وأخرج السمان والزمخشري في الفائق عن الحسن قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: رأيتهم يعني المجوس ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فإذا قيل: لم تفعلون؟ قالوا: قضاء الله وقدره. فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " أما إنه سيكون قوم من أمتي يقولون مثل ذلك ".
وروى الأمير الحسين عليه السلام عن جابر مرفوعاً: " يكون في آخر الزمان قوم يعملون بالمعاصي ثم يقولون هذا بقضاء الله وقدره الراد عليهم كالمشرع سيفه للجهاد في سبيل الله تعالى ".
وأخرج السيد أبو طالب عليه السلام عن الحسن: " إذا كان يوم القيامة دعي إبليس وقيل له: ما حملك على أن لا تسجد لآدم؟ فيقول: يا رب أنت حلت بيني وبين ذلك. فيقال: كذبت. فيقول: إن لي شهوداً. فَيُنَادَى أين القَدَرِيَّة شهود إبليس وخصماء الرحمن؟ فيقوم طوائف من أمتي فيخرج من أفواههم دخان أسود فيطبق وجوههم فتسود لذلك "، وذلك قوله تعالى: ?وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ?{الزمر:60}.
وأخرج المرشد بالله مرفوعاً عن أبي أمامة: " إذا كان يوم القيامة نادى مناد من بطنان العرش ألا من أبرأ الله من ذنبه وألزمه نفسه فليدخل الجنة مغفوراً له ".
وفي الإرشاد الهادي ما لفظه: وقد ورد ذم القدرية شرعاً من ذلك:
ما روي عن أبي هريرة وابن عمر وجابر عن رسول لله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم، وإن ماتوا فلا تشهدوهم ولا تصلوا عليهم، وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم فإنهم شيعة الدجال وحق على الله أن يلحقهم به ".
وروي عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " صنفان من أمتي ليس لهم في الإسلام سهم المرجئة والقدرية ".
وعن أنس أنه قال صلى الله عليه وآله وسلم: " مجوس العرب وإن صاموا وصلوا القدرية".(1/511)


وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: " لا تجالسوا أهل القدر ولا تفاتحوهم الكلام ".
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنه لما انصرف من صفين قام إليه شيخ فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن سيرنا إلى الشام أكان بقضاء الله وقدره ؟ فقال عليه السلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما قطعنا وادياً ولا علونا تلعة ولا وطئنا موطئاً إلا بقضاء من الله وقدر، فقال الشيخ:" عند الله أحتسب عنائي ومسيري والله ما أرى لي من الأجر شيئاً؟ فقال عليه السلام : بلى قد عظم الله لكم الأجر في سيركم وأنتم سائرون، وفي منصرفكم وأنتم منصرفون، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرين. فقال الشيخ: وكيف يكون ذلك والقضاء والقدر الذي ساقانا وعنهما كان مسيرنا ؟ فقال عليه السلام : لعلك ظننت قضاءاً لازماً وقدراً حتماً لو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب وسقط الوعد والوعيد والأمر من الله والنهي، ولما كانت من الله لائمة لمذنب، ولا محمدة لمحسن، ولما كان المحسن أولى بثواب الإحسان من المسيء، ولا المذنب كان أولى بعقاب الذنب من المحسن، تلك مقالة إخوان الشيطان وعبدة الأوثان وخصماء الرحمن وشهود الزور وأهل العمى والفجور وهم قدرية هذه الأمة ومجوسها، إن الله أمر تخييراً، ونهى تحذيراً، وكلف يسيراً، ولم يكلف مُجْبِراً، ولا بعث الأنبياء عبثاً، ولا أرانا عجائب الآيات باطلاً ?ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ النَّارِ?{ص:27}، فقال الشيخ: فما القضاء والقدر اللذان ما وطئنا موطئاً إلا بهما ؟ فقال عليه السلام : الأمر من الله والإلزام، ثم تلا قوله تعالى: ?وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ? {الإسراء:23}، فنهض الشيخ مسروراً وهو يقول:(1/512)


أنت الإمام الذي نَرجوا بِطَاعتهِ .... يوم النشورِ من الرحمنِ رضْوَانَا
أَوْضَحْتَ من دِيْنِنَا ما كان مُلْتَبِساً .... جَزَاكَ ربُّكَ عَنَّا فِيْهِ إحسانا
أخو النبي ومولى المؤمنين معاً .... وأول الناسِ تَصْدْيِقَاً وإيمانَا
وبَعْلُ بنتِ رسولِ الله سَيِّدِنِا .... أكرمْ بهِ وبِها سِرَّاً وإعلانَا
نفسي الفداءُ لخيرِ الناسِ كُلهُمُ .... بَعْدَ النَّبيِّ عَلِيُّ الخَيْر مولانا
نفى الشكوكَ مقالٌ مِنْكَ مُتَّضِحٌ .... وزَادَ ذَا العِلْمِ والإيمانِ إيمانَا
فَلَيْسَ مَعْذِرَةٌ في فعلِ فَاحِشَةٍ .... يَوْمَاً لِفَاعِلِها ظُلماً وعُدْوَانا
كلا ولا قَائِلٌ نَاهِيْهِ أَوْقَعَهُ .... فيها عَبَدْتُ إذاً يا قَوْمَ شيطانَا
وكتب الحجاج إلى أربعة من جهابذة عصره يسألهم عن القضاء والقدر وهم: الحسن بن أبي الحسن البصري، وواصل بن عطاء، وعمرو بن عبيد، وعامر الشعبي رحمهم الله تعالى، فأجابه أحدهم: لا أعرف فيه إلا ما قاله علي عليه السلام : أتظن أن الذي نهاك دهاك، إنما دهاك أسفلك وأعلاك، والله بريء من ذاك.
وأجابه الثاني فقال: لا أعرف فيه إلا ما قاله أمير المؤمنين علي عليه السلام : أتظن الذي فسح لك الطريق لزم عليه المضيق.
وأجابه الثالث وقال: لا أعرف فيه إلا ما قاله علي عليه السلام : إذا كانت المعصية من الله حتماً كانت العقوبة عليها ظلماً.
وأجابه الرابع وقال: لا أعرف فيه إلا ما قاله علي عليه السلام : ما حمدت الله عليه فهو منه، وما استغفرت الله منه فهو منك. فلما سمع أقوالهم مسندة إلى باب مدينة العلم قال: قاتلهم الله لقد أخذوها من عين صافية.
وعنه عليه السلام أنه سأله رجل فقال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر. فقال: بحر عميق فلا تلجه قال: يا أمير المؤمنين أخبرنا عن القدر. فقال: بيت مظلم فلا تدخله.(1/513)


