فمكث النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بعد ذلك أسبوعاً ثم تحول بعد ذلك إلى بيت أم سَلمة بنت أبي أميَّة، وكانت مع رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- ليلتها ويومها؛ حتى تعالى النهار، وأن عليّاً أتى الباب فدقه دقاً خفيفاً، فعرَفَه رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، وأنكرته أم سَلمة، فقال النبي:((قومي يا أم سلمة فافتحي الباب)).
فقالت أم سَلمة: من هذا يا رسول الله الذي (بلغ) من خطره أن أقوم فأفتح له الباب وأستقبله بمحاسني ومعاصمي؟
قال لها:((يا أم سَلمة إن طاعتي طاعة الله،{مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ}[النساء/80] .
قومي فافتحي الباب، فإن بالباب رجل ليس بالنزق ولا الخرق، ولا بالعجول في أمره، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله.
يا أم سَلمة؛ إنه يأخذ بعضادتي الباب فليس بفاتح ولا داخل حتى يُخفى عليه صوت الوطي)).
فقامت أم سلمة لا تدري مَنْ بالباب، وقد حفظت الصفة والمدحة، فمشت نحو الباب وهي تقول: بَخٍ بَحٍ لرجل يحب الله ورسوله، ويحبُّه اللهُ ورسولُه.
فلما فتحت أم سلمة أخذ بعضادتي الباب فلم يزل قائماً حتى خفي الوطي، ثم فتح ودخل وأم سلمة عند رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ثم جلس فقال رسول الله:((يا أم سلمة؛ هل تعرفين الرجل؟!))
فقالت: نعم؛ هذا علي بن أبي طالب، وهنيئاً له.
فقال النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((يا أم سلمة؛ لحمي لحمه، [ودمي دمه]، وهو مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.(1/56)
يا أم سَلمة؛ هذا علي سيد المسلمين، وأمير المؤمنين، علمه علمي، والوصي على أهل بيتي من بعدي، وقرابتي في الدنيا والآخرة، بابي الذي أؤتى منه، والوصي من أهلي، والخليفة على الأخيار من أُمَّتِي، أخي في الدنيا، ورفيقي في الآخرة، يكون معي في السنا الأعلى.
اسمعي واشهدي يا أم سلمة؛ إنه يقتل الناكثين، والمارقين، والقاسطين)) .
قال الشامي: ومن الناكثون؟
قال: الذين أقرُّوا بالمدينة وأنكروا بالبصرة [وهم طلحة والزبير]، وأمَّا القاسطون فمعاوية وأصحابه، وأمَّا المارقون فأهل النهروان.
فقال الشامي: ملأتَ صدري نوراً وحكمة، وفرَّجت عني فرَّج الله عنك.
4-[حديث: ((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم..))]
وحديث عبد الرزاق (عن) شبر بن السري، وكادح بن جعفر، ومحمد بن محرز، قالوا: حدثنا عبد الله بن لهيعة عن الإفريقي، عن مسلم بن يسار:
عن جابر بن عبد الله قال: لَمَّا قدم عليٌّ على رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بفتح خيبر قال له رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((لولا أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في عيسى بن مريم؛ لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر على مَلأٍ من الناس إلا أخذوا من تراب رجليك، ومن فضل طهورك يستشفون به.(1/57)
وحسبك يا علي أنَّك مني وأنا منك، ترثني وأرثك، وأنَّك مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي، وأنك وصيي، وتبرئ ذمتي، وتقاتل على سنتي، وأنَّك في الآخرة غداً أقرب الناس مني، وأنَّ شعيتك على منابر من نور مُبيضة وجوههم حولي أشفع لهم، ويكونون غداً في الجَنَّة جيراني، وأن حربك حربي، وأن سِلمَك سِلمِي، وأن سِرك سِرِّي، وأن علانيتك علانيتي، وأن البرِّ سريرة صدرك كسريرتي، وأن ولدك ولدي، وأنَّك منجز عِدَاتي، وأن الحق معك ليس أحد من الأُمَّة يَعدِلُك عندي، وأن الحق على لسانك، وفي قلبك، وبين عينيك، فالإيمان مخالط للحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وأنه لن يرد الحوض مبغض لك، ولن يُغيَّب محبٌّ لك غداً عني حتى يرد الحوض معك)) .
قال: فخرَّ علي -عَلَيْهِ الْسَّلاَمُ- ساجداً، ثم قال: الحمد لله الذي أنعم عليَّ بالإسلام، وعلمني القرآن، وحببني إلى خير البرية خاتم النبيئين، وسيد المرسلين؛ إحساناً منه إليَّ، وفضلاً منه عليَّ.
