الجزءُ الأَوَّل مِن كِتاب الكامل المنير
* * * * * * * * * * * * * * * * * *
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه أستعين، وعليه أتوكل، وإيَّاه أستخير في جميع الأمور
أكرمك الله بلزوم طاعته، وحجرك بعصمته عن ارتكاب معصيته، ووفقنا وإيَّاك للذي يحب ويرضى بَمَنِّه وقدرته.
[اعلم] أن في ناحيتنا - أكرم الله وجهك - قوماً من الخوارج قد كثرتْ عِدتهم، والتحمت مجادلتهم؛ في النقص على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ- وعلى شيعته، وتكفيرهم وتخطئتهم، وقد كتبوا إلينا كتاباً في ذلك، وقد بعثنا إليك بنسخة لتُجِبْهم عليه بتوفيق الله وإرشاده إيَّاك، وهذه نسخة الكتاب:

بسم الله الرحمن الرحيم
[ذكر كتاب الخوارج في الطعن على أمير المؤمنين (ع) وشيعته]
زعمت الشيعة أن عليًّا وصي رسول الله -عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ-، وأنه يعلم الغيب، وأن أبابكر وعمر لم يكن لهما أن يقبلا البيعة من علي لأنفسهما؛ لأن عليًّا أولى [بالإمامة] منهما، ونحلوه أشياء كثيرة تكثر صفتها.(1/6)


فمن زعم أن عليًّا أولى بالإمامة من أبي بكر وعمر فقد كذب؛ وطعن على جميع أُمَّة محمَّد -عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ- من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، وعلى أبي بكر وعمر وعثمان، زعم أن أصحاب محمَّد -عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ- بدَّلوا وصيته، وخالفوا أمره، وهم يومئذٍ متوافرون متعاونون على البِّر والتقوى، منهم أبو عبيدة بن الجرَّاح أمين هذه الأُمَّة، وأبو ذر الغفاري الذي قال فيه رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((ما أظلت الخضراء ولا أقلّت الغبراء على ذي لهجة أصدق عند الله من أبي ذر)) .
ومنهم عمَّار بن ياسر، وقال فيه رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((خليلي في الله عمَّار بن ياسر)).
وقال أيضاً:((رُبَّ ذي طُمرين لا يُوْبَه له لو أقسم على الله لأبرّ قسمه)) .
وقال بعضهم إنه البراء بن عازب.(1/7)


ومنهم سلمان الفارسي الذي كان صاحب رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ووزيره، وهو الذي كان المشركون يقولون إنه كان يُعلِّم رسول الله القرآن من نفسه، فأنزل الله في ذلك:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ}[النحل/103] ، وكان سلمان يقرأ التوراة والإنجيل والقرآن هو وأصحابه، وكانوا قبل النبي متمسكين بالحق وهم ينتظرون خروج النبي، ولم يكونوا يهوداً ولا نصارى، وفيهم أنزل الله:{الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ * أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدْرَءُونَ [بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ]}[القصص/52-54] ، وكان لهم في الإسلام سهمان، ولسائر الناس سهم.
ومنهم عبد الرَّحمن بن عوف الذي أقرض في سبيل الله نصف ماله، أربعة آلاف أوقية ذهب، وهو الذي أقرض العير [الإبل] وما عليها في سبيل الله التي قدمت من الشام، فأقرضها جميعاً، والرقيق الذين يسوقونها، فبذلك أنزل الله:{وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا}[الجمعة/11] .
ومنهم الثلاثة الذين خُلِّفوا حتى إذا ضاقت عليهم الأرض بما رحبت، وضاقت عليهم أنفسهم.(1/8)


ومنهم طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوام، والمهاجرين الذين اتبعوهم بإحسان، فكيف يجوز هذا على أصحاب رسول الله [عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ]؟!.
وكفَّروا أبا بكر وعمر وقد سماهما رسول الله باسمين اختصهما بهما من بين أصحابه، سمى أبا بكر: الصديق، وعمر: الفاروق، فأنزل الله في أبي بكر:{ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا}[التوبة/40] .
وقال رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((اللَّهُمَّ أعز الإسلام بعمر بن الخطاب)) .
وأفضل من هذا أنهما قُبرا مع رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- من بين جميع الأُمَّة، فهم في موضع واحد.
واختص رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- في مرضه الذي مات فيه أبا بكر بالصلاة بالناس فصلى بهم تسعة أيام، وعليٌّ تابع راضٍ بذلك، وأمر رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- أن تسد كل فرجة من المسجد إلا فرجة أبي بكر بن أبي قحافة.
وأمَّا ما ذكروا من قرابة علي من رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وأنه أحق بالإمامة فلو كان ذلك كذلك لكان العباس بن عبد المطلب أولى بالإمامة منه؛ لأن العم أولى من ابن العم بالميراث.(1/9)


ولو أوصَى رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - كما قالوا - ثم قُهِر ومُنِع حقه؛ لكانت بيعة أبي بكر وعمر كفراً وضلالاً؛ لأن من ترك وصية رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- وتعدى أمره كفر، وقد كذَّب أمره من قال بذلك؛ لأن رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- لم يوص أحداً بالإمامة غير أنه أمر أبا بكر أن يَؤُمَّ الناس في مرضه، فلما توفي أجمع الناس على بيعته، ورضوا به، وعليّ راضٍ بذلك فبايع [معهم] راضٍ غير كاره.
ولو أوصَى رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- - كما قالوا - لما حل أن تُترك وصية رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وما قدر أبو بكر وعمر أن يمنعاه وصية رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-؛ لأنه كان أشرف منهما بيتاً، وأشجع منهما، وأكثر عشيرة، لأن بني هاشم كانوا أقوى من تيم وعدي.
وعلي أيضاً أحد الستة الذين صَيّر عمر في الشورى أن يختاروا أفضلهم في أنفسهم للإمامة، فاختاروا عثمان جميعاً، فبايعوا له وعلي راضٍ فبايع، وهذا شيءٌ قد أجمعت الأمَّة عليه، واتسقت الأخبار فيه، واتفقت وتكاملت.
فيا سبحان الله العظيم!! ما أعظم فرية الشيعة وأجرأهم على الله.
وقد قاتل علي حين بايع له الناس بعد عثمان كل من نقض عليه بيعته وخالفه، مثل طلحة، والزبير، ومعاوية؛ حتى قُتل بينهم ما لا يحصيه إلا الله، فكيف وصية رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تضيع وتترك؟! هذا ما لا يقبله القلب.(1/10)

2 / 42
ع
En
A+
A-