خروجه عن ذلك في أي حال من الأحوال [ لم يكن له بُدٌّ من ] أحد أمرين كلاهما باطل محال، إما [ فاعلٍ فعله، وجاعلٍ على صفات الكمال ]، وهي كونه تعالى قادراً على كل المقدورات عالماً بجميع كل المعلومات حياً دائماً لم يزل ولا يزول [ جعله، ] وهذا مع كونه باطلاً من جهة لزوم حدوثه تعالى فهو باطل من جهة لزوم النقيضين، وهو أن من صفات الكمال أن يكون تعالى قادراً على كل شيء، فيكون قادراً على ذلك الفاعل له تعالى، فيلزم في كل واحد منهما أن يكون قادراً مقدوراً للآخر وهو مستحيل، وذلك لأن كل واحد منهما من حيث أنه قادر يجب أن يكون موجوداً ليصح منه الفعل، ومن حيث أنه مقدور يجب أن يكون معدوماً ليصح من الآخر إيجاده، والجمع بين الوجود والعدم في ذات واحدة محال، وأيضاً فإن من صفات الكمال أنه حي دائم لم يزل - أي فيما ليس له ابتداء - وفيما لا يزال - أي فيما ليس له انتهاء - فهو قديم، فإذا فرض مع ذلك فاعل فعله لزم اجتماع الحدوث والقدم، وهو جمع بين النقيضين محال بكل حال.(1/191)


الأمر الثاني من الآخرين الباطلين: فيما إذا لم نقل أنه تعالى قادر عالم حي لم يزل ولا يزال بذاته أشار إليه عليه السلام بقوله [ أو يكون ] ذلك المذكور من كونه قادراً وعالماً وحياً ليس ثابتاً له تعالى لذاته بل [ لِعِلَّةٍ، ] أوجبت له تعالى تلك الصفات فإما موجودة أو معدومة، الثاني باطل إذ لا تأثير للمعدوم، والأول إما قديمة فلا قديم سوى الله تعالى، وإما محدثة لزم حدوثه تعالى من فرض العلة المحدثة ومن فرض أن ذلك لفاعل فعله تعالى، فأشار عليه السلام إلى بطلان الطرفين بقوله [ وقد ثبت أنه تعالى قديم، ] ثم أشار إلى بطلان هذه التقادير اللازمة من القول بأن الصفات ليست لله أتت في حقه تعالى من لزوم خروجه عن كونه تعالى قادراً أو نحوه أو فاعلاً له أو علة قديمة أو محدثة بقوله عليه السلام [ فلا يصح القول بشيء من ذلك. ]، ويريد عليه السلام بالعلة مؤثراً فيه تعالى على سبيل الإيجاب لغيره بمقابل الفاعل فلا يرد عليه قول مثبتي الصفة الأخص التي اقتضتها ذاته وهي اقتضت الصفات الأربع ولا قول من قال إن الصفات الأربع، مقتضاة عن الذات. وإن كان قد تقدم عليه من المناقشة ما يلزمهم القول بذلك، لأن المؤلف عليه السلام حكاه شيخنا صفي الإسلام مع من يقول: إن الصفات ليست هي الذات، ولم ينقل عنه القول بالصفة الأخص كالإمام المهدي أحمد بن يحيى عليهما السلام والنجري والقرشي، فلعله عليه السلام ممن يقول بقول البعلوية: إن الصفات واجبة لأجل الذات وليست هي الذات. وقد حكى شيخنا رحمه الله تعالى القول الأول عن الهادي، والحسين بن القاسم العياني، والواثق، والسيد حميدان، والإمام يحيى والمهدي أحمد بن الحسين، ومحمد بن يحيى القاسمي، والمرتضى بن المفضل، والإمام محمد بن المطهر، والسيد الهادي ابن يحيى، والإمام القاسم بن محمد، والإمام الشرفي عليهم السلام، ثم قال: وغيرهم. فحكى عنهم جميعاً: أنها نفس الذات ونسبتها إلى الذات كإضافة الوجه والنفس(1/192)


