أدلة حدوث الأجسام وأن لها محدِث
[ وإذا كانت محدَثه فلا بد لها من مُحدِث ] واعلم أرشدك الله تعالى أنه لا خلاف في حدوث كثير من أصناف العالم كالحوادث اليومية، وإنما الاختلاف والنزاع في الأجسام، وقد استدل أصحابنا على حدوثها بأدلة كثيرة منها هذا الدليل الذي ذكره الأمير عليه السلام ويسمى دليل الاختلاف وتحريره على أربعة أصول:
الأول: أن هذه الأجسام مختلفة. الثاني: أن اختلافها دليل على حدوثها. الثالث: أن المحدَث لابد له من محدِث غيره. الرابع: أن المحدِث ليس إلا الفاعل المختار وهو الله تعالى لا غيره.(1/66)


أما الأصل الأول: فهو معلوم بالضرورة [ لأنها قد اشتركت في الجسمية ] وهو أنها أجسام ذات طول وعرض وعمق، فهذا حاصل في جميع أجسام الحيوانات وغيرها، [ ثم افترقت هيئاتها وصورها فتنظر سماء، وأرضاً، وأثماراً، وأشجاراً، وحجارةً، وناراً وبحوراً، وأنهاراً، وإناثاً وذكوراً، وأحياءً، وأمواتاً، وجمعاً، وأشتاتاً ] وكذلك محتركاً وساكناً، والمراد بقوله: وجمعاً وأشتاتاً: الاجتماع والافتراق، وكذلك الحركة والسكون وهي المسماة في لسان المتكلمين بالأكوان الأربعة، فلا يخلو كل جسم عن الاتصاف باثنين منها لأنه إما متحرك أو ساكن، وإما مجتمع مع غيره أو مفترق عنه، فإن كان محتركاً دل على الحدوث وإن كان ساكناً فكذلك لأن الحركة والسكون عرضان محدثان بلا شك لأن كل حركة يصح عدمها وإبدالها بالسكون والعكس، وما صح إبداله بغيره علم حدوثه لأن القديم لا يصح عدمه لأنه موجود بذاته، فلا يصح دخوله تحت قدرة قادر لإيجاده ولا لإعدامه، فعلم بهذا حدوث الحركة وحدوث السكون، وكذلك الاجتماع والافتراق، فما من اجتماع إلا ويصح إبداله بالافتراق، فالافتراق محدث لوجوده بعد العدم، والاجتماع محدث لعدمه وإبداله بالافتراق، وكذلك سائر ما ذكره عليه السلام من اختلاف الهيئات والصور وكون بعض الأجسام سماء وبعضها أرضاً واختلاف الأثمار والأشجار تتنقل وتتناسخ من حالة إلى حالة حتى يبلغ حد اليناع والكمال، وكل حالة من أحواله يصح في العقل أن تكون تلك الثمرة أو الشجرة على حالة مخالفة لها، فإنك ترى شجرة العنب الأبيض مثلاً يصح أن يكون ثمرها أسود أو أحمر، فيدل ذلك على الفاعل المختار الذي فعل هذا كذا وهذا كذا، وكذلك الذكورة والأنوثة والإحياء والإماتة في الحيوانات، فإن المرأة إذا حملت صح في الحمل أن يكون ذكراً وأن يكون أنثى وبعد ولادته يصح عليه أن يبقى حياً وأن يخلف حياته الموت، وأيَّمَّا كان من ذكورة أو أنوثة أو حياة أو موت دل على فاعل مختار فعل هذا الحمل المولود على هذه الحال دون ضدها.(1/67)


