مسألة: هل تدوم أعواض الآلام ونحوها أم تنقطع؟
مسألة: ويناصف الله تعالى بين البهائم ونحوها ممن لا يَعْقِل قاله بعض أئمتنا عليهم السلام والأكثر حكاه شيخنا رحمه الله قال: وقال الإمام يحيى والمهدي والإمام وأبو قاسم وأبو الحسين ومحمود: لا تناصف بينها لأن سلب العقل كالإباحة.
لنا: ما روي عنه صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الله ينتصف للشاة الجمى من ذات القرنين "، وأيضاً لو لم ينتصف من الجانية للمجني عليها لكان التمكين والتخلية ظلماً، والأظهر أنه لا يكون إنصاف المجني عليها إلا بالعوض من الله تعالى دون أن يأخذ من أعواض الجانية شيئاً لعدم تمييزها قبح الجانية المصححة للانتصاف منها، والله أعلم.
مسألة: وهل تدوم أعواض الآلام ونحوها أم تنقطع ؟
لا دلالة قاطعة على أحد الأمرين بالنسبة إلى الاستحقاق العقلي، ومنهم من ذهب إلى دوامه قياساً على الثواب،ومنهم من ذهب إلى انقطاعه قياساً على أروش الجنايات، والأول قول بعض أئمتنا عليهم السلام وأبي الهذيل وبعض البغدادية،والثاني حكاه شيخنا عن جمهورهم منهم محمد بن القاسم والسادة والمنصور بالله والمهدي، قال الإمام القاسم عليه السلام : قلنا انقطاعه. يلزم تضرر المعوض أو فناءه. قال المفتي لا يلزم مع قولهم يتفضل عليه بعد انقطاع المستحق.
فظهر لك أن النزاع إنما هو كيف يستحق عقلاً هل على سبيل الدوام أو الانقطاع،وأما الوقوع فالظاهر الاتفاق على دوامه لكن أهل القول الثاني يجعلون الزائد على ما يستحق تفضلاً، والله أعلم.(1/576)
الآجال
القول في الآجال:
اعلم أن الوجه في اتصالها بعلم العقائد أنها مما يتطرق إليها الاعتقاد الصحيح أو الفاسد بنسبتها إلى الله تعالى أو إلى غيره وباعتقاد الحكمة فيها أو خلوها عنها، فلزم معرفة الحق من ذلك ووجه اختصاصها بباب العدل وإدراجها في مسائله أنها من جملة أفعال الله تعالى التي شملتها حكمته وتدبيره عز وجل في خلقه. إذا عرفت ذلك.
فالأجل في أصل اللغة هو: الوقت المؤقت به فعل أو حكم ومنه قوله تعالى: ?فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ?{البقرة:234}، وأجل الدين -أي الوقت المضروب للعدة وتأدية الدين-.
وفي الاصطلاح: هو الوقت الذي علم الله تعالى بطلان حياة الحي فيه قال تعالى: ?فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ?{الأعراف:34}، وقد يطلق على نفس الحياة أو مدتها، ومنه قولهم: هل القتل خرم أجل أم لا ؟(1/577)
مسألة: لا خلاف أن من مات حتف أنفه فموته من فعل الله تعالى وأنه مستوف عمره ومات بأجله المحتوم الذي كتبه الله له وقدره وقضى عليه به، إلا ما يحكى عن المطرفية ونحوهم من الطبائعية أنه لا يكون كذلك إلا في من بلغ العمر الطبيعي مائة وعشرين أو وخمسين سنة. وهو بناءٌ على أصولهم الكفرية ومردود بقوله تعالى: ?وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا?{آل عمران:145}، ?اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا?{الزمر:42}، وإجماع الأمة منعقد على خلافه.
