ورواية حزام بن سعيد عن معاذ بن جابر بن عبد الله أن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ دخل المسجد وفي يده عسيب رطب فقال:((أخرجوا من المسجد لا تناموا فيه))، وطفق يضربهم بذلك العسيب، فأجفل الناس وأجفل معهم علي عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ، فقال له النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ:((أما أنت يا علي فقد أحل الله لك ما أحل لي)).
ورواية أبي ميمون من جهة علي بن الحسين وهو ممَّن لا يطعن عليه أحد من الخوارج ولا من غيرهم خاصة دون أهل بيت محمَّد عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أنه قال: سألني عيسى الهلالي فقال: أخبرني عن الأبواب هل سمعت من أبيك فيها شيئاً؟
فقال: حدثني الحسين بن علي عن علي قال: أخذ رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ بيدي فقال:((إن موسَى سأل ربَّه أن يُطّهِّر مسجده لهارون وذريته، وسألت ربِّي أن يطهر مسجدي لك ولذريتك من بعدي)).
ثم أرسل رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ إلى أبي بكر أن سد بابك؛ فاسترجع، ثم قال: هل فعل ذلك بأحد قبلي؟
قال: ((لا)).
قال: سمعاً وطاعة.
ثم أرسل إلى عمر أن سد بابك، فقال: هل فعل هذا بأحد قبلي؟
قال:((نعم)).
فقال: لي بأبي بكر أسوة. فسد بابه.
ثم أرسل إلى العباس أن سد بابك. فغضب غضباً شديداً ثم قال: إرجع فقل: أليس عم الرجل صنو أبيه؟
فقال:((بلى؛ ولكن سد بابك)).
فلما سمعت فاطمة عليها السلام سد الأبواب خرجت فجلست على بابها تنتظر متى يؤمر بسد باب علي.
فرأى فاطمة والحسن والحسين معها، فقال: [فخرجت] وبسطت ذراعيها مثل الأسد وأخرجت جرويها.(1/121)
قال: وخاض الناس في سد أبوابهم وفَتْح باب علي، فلما سمع النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ بذلك صعد المنبر، فحمد الله فأثنى عليه ثم قال:((ما الذي خضتم فيه؟! ما أنا الذي سددت أبوابكم وفتحت باب علي؛ ولكن الله سد أبوابكم وفتح باب علي)).
وحديث إبراهيم بن أبي يحيى عن جعفر عن أبيه أن النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أمر بسد الأبواب التي في المسجد إلا باب علي بن أبي طالب.
وعنه أيضاً عن إسحاق، عن علي بن عباد، عن ابن عمر قال: أُخرجنا من المسجد إلاَّ النبي وعلي بن أبي طالب.
[دفن أبي بكر وعمر إلى جنب النبيّ (ص)]
وأمَّا قول الخوارج ومن قال بمقالتهم: إن أبا بكر وعمر ضجيعا رسول الله صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ وَآلِهِ، وأنهم قُبِرُوا في قبر واحد.
فإن كان رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أوصَى إليهما أو إلى غيرهما أن يُقبرا معه في قبره فلعَمْرِي إنها لفضيلة، فمن الموصَى إليه بذلك حتى نعرفه؟!.
وقد زعمت الخوارج ومن قال بمقالتهم: أنه صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ لم يوص إلى أحد، [وإن كانا أمرا بذلك] من غير رأيه فما كان ذلك لهما ولا لغيرهما؛ لأن الله جل ثناؤه يقول في كتابه:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ}[الأحزاب/53] ، وحرمته بعد وفاته كحرمته في حياته صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين وسلم تسليماً.(1/122)
[شجاعته عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ ورفعه لراية الإسلام]
وأمَّا قولهم: إن عمر أعز به الإسلام. فما حجتهم على من خالفهم في إنكار ذلك وقال:
إنه لم يكن في بيت عزّ، ولم يكن له منعة في عشيرة، ولا شجاعة في بلد، فبأي وجه عُزَّ به الإسلام؟!
أو ما حجتهم على من احتج عليهم فقال: قد حصر المشركون رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في الشِّعب بمكَّة، ومعه بنوا هاشم مؤمنهم وكافرهم، ومعهم عمر بن الخطاب، فلم يُعزُّوا به، ولم يدفع عنهم ضيماً، ولم يشدوا به عضداً؟
وما حجتهم على من خالفهم فقال: إن النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ صده المشركون عن دخول مكَّة، وصدوا هَدْيه وهو معكوف أن يبلغ مَحِلَّه ومعه عمر، فما باله لم يعزّهم ويمنعهم حتى يدخلوا مكَّة ومبلغ هَدْيَ النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ مَحِلَّه؟.