لأنها قديمة ولا قديم إلا هو، وذاته تعالى مؤثرة في المقدور لا بصفة فذاته حقيقة القدرة ونحو ذلك، ومآله إلى نفي الصفات مع حصول نتائجها من الذات. فهذا لفظه رحمه الله تعالى في السمط، وينبغي تأمله والاستدراك عليه ليظهر المراد منه وذلك من وجوه:
أحدها: قوله: إنها هي نفس الذات، ليس على ظاهره إن ثمة متعددات يقال لها نفس الذات كما توهمه العبارة، وإنما المراد أن المتعددات في الفاعل غيره كما مثلنا أن الفعل لا يصح إلا بعد وجود ذات زيد والعلم والقدرة والحياة فيه، فهذه الأربع المتعددات في الشاهد هي في حق الباري لا وجود لشيء منها إلا الأول فقط وهو الذات، لكن لما سدت الذات مسد الثلاث الصفات أطلق على الصفات أنها نفس الذات لما حصل عن الذات ونتج منها ما نتج ويحصل من تلك الصفات في الخارج، وهو صحة الفعل وإحكامه وتدبيره.
وثانيها: قوله رحمه الله تعالى: وذاته تعالى مؤثرة في المقدور. يعني لا على سبيل الوجوب بل على سبيل الصحة والاختيار وإلا كان كقول الفلاسفة.(1/193)


وثالثها: قوله رحمه الله تعالى: فذاته حقيقة القدرة، في العبارة قلق وليس على ظاهره لأنا قد نفينا القدرة ونحوها عنه تعالى من سائر المعاني، ومراده رحمه الله تعالى فذاته تعالى قائمة ونائبة مناب القدرة وسادة مسدها وكذلك سائرها، ثم حكى القول الآخر عن أئمتنا عليهم السلام بما لفظه: الثاني نفي حقائق الصفات وإثبات أحكامها من الذات، فيقال عالم لذاته لا لعلم وكذا في الباقي ويثبتون القادرية والعالمية، ويقولون: هي نسب وإضافات لا وجود لها في الخارج بخلاف العلم والقدرة فهي معان فيجب نفيها، وهذه العالمية ونحوها زائدة على العلم بالذات تحتاج إلى نظر بعد معرفة الذات وأنه يستحقها لذاته ولما هو عليه في ذاته. وهذا قول الإمام محمد بن القاسم، والمؤيد بالله وأبي طالب، والسيد مانِكْدِيْم، والدَّيلمي، والإمام المتوكل على الله، والمنصور بالله، والأمير الحسين، والإمام المهدي ومعاصريهما، والسيد الهادي بن إبراهيم،والإمام شرف الدين عليهم السلام قالوا: ولا توصف لأنها اعتبارية، وغلط من روى أنها وجودية عندهم.(1/194)


ثم قال رحمه الله تعالى: هذا ولم أضع قائلاً إلا وقد رأيت له ذلك في كتابه. وأما الدعاوي فكل من مال إلى مذهب ادعى أنهم معه فرواية السيد حميدان عن أهل البيت كلهم الأَول ورواية المنصور بالله والمتوكل على الله وغيرهما الثاني قال: واختلفت الأقوال عن القاسم بن إبراهيم عليهما السلام فكل يدعيه إلى قوله،وأهل القول الثاني اختلفوا، فمنهم من قال: يستحقها لذاته. ومنهم من قال: يستحقها للصفة الأخص، قال: وهي الإلهية المستلزمة للصفات الأربع، وكذلك الخلاف بما خالف الله خلقه، فقال الهادي عليه السلام ومن معه: بذاته. وقال المنصور بالله والمهدي وحكوه عن القاسم: بصفته الأخص. وقال باقوهم: بصفاته الأربع. قال رحمه الله تعالى وأقول: لم يظهر لي فرق بين القولين لأن مقصود الكل نفي المعاني التي هي العلم ونحوه وكلهم مصرح به، فمن ثمة ترى الأشاعرة وغيرهم يروون عن العدلية كلهم أن صفات الله ذاته، قال: وقد حققه جماعة بل حققه إمام الزمان المتوكل على الله المُحَسِّن بن أحمد عليهما السلام، والمفرق بين الأئمة الهادين كالمفرق بين النبيين والهادي، والمختار قول الهادي ومن معه إن صح الخلاف الخ كلامه رحمه الله تعالى.(1/195)

39 / 311
ع
En
A+
A-