الملائكة عليهم السلام أفضل خلق الله
مسألة: قال أئمتنا عليهم السلام وموافقوهم: وأفضل خلق الله تعالى الملائكة، ثم الأنبياء عليهم السلام جميعاً، ثم أوصياء الأنبياء عليهم السلام، ثم الأئمة العادلون، ثم الشهداء، وخالفت الأشعرية وغيرهم من المحدثين في تفضيل الملائكة عليهم السلام على الأنبياء عليهم السلام، وقالت الإمامية: بل الأنبياء والأئمة أفضل من الملائكة، وقيل: بل الأنبياء والمؤمنون أفضل.
لنا: قول الله تعالى في الملائكة: ?لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ?{التحريم:6}، مع ما حكاه عن الأنبياء من مواقعة بعض المعاصي، وأيضاً كثرة أعمالهم من الطاعات مع طول أعمارهم وتحملهم من التكاليف الجسيمة ما لم يتحمله الأنبياء، وأيضاً فإنما يأخذ الأنبياء عليهم السلام العلوم والديانات عن الملائكة غالباً، ولا شك أن من لم يعص الله تعالى البتة ومن زادت طاعته ومن كان معلماً لغيره فهو أفضل ممن ليس كذلك.(1/666)
ولنا أيضاً: قوله تعالى: ?قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلَا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ?{الأنعام:50}، إذ لا معنى لنفي مرتبة الملائكة عنه عليه السلام في الفضيلة مع كونها فوقها فيها إذ المعلوم أنه ليس بمَلَك، فلا يصح في خطاب الحكيم قصد نفي كونه مَلَكاً وإنما يصح قصد نفي كونه صلى الله عليه وآله وسلم في رتبة المَلَك أو أفضل، وقوله تعالى: ?مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنْ الْخَالِدِينَ?{الأعراف:20}، أي إلا لئلا تكونا مَلَكَين أو كراهية أن تكونا مَلَكَين، والمعنى أن الله تعالى حكى عن إبليس اللعين في تغريره على آدم وحوا أن الله تعالى إنما نهاهما عن الأكل من تلك الشجرة لئلا يبلغا درجة الملائكة في الفضيلة والتعظيم والتقرب إلى الله تعالى فلو أكلا منها لبلاغا تلك المرتبة، هكذا استدل بالآية أصحابنا رحمهم الله تعالى، وفيه نظر، لأن ذلك حكاية عن قول إبليس لعنه الله تعالى، ولا يتم الاحتجاج إلا مع التقرير من الشارع فيحتاج إلى إثباته ومجرد ترك تقبيح القول لا يدل على صحته إذا وقع ممن علم ضلالته.
ويمكن الجواب: بأن ترك إنكار القول الباطل لا يجوز على الحكيم من أي قائل كان والله أعلم.(1/667)
ولنا أيضاً: ما روي من الحديث القدسي: "ما ذكرني عبد في ملأٍ إلا ذكرته في ملأٍ خير من ملائه" أو معناه، مع أن المعلوم أن المؤمنين من الصحابة كانوا يذكرون الله في محضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فهو من جملة الملأ المفضل عليهم الذين ذكر الله تعالى فيهم فاقتضى تفضيل الملائكة عليهم السلام، وأما ما احتج به المخالف من سجود الملائكة لآدم عليهم السلام وكونهم كانوا جنداً لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم في يوم بدر ونحوه، فلا حجة فيه لأن السجود لله تعالى وإن استقبل به آدم فذلك كاستقبال الكعبة، ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمِراً على الملائكة وإنما أمرهم تعالى بنصرته ونصرة من معه وتأييدهم إعزازاً لدينه وإكراماً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد زعم بعض المتأخرين ممن أقعدته العصبية وضعف الهمة عن النظر في هذه المسألة أن الخوض فيها فضول وبدعة لا ثمرة لها وزخرف هذا القول بأن الملائكة والأنبياء عليهم السلام لا تنازع بينهم وأنهم متفقون من هو الأفضل.