وما حجتهم على من خالفهم واحتج عليهم بقول الله تبارك وتعالى:{وَلَقَدْ نَصَرَكُمْ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ}[آل عمران/123] حين دعاه سعيد بن العاص للمبارزة فلم يبرز إليه، فَلِم لم يُعزّ به الإسلام؟!
[حديث: الرَّاية]
وما حجتهم على من خالفهم فقال: إن عمر انهزم براية رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يوم خيبر حين ردها منكوسة؛ حتى قال رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((لأعطين الرَّاية غداً رجلاً كراراً غير فرار يحبُّ الله ورسوله، ويحبُّه الله ورسوله، لا يرجع حتى يفتح الله على يديه)).
فوجَّه بها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ ففتح الله على يديه، وأعزّ به نبيه والإسلام.(1/123)
فما بال عمر بن الخطاب لم يبلغ الكتاب والراية حتى يُعزّ به الإسلام؟!
وما حجتهم على من خالفهم فقال: إن ضرار بن الخطاب الفهري لحق عمر بن الخطاب وهو منهزم في بعض غزوات النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُُ فجعل ينقب رأسه بالرمح وهو يقول:(من أنت! فإنِّي [آليت] ألاَّ أقتل قُرشياً؟).
فقال: أنا عمر بن الخطاب.
فقال:(أُشكرها لي).
فَلِم لم يثبت حتى يعزّ به الإسلام؟!.
أو ما حجتهم على من خالفهم فقال: إن عمرو بن عبد ودٍّ طفر الخندق بفرسه، وهو بطل المشركين، فجعل ينادي للبراز عمر بن الخطاب وغيره من أصحاب رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، فجعل عمر يلوذ برسول الله من عمرو بن عبد ودٍّ حتى برز إليه أمير المؤمنين فقتله.
فَلِم لم يبرز إليه عمر بن الخطاب حتى يُعزّ به الإسلام؟.
أو ما حجتهم على من خالفهم فقال: إن رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعث إلى ذات السلاسل أبا بكر فانهزم، ثم بعث عمر فانهزم، ثم بعث عمرو بن العاص فانهزم، فأنَّبَهم رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بانهزامهم، ثم بعث أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رَضِيَ اللهُ عَنْهُ ففتح الله على يديه.
فما بال عمر لم يفعل فِعل عليٍّ بذات السلاسل حتى يُعز به الإسلام؟!.(1/124)
[حديث: لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي]
فإن كان الإسلام إنما يعزّ بكل من انهزم فينبغي أن يذل بكل من هَزَم!!، ولكن قل للخوارج ولمن قال بمقالتهم: بماذا يدافعون أفاعيل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ ومناقبه ومبارزته للأقران، وكشف الكرب عن رسول الله، وعن المهاجرين والأنصار؛ التي لا يجحدها أحد من الأُمَّة بالرواية المأثورة القائمة؟
من ذلك نداء جبريل عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ يوم أحد؛ [إذ قال]:(يا محمَّد؛ من هذا الذي يضرب بين يديك قدماً، فقد أعجب ضربه ملائكة السماء؟
فقال:((يا جبريل؛ هذا علي بن أبي طالب)).
فعَرَج جبريل إلى السماء وهو يقول:(لا سيف إلا ذو الفقار، ولا فتى إلا علي).
وفي رواية أخرى في غير هذا الحديث في يوم أحُد وقد انهزم الخلق غير علي يضرب بين يدي رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- قُدماً، والعباس آخذ بلجام بغلة النبي عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ، وعلي لا يمر بكتيبة من كتائب المشركين إلا فلَّها، فقال جبريل: يا محمَّد؛ من هذا؟
فقال:((هذا علي بن أبي طالب)).
فقال: يا محمَّد؛ هكذا المواساة.
فقال:((يا جبريل؛ هذا مني وأنا منه)).
فقال جبريل عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ:(وأنا منكما يا محمَّد). فلذلك كان يقال: جبريل هاشمي الملائكة.
فإن قالت الخوارج وغيرهم: هذا حديث باطل، كيف يسأل جبريلُ محمداً:(مَن هذا)، وجبريل بعليٍّ أعرف، فكيف يجهله جبريل؟!(1/125)