قلت: وجوابه عليه السلام على هذا السائل باعتبار حاله وإرشاده إلى ما هو الأصلح له ولعله من العوام الذين إذا ذكر لهم أمير المؤمنين معاني القضاء وعددها لم يعرفوا المراد منها بالنسبة إلى الله تعالى، وإن أخذ يعرفهم لم يفهموا ويتميز لهم المعنى الصحيح من الفاسد، فخوض ذلك السائل والحال ما ذكر كدخول البحر العميق والبيت المظلم وليس يأخذه منه التحذير عن معرفتهما والنهي عن النظر في المعنى الصحيح منها واتباعه ومعرفة المعنى الباطل واجتنابه لذلك شبهه بالبحر اللجي والبيت المظلم، وإنما يكون الخطر على من دخلهما من دون سفينة منجية ولا معرفة بالطريق وبمنازل البيت المظلم الذي في بعض منازله مضار وفي بعض منازله منافع دون من دخل البحر في السفينة المنجية أو كان عارفاً بمنازل البيت كصاحبه فلا خطر في ذلك، بل لا يبعد الوجوب إذا كان لا منجا من الغرق إلا بركوب السفينة ولا من عدو أو سبع إلا بدخول البيت، فتأمل سرّ كلام باب مدينة العلم صلوات الله وسلامه عليه.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما: لئن يمتلي بيتي قردة وخنازير أحب إِلَيَّ من أن يمتلي قَدَرِيَّة.
وروي أنه لما اختلف علماء البصرة في القضاء والقدر كتبوا إلى سبط رسول الله الحسن بن علي عليهما السلام يسألونه عن ذلك فأجاب عليه السلام : بسم الله الرحمن الرحيم من لم يؤمن بالقضاء خيره وشره فقد كفر، ومن حَمَّل ذنوبه على الله تعالى فقد فجر إن الله لا يطاع باستكراه ولا يعصى بغلبة إلى آخر كلامه عليه السلام ذكره في الإرشاد الهادي.
وعن عمر أنه أُتي إليه بسارق فقال له: ما حملك على ذلك ؟ فقال: قضاء الله. فقال: لكذبه على الله أعظم من سرقته.(1/514)


القدرية مجوس هذه الأمة
وعن ابن عمر: " القدرية مجوس هذه الأمة إن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم فلا تسلموا عليهم "، قيل: من هم يا أبا عبد الرحمن ؟ قال: الذين يعملون بالمعاصي ثم يقولون: إنها من الله كتبها عليهم.
وعن زين العابدين عليه السلام أنه مُرَّ بسارق على ابن عباس رضي الله عنهما فقال رجل من القوم نعوذ بالله من قضاء السوء. فغضب ابن عباس وقال: لَقَوْلُكُم فيه أعظم من سرقته. ثم مازال يشنع أقوالهم حتى تابوا.
وعن الحسن البصري أنه قال: قاتل الله قوماً يزعمون أن الله قدر خطاياهم وبعث محمداً صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عنها، وعنه أيضاً: اللهم العن أنت وملائكتك ورسلك قوماً يعملون بالمعاصي ويزعمون أنها من الله تعالى.
وقد نقل أئمتنا عليهم السلام وغيرهم من السلف جماً غفيراً من الآثار، والقصد التنبيه لطالب الرشاد، إذ لا ينفع التطويل من ارتكب متن العِنَاد.
دلت هذه الأحاديث والآثار على أن القدرية هم هذه الطائفة المجبرة الذين ينسبون إلى الله تعالى أفعال العباد، ويزعمون أنه الذي أوجد المعاصي وطغى في البلاد فأكثر فيها الفساد، لأن في بعضها التصريح بأن القدرية هم الذين ينسبون أفعال العباد إلى الله تعالى، وفي بعضها تشبيههم بالمجوس، ولا تجد في المسلمين مذهباً يشابه مذهب المجوس إلا مذهب هؤلاء المجبرة وذلك من وجوه:
أحدها: أن المجوس يفعلون المعاصي ويقولون هي من الله كما مر في الحديث: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: رأيتهم -يعني المجوس- ينكحون أمهاتهم وبناتهم وأخواتهم فإذا قيل لهم: لم تفعلون ؟ قالوا: قضاء الله وقدره، فقال صلى الله عليه وآله وسلم: " أما أنه سيكون في أمتي قوم يقولون مثل ذلك ".(1/515)

103 / 311
ع
En
A+
A-