قال: فقال النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-:((لولا أنت يا علي لما عُرف المؤمنون بعدي)) .(1/58)
5-[حديث الصخرة]
[وحديث] عبد الله بن منصور قال: أخبرنا عبدالعزيز بن سنانة:
عن أبي سعيد عفيصا قال: خرجت مع علي في مسيرة إلى الشام؛ حتى إذا كان بجانب هذا السواد بظهر الكوفة عطش الناس واحتاجوا إلى الماء، فانطلق علي حتى انتهى إلى صخرة كأنها ربضة عنز، فأمر بها. فقُلِعَت، فخرج لنا ماء فشرب الناس وارتووا. ثم إنَّه أمر بالصخرة فأُلقيت عليها، ثم سار حتى انتهى إلى المنزل فقال: أيُّكم يعلم مكان هذا الماء الذي شربنا منه؟
فقالوا: يا أمير المؤمنين؛ نحن نعلم مكانه.
قال: فاذهبوا إليه.
فانطلقنا رجالاً ورُكباناً حتى أتينا المكان الذي كُنَّا نعلم فيه، فطلبناه فيه فلم نقدر على شيءٍ، فلما أعيا علينا أتينا ديراً قريباً منه، فسألنا أهل الدير: هل تعلمون مكان هذا الماء الذي هاهنا؟
قالوا: ما هاهنا ماء.
قلنا بلى؛ قد شربنا منه اليوم.
قالوا: وأنتم شربتم منه؟!.
قالوا: نعم.
قالوا: فوالله ما بني هذا الدير إلا من أجل ذلك الماء، وما استخرجه إلا نبي أو وصي.
6-[حديث الغدير]
وحديث عبدالرزاق عن معمر عن علي بن زيد بن جذعان - وهؤلاء المخالفون لنا ولكم - عن عدي بن ثابت:
عن البراء بن عازب قال: لما نزل النبي -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- بغدير خُمٍّ أمرهم، فكنس لهم بين نخلتين.
قال: ثم قام فاجتمع الناس، فحمد الله وأثنى عليه، ثم ذكر ما شاء الله أن يذكر، ثم دعا بعليٍّ وأخذه بعضده فقال:((ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟)).
قالوا: بلى.
قال:((ألست أولى بهم من آبائهم؟)).
قالوا: بلى.
قال:((ألست أولى بهم من أمهاتهم؟)).
قالوا: بلى.
قال:((ألست أولى بهم من إخوانهم؟)).
قالوا: بلى.(1/59)
قال:((فهذا وليكم من بعدي؛ اللَّهُمَّ والِ من والاه، وعادِ من عاداه)) .
قال: فقال عمر بن الخطاب: ليهنك يا ابن أبي طالب؛ أصبحت - أو قال أمسيت - ولي كل مسلم.
7-[حديث الاستخلاف]
وحديث عبدالرزاق قال: أخبرني أبي عن [مينا]، عن عبد الله بن مسعود - وهؤلاء المخالفون لنا ولكم -:
قال: كنت مع النبي -عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ- ليلة وفد الجن، فلما انصرف منهم تنفس.
فقلت: ما شأنك؟
قال:((نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود)).
قال: فقلت: استخلف.
قال:((مَنْ؟)).
قلت: أبا بكر.
فسكت ثم تنفس الصعداء، فقال مثل قوله الأول.
قال: فقلت: استخلف.
قال:((مَنْ؟)).
قلت: عُمَر بن الخطاب.
قال: فسكت.
قال: ثم مشى ساعة ثم تنفس أيضاً، ثم قال: ((نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود)).
قال: قلت: استخلف.
قال:((مَنْ؟)).
قلت: عثمان. ثم قلت: طلحة، ثم قلت: عبدالرحمن بن عوف، ثم قلت: الزبير. وهو ساكت.
ثم قال:((نُعِيَت إليَّ نفسي يا ابن مسعود)).
قال: قلت: استخلف.
قال: ((من؟)) قلت: علياً. - وهو في رواية أخرى عن إبراهيم بن عيسى-: وأخّرت علياً لمعرفتي برأيه فيه.
فقال:((والذي نفسي بيده: لئِن أطاعوه ليدخلُنَّ الجَنَّة أجمعين أكتعين)) .
فقلت لعبدالرزاق: ما أكتعين؟
قال: لا يبقى منهم أحد.
وفي رواية إبراهيم أنه قال:((أوه؛ أمَا إنهم لن يفعلوا، ولو فعلوها لدخلوها أجمعين أكتعين)).(1/60)