معنى المعطل والملحد
والمعطل: هو القائل بالتعطيل ونفي ذات الصانع تعالى.
والملحد في اللغة: المائل ومنه سمي اللحد لميله إلى شِق القبر، وقوله تعالى: ?وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ?{الأعراف:180}، أي يميلون، وفي الاصطلاح: هو كل من نفى الصانع كالسوفسطائية أو نفى اختياره كالفلاسفة والباطنية وغيرهم أو أضاف الخلق إلى غير الله تعالى كالمنجمة والدهرية والطبائعية والمطرفية والثنوية والمجوس وغيرهم، فتأمل ما في هذه الفقر والجمل من فصيح الكلام وبليغ ما نفثت به لسان ذلك الهمام عليه السلام .(1/26)
حكم الصلاة على النبي وآله عليهم السلام
[ وصلاته وسلامه على جدنا النبي محمد ]، لما بدأ بالثناء على الله تعالى أتبعه بالثناء على رسوله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو اللائق بجنابه الشريف أن يجعل ذكره صلى الله عليه وآله وسلم عقيب ذكر الله تعالى، وقد قال تعالى: ?وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ? {الشرح:4}، قيل أن معناه: أي لا أذكر إلا وأنت معي، واختلف في حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فعند أئمتنا عليهم السلام أنها واجبة في الصلاة، مندوبة فيما عداها، وقيل: إنها تجب في العمر مرة، وقيل: عند جري ذكره صلى الله عليه وآله وسلم، وهي في أصل اللغة: الدعاء، وفي عرف الشرع: العبادة ذات الأذكار والأركان، وأما إذا قلنا: اللهم صلِّ على فلان فلا يستقيم تفسير الصلاة بالدعاء، ولهذا قيل: إن الصلاة من الله الرحمة المقرونة بالتعظيم، ومن الملائكة الاستغفار، ومن الآدميين والجن الدعاء والتضرع، قال الإمام شرف الدين عليه السلام بعد أن ذكر معاني الصلاة: فأما الصلاة على نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم فقد صارت حقيقة شرعية في معان أُخر، وهو الإجلال والتعظيم وطلب ذلك من الباري عز وجل على غاية ما يمكن طلبه من المعبود لأحب عباده إليه وأجلهم لديه، وهذا الطلب تعظيم أيضاً من الطالب للمطلوب له، وبهذا فارقت ما ورد من الصلاة على غيره صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى: ?وصلِ عليهم ?{التوبة:103}، وقوله تعالى: ?هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ?{الأحزاب:43}، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: " اللهم صل على آل أَبي أَوفى "، وقوله: " وصلت عليكم الملائكة "، فإنها في ذلك دعاء بالرحمة من الله سبحانه وتعالى، وسؤال للدعاء بها من غيره، ولهذا نص المحققون على أنه لا يجوز إطلاق الصلاة على غير نبينا صلى الله عليه وآله وسلم، هذا حاصل ما ذكره عليه السلام انتهى من الإرشاد الهادي.(1/27)
وقال القاضي العلامة أحمد بن يحيى حابس رحمه الله: قد صارت الصلاة بمعنى الثناء.
قلت: وبهذا يظهر معنى الصلاة من الله ومن الملائكة ومن الآدميين، فإن الكل فيه ثناء وتعظيم والله أعلم.
