2-[وصية الرسول (ص) إلى علي (ع)]
[وحديث] محمَّد بن شرحبيل قال: أخبرنا إبراهيم بن عمر قال: أدركت بمكَّة شيخاً كبيراً يقول: إن رسول الله عَلَيْهِ وَآلِهِ الْسَّلاَمُ أوصى إلى علي، وأمره أن يقضي دينه، وينجز موعده ووعده، وأمرني علي أن أصيح في الحج حتى أموت: من وعده رسول الله بِعِدَة، أو كان يطلبه بدين فأنا منجز له.
3- [مسألة الشامي لعبد الله بن عبّاس - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وجواب ابن عبّاس له وشرحه بعض مناقب عليّ (ع)]
وحديث عبدالرزاق قال: أخبرنا يحيى بن العلاء عن عمَّه شعيب بن خالد: عن سلمة بن كهيل: أن عبد الله بن عباس كان يُحدِّث [في] الناس على شفير زمزم، فلما قضى حديثه قام رجل من أهل الشام فقال: يا ابن عباس؛ إنِّي رجل من أهل الشام.
قال ابن عباس: أعوان كل ظالم إلا من عصم الله منهم، سل عمَّا بدا لك يا أخا أهل الشام.
قال: إنِّي رجل من أهل حِمص، وإنهم تبرؤا من علي بن أبي طالب، ويلعنونه.
قال ابن عباس: لعنهم الله؛ له القرابة من رسول الله . ألم يكن أوَّل العالمين إيماناً بالله ورسوله؟
قال: ليس هم يجهلون قرابته، ولا سابقته، غير أنهم يزعمون أنه أحدث أحداثاً؛ وضع سيفه على عاتقه، فلم يزل يضرب به أهل شهادة أن لا إله إلا الله، ولم يكفروا حجاً ولا عمرة، ولا صلاة، ولا زكاة، ولا صوم شهر رمضان.
قال ابن عباس: ثكلتك أُمُّك، وعدمتك؛ سل عمَّا يعنيك، ودع عمَّا ما لا يعنيك.
قال: ما من أمرٍ أنا له أعنا، ولا عليه أحرص؛ مني على هذا.(1/51)
قال ابن عباس - وهو يريد أن يصرفه عن الذي يريد -:{تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ}[البقرة/134 و141] .
قال الشامي: يا ابن عباس! إن قومي جمعوا لي نفقة من أموالهم وأرسلوني إليك، فأنا رسولهم وأمينهم، ولا يسعك في دين الله أن تردني إليهم بغير قضاء حاجتهم، وقد رضي القوم جميعاً بك، ففرِّج عنَّا فرَّج الله عنك.
فقال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: إن العلم الغائب يستصعب لا يقوى على حمله إلا ثلاثة: ملك مقرب، أو نبي منتجب، أو مؤمن امتحن الله قلبه للإيمان.
وقد علمت أنَّك لست ملك ، ولا نبي ، ولعلَّك ممَّن امتحن الله قلبه بالإيمان .
فكيف أنت إذا مر بمسامعك ما لم تسمع بمثله قط؟
وكيف احتفاظك بما عسيت ألاّ يبلغ فهمك ذكره وإن كان هو الحق؟
قال الشامي: أرجوا أن يلهمني الله معرفته.
قال ابن عباس رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: يا أخا أهل الشام؛ احفظ وافهم واسمع، وبلِّغ أصحابك أنِّي أخبرك أنه كان مثل علي بن أبي طالب صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ في هذا الأُمَّة كمثل العبد الصالح الذي لقيه موسى صَلَّىَ اللهُ عَلَيْهِمَا على ساحل البحر كما وصفه الله سبحانه في كتابه، قال:{عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا}[الكهف/65] .(1/52)
فلما أن لقيه موسى وكلمه وسمع كلامه أقر له بفضله، ولم يحسده على علمه كما حُسِد عليٌّ على علمه؛ بل خضع له موسى إذ لقيه وطلب إليه أن يتبعه ويعلم منه، قال له موسى {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا}[الكهف/66] .
قال له العالم:{إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا * وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا}[الكهف/67-68] .
قال: قال له موسى:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}[الكهف/69] .
قال العالم: إن علمي لا يُطاق، ولا يُصبر عليه؛{فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا}[الكهف/70] ، فأعطاه موسى ذلك.
فلما ركبا في السفينة خرقها العالم، وكان خرقه إيَّاها لله رضاً، وصلاحاً لأهلها، فلما رأى موسى أن ذلك عنده فساداً لم يصبر أن قال:{أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا}[الكهف/71] .
قال له العالم:{أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا}[الكهف/72] .
قال له موسى - وهو يعتذر إليه -:{لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا}[الكهف/58] . فكف عنه العالم، ورفق به.
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ العالم، وكان قتله لله رضاً، ولأبويه صلاحاً، وسخطاً لموسى، قال له موسى ولم يصبر:{أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا}[الكهف/74] .(1/53)
قال له العالم:{أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا}[الكهف/75] .
قال له موسى:{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}[الكهف/76] .
{فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ}[الكهف/77] فأقامه العالم، وكان إقامته لله رضىً، ولغلامين صلاحاً، وسخطاً لموسى، قال له موسى:{لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا}[الكهف/77] .
وكان العالم أعلم بما أتَى، فكيف أنت يا أخا أهل الشام؟!.
أَعلِمَ أهل الشام أن علياً لم يقتل إلاّ من كان قتله لله رضاً، ولأهل الجحود سخطاً؟
والذي نفسي بيده: لا أحابي علياً في ديني وأمانتي، ولا القرابة من رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-، ولا أقول في ذلك إلا حقًّا.(1/54)
فأبلغ عني؛ أخبرك أن رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- تزوَّج زينب بنت جحش بعد ما طلقها زيد، فأقام رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- فكانت وليمته الحيس ، فكان يدعو كل عشرة على قصعة، ثم كان إذا فرغوا استأنسوا بحديثه، وأحبوا النظر إلى وجهه، وكان رسول الله -صَلَّىَ اْللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- يحبُّ أن يخففوا عنه ويخلو مع أهله، وكان حديث عهد بالعرس، وأراد أن يؤدِّب المؤمنين، فلما علم الله ذلك من نبيه أنزل الله قرآناً في ذلك أدباً للمؤمنين وذلك قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاَّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِ مِنْكُمْ وَاللَّهُ لاَ يَسْتَحْيِ مِنْ الْحَقِّ}[الأحزاب/53] .
قال ابن عباس: فلما نزلت هذه الآية إذا أكلوا قالوا: الحمد لله المطعم المنعم. ثم مضوا ولم ينتظروا الخِرَق ليمسحوا بها أيديهم.(1/55)