الباب الأول في التوحيد وما يتصل به
[ بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المختصِّ بصفات الإلهية والقِدم، المتعالي عن الحدوث والعَدَم ].
ابتدأ عليه السلام بالبسملة، وأتبعها بالحمدلة اقتداء بكتاب الله العزيز وعملاً بأحاديث الابتداء كلها، وقد ذكر منها شيخنا صفي الإسلام بعضاً في سمط الجمان، وذكرها غيره فلا نطيل الكلام بذكرها.(1/16)
وجوب شكر المنعم
ولأنه قد تقرر في العقول وجوب شكر المنعم فيكون ذكر الله والبداية بالبسملة والحمدلة بعض ما يجب من أداء ذلك الشكر، وقد خالف أهل الجبر في وجوب شكر المنعم عقلاً، وإنما وجب عندهم بالسمع فقط، قال صاحب جمع الجوامع: وشكر المنعم واجب بالشرع لا بالعقل ولا حكم قبل الشرع بل الأمر موقوف إلى وروده، وحكَّمَت المعتزلة العقل إلى آخر كلامه، وهذه إحدى فواقرهم المتفرعة على القول بالجبر، ويقال لهم: إذا كان العقل عندكم لا يحكم باستحقاق المنعم الشكر كان طلب الباري تعالى من الخلق أن يشكروه طلبا لما ليس له ولا يستحقه فيلزم تصويب الكفار في عدم شكرهم نعم الله تعالى، ولو كان كذلك لما ورد الشرع بذمهم على ذلك على أن العقلاء قاطبة يتفقون على مدح من أحسن إليهم وذم من أساء إليهم بل ذلك جِبِلَّة في سائر الحيوانات تميل إلى من أحسن إليها وتنفر عمن أساء إليها، وبعضها يرجع إلى الإضرار به ومن ثمة يقال: جُبِلَت القلوب على حب من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
وأما قوله: وحَكَّمت المعتزلة العقل، فإنما أتى بهذه العبارة وقصر القول بشكر المنعم عقلاً على المعتزلة لقصد التحقير والتنفير عن ذلك القول، وإلا فهو قول قرناء الكتاب العترة النبوية والسلالة العلوية عليهم السلام، وهو معلوم من حال جميع العقلاء، وكافة فرق الإسلام لا يخالف في ذلك سوى أهل الجبر، وهذه قاعدة لهم فاحفظها إذا تكلموا في مسألة من مسائل الجبر لم يحكوا فيها الخلاف ولم ينسبوه إلا إلى المعتزلة، ويعرضون عن الالتفات إلى مذاهب العترة الطاهرة شموس الدنيا وشفعاء الآخرة سلام الله عليهم.(1/17)
معنى الاسم
والاسم: هو اللفظ الدال على ذات مسماه الذي وضع لتعيينها عن غيرها، قيل: هو مشتق من السمة وهي العلامة، وقيل: من السمو وهو العلو، لأنه على الأول صار علامة لتلك الذات عند الخبر عنها والإسناد إليها، وعلى الثاني لأنه يسمو بتلك الذات ويرفعها إلى الأذهان عند الخبر عنها.(1/18)
لفظ الجلالة
والله: اسم للباري تعالى بإزاء صفات مدح وهي: أنه قادر على كل المقدورات، عالم بجميع أعيان المعلومات وأحوالها، وأنه حي دائم بما ليس له ابتداء ولا انتهاء، ومعنى كونه بإزائها: أنه متى أطلق هذا الاسم الشريف وفُهمت تلك الصفات، فلهذا لا يجوز إطلاقه على غير الباري تعالى، واختُلِف هل هو مشتق أم لا؟ وهل هو منقول أم لا؟ وهل هو عَلَم أم لا؟ فقيل: مشتق من الوله: وهو الفزع، لأنه يُفزع إليه تعالى عند المهمات، وهي رواية شيخنا صفي الإسلام في سمط الجمان عن القاسم يعني - ابن إبراهيم عليهما السلام - وحكى في هامشه عن الناصر للحق الحسن بن علي في البساط، والناصر أبي الفتح الديلمي في تفسيره، والمنصور بالله في شرح الرسالة، وحكي أيضا عن أبي القاسم البلخي، وقيل: من التأله وهو التعبد، وحكاه أيضاً عن القاسم عليه السلام، وقيل: من الوله وهو التحير لأن العقول تتحير في كُنْه ذاته تعالى، قال مولانا الحسين بن القاسم عليهما السلام، وأصله الإلاه حذفت الهمزة وعوض عنها حرف التعريف تخفيفاً ولذلك لزمت، وذهب والده الإمام القاسم بن محمد قدس الله روحه في الأساس، وحكاه الشارح عن الجمهور إلى أنه غير مشتق ولا منقول، قال سيدي العلامة الوجيه عبد الكريم بن عبد الله رحمه الله تعالى وهو المختار إذ ما سواه يحتاج إلى وحي، وقال النحاة: بل هو عَلَم، قال في الأساس: قلنا العلم وُضِعَ لتمييز الذات عن جنسها والله تعالى لا جنس له إلى آخر كلامه عليه السلام .
قلت: وأيضاً فإن الأعلام لا تدل على زيادة على تمييز الذات عما سواها، ولهذا إذا كان الاسم مشتقاً من معنى يدل عليه كصالح وهادي ثم وضع عَلَماً لذات صار كأنه قد تُنوسي فيه ذلك المعنى ونُزِّل منزلة الأسماء الجامدة كبكر وهند ونحوهما، وقد علمنا أن هذا الاسم الشريف متى أطلق فهمت منه تلك الصفات الحميدة.
قالوا: هو من الأعلام الغالبة التي بقي ملحوظاً فيها معنى ما اشتقت منه كالحارث والصعق.
قلنا: كان يلزم جواز إطلاقه على غير الله قبل الغلبة ولا قائل به.(1/19)
صفة الرحمن الرحيم
والرحمن الرحيم: صفتان مشتقتان من الرحمة وإطلاقهما على الله تعالى مجاز لأن معناهما الحقيقي الحنو والرأفة، ويلزم منهما فعل جلب النفع ودفع المضار ممن قاما به وإيصال ذلك إلى الشخص الذي جلب له النفع ودفع عنه الضرر، فاستعمل اللفظ في حق الباري تعالى، والمراد لازمه تَجَوُّزاً هذا قول المهدي عليه السلام والجمهور، وقال القاسم بن محمد عليهما السلام: بل صارا حقيقتين دينيتين منقولتين عن المعنى اللغوي إلى المعنى الآخر وهو جلب النفع ودفع الضرر بنقل الشارع إلى الحقيقة الدينية كنقل الإمام ونحوه، والأظهر الأول والله أعلم.
والحمد: هو الثناء بالجميل على الجميل الاختياري، قال سيدي الحسين بن القاسم عليهما السلام: وأطلق الجميل الأول لأن وصفه تعالى بصفاته الذاتية حمد له، وقيد الثاني بالاختياري لأنه لم يسمع: حَمِدْتُ اللؤلؤة على صفائها، بل مدحتها والمدح أعم مطلقاً من الحمد.
فإن قلت: يستلزم أن لا يكون ثناء الله تعالى على صفاته الذاتية حمداً وهو خلاف ما عليه الاتفاق.
قلت: قد أجيب عنه بجوابات أمثلها الحمل على المجاز لكون تلك الصفات مبادئ أفعال اختيارية، انتهى كلامه والمسك ختامه، وقوله: الحمل على المجاز - يعني أن الحمد مجاز عن المدح -.(1/20)