بحث في الأعراض
[ وكذلك تنظر إلى الأعراض الضروريات ] أي [ المعلومات، ] وجودها بالضرورة [ فإنها قد اشتركت في كونها أعراضاً ] وهي أنها لا تشغل الحيز عند حدوثها وأنها لا تستقل في وجودها بنفسها وإنما تقوم بالجسم المتحيز، والأعراض: جمع عرض، وهو في اللغة: كلما يعرض ويزول ومنه قوله تعالى: ?فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا?{الأحقاف:24}، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: " الدنيا عرض حاضر يأكل منه البَر والفاجر "، وفي اصطلاح المتكلمين: ما يقوم في الجسم ولا يبقى كبقائه، وإن شئت قلت: ما لا يشغل عند حدوثه ولا يقوم بنفسه، [ ثم افترقت ] هذه الأعراض [ وانقسمت بين شهوة ]: وهي المعنى القائم بالحيوان المتعلق بتناول ما يلذ به، [ ونفرة، ]: ضد الشهوة وهي المعنى القائم بالحيوان المتعلق بتناول ما يؤلمه، [ وحياة، ]: وهي المعنى القائم بالجسم الذي يصح معه أن يقدر ويعلم ويدرك المدركات، [ وقدرة، ]: وهي المعنى القائم بالحيوان الذي يصح منه الفعل، [ ويبوسة، ]: وهي المعنى القائم بالجسم الموجب صلابته وشدته [ ورطوبة، ]: وهو المعنى القائم بالجسم الموجب لينه ضد اليبوسة، [ وطعوم مكروهة ] كطعم المر ونحوه من المطعومات المنفور عنها [ ومحبوبة، ] كطعم العسل ونحوه من المطعومات المشتهيات، [ وروائح ] جمع رائحة ويقال فيها ريح، [ شتى ] يعني لا تنحصر، ولما كانت لا تنحصر لم يقسمها أهل اللغة إلى أقسام وأنواع مخصوصة كما قالوا في الألوان بياض وسواد وحمرة وصفرة وخضرة، بل تضاف كل من الروائح إلى محله إذا أريد تعينه والخبر عنه، فيقال ريح المسك وريح الورد ونحو ذلك، [ وحرٍ وبردٍ، ] وهما ظاهران واختلافهما في القلة والكثرة من أدل الدلائل على الفاعل المختار، وكذلك اختصاصها ببعض الأمكنه دون بعض والأزمنة وما فيهما واعتوارهما على الحيوانات من المصالح كما لا يخفى، [ وَوِجاءٍ ] ككتاب:(1/68)


وهو الألم قال شيخنا صفي الإسلام رحمه الله تعالى: وينظر في عده من الضروريات لأنه مقدور لنا إلا أن يراد بالضروريات مالا يقف على اختيارنا.
قلت: مراده رحمه الله تعالى في تفسير الضروريات ما يختص بها الباري تعالى لذلك نظر على عد الألم منها لدخوله تحت مقدورنا متولداً عن الضرب ونحوه، وأما إذا فسرناها بما يعلم وجوده ضرورة فلا تنظير، لأن مراد المؤلف عليه السلام الألم الذي فيه الدلالة على الله تعالى وهو ما لم يكن من أفعالنا كالمرض ونحوه، [ وفناءٍ ]: وهو إن أُريدَ به التمزيق والتبديد وتخربة أي تغيير البنية فهي عرض، وإن أريد به إعدام الجسم عدماً محضاً بالكلية فهي جنس مستقل خارج عن الأعراض، والخلاف بين العلماء في كيفية فناء العالم على حسب ما ذكر، فذهب الإمام القاسم بن محمد عليهما السلام إلى الثاني، وذهب غيره إلى الأول، والأدلة مذكورة مبسوطة في غير هذا الموضع، [ وألوانٍ متضادة ] أي معتورة ومختلفة، [ على المحل ]، والضدان: ما لا يجتمعان ويصح ارتفاعهما بثالث كالألوان، والنقيضان: مالا يجتمعان ولا يرتفعان بثالث كالوجود والعدم والليل والنهار.(1/69)


الموت
[ وموت ] واختلف فيه فقيل: إنه معنى وجودي وهو قول المنصور بالله عبد الله بن حمزة عليه السلام وغيره مستدلين بقوله تعالى: ?الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ?{الملك:2}، وقيل: بل هو أمر عَدَمِي لأن المرجع به إلى إزالة الحياة الموجودة في الجسم وهو قول المهدي عليه السلام وغيره وحجتهم أنه لم يعقل من معناه غير ذلك، فإطلاق الخَلْق عليه تجوزاً لما كان تعالى هو المزيل للحياة سمى الإزالة خَلْقاً تجوزاً، والأظهر الأول لأنه يمكن أن يكون إزالة المعنى بإيجاد ضده كما في سائر الأضداد.(1/70)

14 / 311
ع
En
A+
A-