مسألة: في القرآن التصريح بأن الله تعالى هو الذي يتوفى الأنفس وأنه خلق الموت والحياة،وفيه أيضاً أن الذي يتوفى الأنفس مَلَك الموت ?قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ?{السجدة:11}، وفيه أن المتوفي الملائكة ?الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ? {النحل:28}، ?الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ?{النحل:32}، فلزم الجمع بين الآيات لأن كلام الله عز وجل مصون عن التناقض بأن المتوفي حقيقة هو الله تعالى، لأنه خالق الحياة والموت ولا يدخلان في قدرة غيره، وتوفي الملك أو الملائكة مجازاً عن قبض الروح وحفظها بعد أن ينزعها الله تعالى من جسد الحي.(1/578)
مسألة: الأجل المخروم
مسألة: واختلف في من مات بسبب من فعل غير الله تعالى كالمقتول، وكمن ألقى على غيره جداراً أو سقاه سماً هل أجله مختوم أو مخروم، ومعناه لو لم يقتل هل كان يموت في تلك الحال قطعاً أم يعيش؟ فقال جمهور الزيدية على رواية الأمير عليه السلام وهو قول أبي علي وأبي هاشم ومن تبعهما من المعتزلة: لا دلالة قاطعة على أحد الأمرين بل يجوز أن المقتول لو لم يقتل لمات في تلك الحال، ويجوز أن يبقى حياً وهذا هو الصحيح.
وقال الإمام القاسم عليه السلام : وحكاه عن بعض أئمتنا عليهم السلام ولم يبينه والبغدادية.
ومثله ذكره القرشي عن بعض البغدادية لو لم يقتل لعاش قطعاً لا محالة.
وقال أبو الهذيل ومن تابعه من المعتزلة وهو قول المجبرة على رواية الأساس والحشوية على رواية الأمير عليه السلام : لو لم يقتل لمات في تلك الحال قطعاً لا محالة.(1/579)
حجة الجمهور أن كلا الأمرين لا مانع من أيهما ولا أن يعلم الله المصلحة في أحدهما دون الأخرى أو استوائهما فيها، ونحن لا نعلم أيهما تمخض لجانب المصلحة ولا الاستواء، فيجوز الأمران ولا دلالة تقتضي لزوم أحدهما، فأما استدلال أهل القول الثاني من قوله تعالى:?وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ? {البقرة:179}، وقصة قتل الخضر عليه السلام الغلام، فلا دلالة في ذلك على محل النزاع لأن الحياة المذكورة ليست للمقتول لو لم يقتل، وإنما هي لمن عدا المقتص منه من سائر الخلق، والمراد بها حياة سليمة عن المخاوف والفتن والتعرض للسبيل والعدو أن دليله التنكير أي حياة عظيمة طيبة كقوله تعالى: ?فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً?{النحل:97}، وليس المراد أنها تحصل للمخاطبين بالقصاص حياة على حقيقتها التي هي ضد الموت بدليل أنها حاصلة لهم قبل القصاص بل حال الخطاب بل قبله، وبدليل أنهم ليسوا محل النزاع وإنما محله هو المقتول الأول والمقتص منه لو لم يقتلا هل كانا يعيشان قطعاً أو يموتان قطعاً كل منهما في الحالة التي قتل فيها فهذا أمر لا قاطع فيه على أحدهما، وأما قتل الخضر الغلام فقتله عن أمر الله تعالى فهو كما لو مات حتف أنفه، فكيف يقال: إن قتله خرم أجل؟ وأما كونه لو بقي لأرهق أبويه طغياناً وكفراً، فغايته الإخبار في حق هذا الغلام بأحد الأمرين الجائزين ولا يلزم طرد المسألة في حق غيره على أن ذلك من كلام الخضر عليه السلام معللاً بمجرد الخشية -أي مظنة أن يرهقهما وليس في ذلك ما يدل على المطلوب قطعاً.
وأما ما استدل به أهل القول الثالث من أنه لو بقي المقتول حياً بأن ترك قتله لكشف عن الجهل حيث علم الله أنه يقتل في ذلك الوقت فانكشف أنه حي، فالإلزام لازم للجميع لأن المفروض أنه علم الله أنه سيقتل فانكشف عدم القتل وأنه مات في ذلك الوقت حتف أنفه.(1/580)