وهذا كلام ساقط لا يلتفت إليه وسببه التقصير والنفور عن علم الكلام وإلا فالمعلوم عقلاً أن العلوم كلها حسنة وأن ما فهم من تدبر كتاب الله وسنة رسول الله لا يسمى بدعة ولا يقال لا ثمرة له، وأقل ثمرة لهذه المسألة لو حلف رجل بطلاق أو عتاق أو نذر وعلق ذلك بأفضلية أحد الصنفين على الآخر ترتب عليهما البَّر والحِنْث، فأما قوله: إن الملائكة والأنبياء عليهم السلام لا تنازع بينهم الخ، فمعلوم ولكن مقتضى الخلاف في هذه المسألة اتفاقهم على تفضيل الملائكة عليهم السلام عند أئمتنا ومن وافقهم، وعلى تفضيل الأنبياء عليهم السلام عند المخالف فما في هذا القول حجة لذلك الزاعم، بل هو مجرد مغالطة من ذلك الواهم.(1/668)
الأنبياء عليهم السلام معصومون
مسألة: لا خلاف في امتناع الكفر على الأنبياء عليهم السلام وعدم تجويزه منهم، إلا ما حكاه القرشي رحمه الله تعالى عن بعض الخوارج أنهم جوزوا صدوره منهم وأما غيره من سائر الكبائر فكذلك عند أئمتنا عليهم السلام وجمهور المعتزلة.
وقالت الحشوية: تجوز عليهم الكبائر قبل البعثة وبعدها ولا تشترط عصمتهم في الحالين.
وقيل: تجوز عليهم قبل البعثة لا بعدها، وحكى هذا النجري رحمه الله تعالى عن الأشعرية وأبي الهذيل، وحكاه القرشي في المنهاج عن الأشعرية وأبي علي.
واتفقت العدلية وجمهور المجبرة على تنزيههم عن الكذب ولو فرضناه صغيراً لقدحه في التبليغ.
قال أصحابنا: الأنبياء عليهم السلام معصومون عن ثلاثة أنواع من المعاصي:
الكبائر جميعها.
وما يتعلق بالتبليغ ويقدح في الوحي كالكذب ولو في غيره، وكالسهو والنسيان والغلط فيما يتعلق بالوحي لا في غيره، فإنهم منزهون عن السهو ونحوه فيما يتعلق بالوحي وإن لم يكن معصية وإلا لما وثقنا بما بلغوه إلينا.
والثالث ما فيه خسة ودناءة وسقوط مروءة لتأديته إلى التنفير عنه وعدم القبول منه.
وما عدا ذلك من سائر الصغائر فهو جائز عليهم على خلاف بين أئمتنا عليهم السلام في كيفية صدوره منهم.(1/669)
فقال الإمام المهدي عليه السلام وغيره من العدلية: سواء صدرت منهم عمداً أو سهواً أو تأويلاً.
وقال القاسم بن محمد عليه السلام وغيره من العدلية: لا يجوز منهم تعمدها مع العلم بتحريمها، بل لا تقع منهم إلا سهواً أو لتقصيرهم في النظر في حكمها، ومن ذلك خطيئة داود عليه السلام حيث قَدَّم أُوريا في الحرب ليتزوج امرأته إن قتل أو لنسيان النهي عنها، ومن ذلك خطيئة آدم عليه السلام لقوله تعالى: ?فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا?{طه:115}، أو لخطأ في الاجتهاد بعد النظر، ومن ذلك خطيئة يونس عليه السلام حيث ذهب مغاضباً من قومه وظن أن الله غير مؤاخذ له في ذلك، وقصة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم مع الأعمى حيث رجح الاستماع والمحاورة مع الملأ من قريش على ذلك مع الأعمى مع أنه مسترشد وأولئك معاندون غير مسترشدين فكان الأعمى أولى بالالتفات إليه.
حجة المهدي عليه السلام ومن معه: أن الله تعالى قد حكى عن الأنبياء عليهم السلام ما حكاه من المعاصي والأصل العمدية ولا تنفير في فعل الصغائر، وإنما التنفير في فعل الكبائر وما فيه خسة.
حجة القاسم: أن مواقعتهم ذلك مع العلم والتعمد يقتضي الإغراء بفعلها، ولأن نفس الإقدام مع العلم جرأة لا تتحقق معه ثبوت العدالة أو بقاؤها، ولأن كل عمد كبيرة على أصله.(1/670)