/55] غيري؟
قالوا: اللهمَّ لا.(1/140)

28 / 42
ع
En
A+
A-