الجزءُ الثَّالِثُ مِن كتاب الكامل المنير([124])
* * * * * * * * * * * * * * * * * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم

[جملة من قتلهم الإمام علي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ ببدر، وأُحد، والخندق]
(ومما رواه المخالفون لنا ولكم): أن عمر بن الخطاب قال يوم الشورى لبني هاشم: إن تُطَعْ قَوْمُكم فيكم لن تَلوا هذا الأمر أبداً.
وقول عثمان لعليٍّ [عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ]:(ما ذنبي إن كانت قريش لا تحبكم، وقد قتلتَ منهم ثمانين كأنهم شنوف الذهب (تشرب) أنوفهم قبل شفاههم)، وليس علي القاتل لأولئك.
وقد علمت الأُمَّة أن أبا سفيان لم يزل يكيد رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ السلام، وأن معاوية لم يزل يكيد عليّاً، وأن يزيد بن معاوية لم يزل يكيد الحسين بن علي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ، فهؤلاء أضداد [متعادون] الآباء للآباء، والأبناء للأبناء.
ولقد تَلَهَّفَ يزيد بن معاوية على قتل مَنْ قتل علي بن أبي طالب من بني أُميَّة يوم أُحُد، ويوم بدر مثل: عتبة وشيبة ابني ربيعة، والوليد بن عتبة وغيرهم، فأورثتهم تلك الضغائن من بني أُميَّة أبناؤهم وفي سائر قريش، فما زال يطلب يزيد بتلك الأوتار، ويرجو إدراكها من رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ حتى أوقع بِحرم رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ السلام، وبأهل الحرَّة ما أوقع، ولم ينكر ذلك عليه أحد من قريش ولا غيرها؛ حتى تمثل في ذلك بشعر ابن الزبعرى بعد أن قتل الحسين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ وثمانية عشر من أهل بيته فقال - عليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين - متمثلاً مفتخراً بذلك:(1/131)


ليت أشياخي ببدر شهدوا .... جزع الخزرج من وقع الأسل
يوم حلت بفناء بركها .... واستحر القتل من عبد الأشل
لأهلّوا واستهلّوا فرحاً .... ثم قالوا يا يزيد لا شلل
لست من خُندف إن لم أنتقم .... من بني أحمد ما كان فعل

فأخبر - عدو الله وابن عدوه، وابن ابن عدوه - أنه قد أدرك ثأره من رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في ولده وأهل بيته بقتل من قتله علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ من بني أُميَّة ببدر وأحُد، (و)لم ينكر ذلك على يزيد أحدٌ من الأُمَّة؛ لا من قريش، ولا من غيرها.
ولقد لقيت نساء بني أُميَّة ومواليهم وشيعَتهم علي بن الحسين رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وأتباعه) وبناتِ رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ إذ حُملوا إلى الشام كالسبي المجلوب على محامل بلا وطأ، وبنوا أُميَّة مسرورون فرحون يؤذون حرم رسول الله، ويقولون: الحمد لله الذي فعل بكم هذا قصاصاً كما فعل بالمظلوم عثمان بن عفان.
فلم ينكر عليهم أحد من الأُمَّة ولا على يزيد شيئاً من ذلك؛ لأنه ليس أحدٌ من قريش إلا وقد وتَرَه أمير المؤمنين بأخٍ، أو ابن عمٍّ، أو قريب، بين يدي رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ أو ليس هو القائل لمن أُسَمِّي للخوارج ولغيرهم في كتابي هذا من صناديد قريش خاصَّة ليكون للخوارج ولغيرهم دليلاً على أن تلك الضغائن لا تزول، وتلك الأحقاد لا تحول؟!
قَتَل سعيد بن العاص، الحائد عنه عمر بن الخطاب وهو يدعو إلى البراز، وهو من بني أُميَّة.(1/132)