والسلام: التسليم، ولعل عطفه على الصلاة من باب عطف الخاص على العام، والجد أب الأب وإن علا وأب الأم كذلك، وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم: " جعل الله ذرية كل نبي في صلبه وجعل ذريتي في صلب علي "، وأراد عليه السلام في الإتيان به الاحتجاج على علماء الفرق المخالفة للعترة المطهرة في العقائد، بأن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم هو جدنا فنحن أعرف وأعلم بما جاء به أصولاً وفروعاً ومعقولاً ومسموعاً، وفي معنى ذلك بل أصرح منه ما ذكره صنو المؤلف عليه السلام وهو الإمام المنصور بالله الحسن بن بدر الدين عليه السلام في منظومته المسماة أنوار اليقين في إمامة أمير المؤمنين صلوات الله عليه:
أنحن أم هم شجر النبوة .... أم هل لهم من جدنا النبوه
لقد أبان فضلهم ذو القوة .... على جميع ساكني المَدْحُوَّه
والنبي: فعيل، وهو ما اشتق من الإنباء وهو الإخبار، لأنه مخبر عن الله تعالى بالشرائع والمغيبات من الأخبار وأحوال المعاد، فهو اسم فاعل كنذير وسميع، أو اسم مفعول لأن الله أخبره كحكيم بمعنى محكم، وما اشتق من النباوة وهي الارتفاع فهو نبي بمعنى رفيع المكان والجاه صلى الله عليه وآله وسلم.
ومحمد: اسم مفعول من حَمَّدَ المشدد يُحَمِّدُ فهو مُحَمَّد - بكسر الميم - اسم فاعل، ومحمَّد بفتحها اسم مفعول، وقد طابق الاسم المسمى صلى الله عليه وآله وسلم فسبحان الله كم له حميدات، وكم كررت عليه من صلوات:
وشق له من اسمه ليجله .... فذو العرش محمود وهذا محمد
[ الذي هو بالمعجزات مؤيد، وفي المرسلين مُرَجَّب ومُسَوَّد ].(1/28)
المعجزات: جمع معجزة، والمعجز اسم جنس مما يميز واحده بالتاء كشجر وبقر، وسيأتي الكلام في حقيقة المعجز وشروطه وأحكامه في النبوة إن شاء الله تعالى.
ومؤيد: بمعنى مُقوَّى لأن التأييد التقوية.
والمرسلين: جمع مرسل، وسيأتي الكلام عليه وهل فرق بينه وبين النبي أم هما مترادفان في النبوة أيضاً إن شاء الله تعالى.
ومُرَجَّب: بمعنى معظم ومنه سمي رجب لكونه معظم.
ومُسَوَّد: اسم مفعول من سوده جعله سيداً على قومه إذا جعله أشرفهم وأفضلهم وَوَلِيُّ أمرهم.
[ وعلى آله الغر الهداة والولاة على جميع الولاة ]، عطف الآل عليهم السلام في الصلاة والسلام على النبي صلى الله عليه وآله وسلم عملاً بالحديث المروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: " لا تصلوا علي الصلاة البتراء، قيل: يا رسول الله وما الصلاة البتراء ؟ قال: أن تصلوا علي من دون آلي "، وفي بعض الروايات: " أن تصلوا علي من دون أن تسلموا على آلي "، وآله: هم الأربعة الذين أدخلهم في الكساء معه صلى الله عليه وآله وسلم وقال: " اللهم هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً "، ومن تناسل من ذرية الحسنين إلى يوم الدين ممن لم يخرج عن هديهم وطريقهم وسيأتي الكلام في أدلة ذلك، وحكاية مذهب المخالف والرد عليه في الإمامة إن شاء الله تعالى.
والغر: جمع أغر وأصله بياض في جبهة الفرس، ثم استعير لكل ذي نجابة.
والهداة: الدعاة إلى الحق.(1/29)
والولاة: مالكوا الأمر في الأمور التي مرجعها إلى الأئمة، أشار بذلك إلى أن آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم هم ولاة الأمر في أمته صلى الله عليه وآله وسلم، وأنه لا حَقّ لغيرهم في ذلك لأن ذلك الغير من حاكم أو عامل أما مُوَلىَّ من جهتهم فلا إشكال، وأما من جهة الصلاحية والحسبة فشرط صحة ولايته أن لا يكون موجوداً من يصلح للإمامة داعياً يُتمكن من إجابته، وما عدا ذلك فليس إلا مدعٍ ما ليس له بل هو متعد حيث يتولى على غيره بغير إذن شرعي كما سيأتي تقرير ذلك في محله إن شاء الله تعالى.(1/30)