ومن بني أسد: نوفل بن خويلد، وربيعة بن الأسود، والحارث بن الأسود.
ومن بني عبد الدَّار: طُعمة بن عدي، والنضر بن الحارث، وطُعمة بن الحارث.
ومن بني تيم بن مُرَّة: عمير بن عثمان بن عمرو، وهو ابن عم أبي بكر.
ومن بني مخزوم: أبا قيس بن الفاكه بن المغيرة، ومسعود بن أبي أُميَّة، وأبا قيس بن الوليد بن المغيرة، وحذيفة بن أبي حذيفة بن المغيرة.
ومن بني عائذ بن عبد الله المخزومي: أبا المنذر بن رفاعة، وعبد الله بن المنذر بن رفاعة، والحاجب بن السائب.
وأبا العاص بن قيس بن عدي - من بني جمح - ونَيبة ومنَبِّه ابني الحجاج، والعاص بن أُميَّة.
ومن بني عامر بن لؤي: سعيد بن وهب.
ومن بني أُميَّة: معاوية بن المغيرة، والعاص بن أبي ديار وابن عم أبيه.
(وقتل يوم أحُد) من بني شيبة: طلحة بن أبي طلحة - كبش القوم -.
(ويوم الخندق): عمرو بن عبد ود، المشهور.
(ويوم بدر): عُتبة وشيبة ابني ربيعة جَدَّي معاوية.
ومن بني أُميَّة بن عبد العُزَّى: عبد الله بن حميد بن زهير بن الحارث.
ومن بني مخزوم: هاشم بن أُميَّة بن مغيرة، وأُميَّة بن أبي حذيفة بن المغيرة، والوليد بن العاص بن هاشم بن المغيرة.
ومن بني عامر بن لؤي: السائب بن مالك، وشعبة بن مالك.
ومن ثقيف: الحكم بن أبي الحكم، والأخنس.
(ويوم الفتح) من بني قصي: الحارث بن سعيد؛ الذي أمر رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن يُقتل ولو وجد متعلقاً بأستار الكعبة.(1/133)


وكان قتلى بدر سبعين رجلاً، قتل منهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ أربعين رجلاً، هذا من قريش خاصَّة سوى من قتل من سائر الخلق، فَعُوْدِي أمير المؤمنين عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ فيهم وأورثته تلك القتلى التي قتل في طاعة الله عَزَّ وَجَلَّ وطاعة رسوله ضغائن وأحقاداً (في) صدورهم لعلي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ وعلى ولده، لا تُحل ولا تُبرأ؛ فلهذا كرهت قريش ولاية علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ.
[إحتجاجه عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ بفضائله يوم الشورى بالقرآن والسنة]
زعمت الخوارج أن عليّاً دخل في الشورى، وأنهم اختاروا عثمان دون علي، وأن عليّاً بايع عثمان ورضي به.
فقل للخوارج: إن كان الأمر على ما ذكرتم فَلِم خلعتم عثمان وقتلتموه، وطرحتموه على المزبلة، فأقام ثلاثة أيام مطروحاً لم يُقبر، يأتي إليه الصبيان فيضربون بطنه وهم يقولون:
أبا عمرو أبا عمرو .... رماك الله بالجمرِ
فما تصنع بالمالِ .... إذا أُدلِيت في القبرِ
هذا بعد أن أقام محصوراً أربعين ليلة يستغيث بعلي وبمعاوية وبالخوارج وغيرهم، لم يغثه أحد.
وزعمت الخوارج: أن عليّاً دخل في الشورى وكان أحدهم راضياً بذلك، فصيَّرُوا أمرهم إلى عثمان بن عفان.(1/134)


فليس للخوارج ولا لمن قال بمقالتهم في دخول علي في الشورى حُجَّة؛ (بل) الحُجَّة كانت لعليٍّ رَحْمَةُ اْللهِ عليه بما قد احتج به على أصحاب الشورى، وبما نحن محتجون به، لا يدفعه إلا جاهل ومعاند؛ إذ لم تكن الشورى فرضاً من الله عَزَّ وَجَلَّ، ولا سنَّة من النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ وإنما دخل عليٌّ معهم ليحتج عليهم ويذكِّرهم حقَّه الَّذي أنزل الله عَزَّ وَجَلَّ فيه من الآيات الواضحات، التي لا يدعيها أحدٌ غيره، ولم يدعها أحدٌ لنفسه.
فمن ذلك: قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ [وَالَّذِينَ آمَنُوا]..}[المائدة/55] الآية؛ لا اختلاف بين الأُمَّة أنها نزلت في علي [عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ]، ولم يدّعها أحد غيره.
وقوله تبارك تعالى:{[فَقُلْ] تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ}[آل عمران/61] ؛ لا اختلاف بين الأُمَّة أنها نزلت في علي، وفاطمة، والحسن، والحسين، لا يقدر أحد من الخلق (أن) يدعيها لنفسه ولا لغيره غيرهم صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِم وَرَحْمَتُهُ وَبَرَكَاتُهُ.
وقوله:{إِنَّمَا أَنْتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ}[الرعد/7] نزلت في علي لا يدعيها أحد من الخلق غيره.(1/135)

27 / 42
ع
En
A+
A-