الكتاب : الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين المؤلف : الفقيه العزي محمد بن يحيى مداعس |
الكاشف الأمين
عن جواهر العقد الثمين
تأليف العلامة
الفقيه العزي محمد بن يحيى مداعس
رضي الله عنه
من إصدارات
مؤسسة الإمام زيد بن علي الثقافية
ص.ب. 1135، عمان 11821
المملكة الأردنية الهاشمية
www.izbacf.org(1/1)
خطبة المؤلف
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وهو حسبنا ونعم الوكيل
الحمد لله الذي أنشأ أصناف الموجودات، وجعلها دليلا على ربوبيته وانفراده بأزليته، وألزمها إمكان الزيادة والنقصان لإقامة الحجة على إحداثه لها، وجواز فنائها باقتداره ومشيئته، ووسمها بالأعراض المختلفات والمتشابهات ليرشد قلوب العارفين أنه لا يشبه شيئاً من بريته، الحي الذي يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وكل شيء عنده بمقدار، السميع البصير الذي يدرك خفيات الأصوات، ويشاهد ما في قعور البحار وما تحت كثيفات الأستار، المتعالي عن إداركه بالأبصار، والمتقدس عن توهمه بالأفكار، القريب إلى خلقه بتدبيره إياه حسبما يريد، والرقيب على ضمائر الصدور وهو أقرب إلى الإنسان من حبل الوريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، شهادة صادرة عن محض الإيقان، ناطقة بأفصح البيان، مقرونة بأعظم البرهان الواحد الأحد في قِدمه بلا ثاني، والفرد المتفرد بوجوب بقائه بلا حاجة له إلى شيء من المعاني، سبحانه هو الغني عما سواه على الإطلاق، وهو الذي خلق الموت والحياة، وقدر القدرة والدراية في خلقه على وَفْق الحكمة والاتساق، فكيف يقال بقدم شيء من هذه الأوصاف المختلفة الماهِيَّات، والمتشابهة الكيفِيَّات، والمخلوقة الآنيات، وتجعل قائمة بذات باري البريات، تعالى عما يقوله الجاهلون وإن توهم ذلك وزخرفه المبطلون، وأشهد أنه العدل الحكيم الذي لا يقضي بالفساد، ولا يريد شيئاً من معاصي العباد الذي أمر بالطاعات ليثيب عليها، ونهى عن المعاصي وزجر عنها، ولم يأمر العباد إلا بما يطيقون، ولم يزجرهم عما هم به مطوقون، وأشهد أن محمداً عبده ونبيه الذي أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، وجعله داعياً إليه بإذنه وسراجاً منيرا، وأنزل عليه كتاباً عربياً أحدث كلماته وفصلها تفصيلاً، وجعل? مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ?{آل عمران:7}،(1/2)
ليبلوهم أيهم أحسن عملاً وأصدق تأويلاً، وجعله المعجزة الباقية ببقاء شرعه إلى منقطع التكليف. وقرنه بالعترة النبوية إلى أن يردا عليه الحوض يوم العرض على الخبير اللطيف، صلى الله وسلم عليه وعلى آله الذين أذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً وعلى أصحابه الذين اتبعوهم بإحسان أولاً وأخيراً.
وبعد: فلما كان المختصر الموسوم بالعقد الثمين في معرفة رب العالمين وعدله في المخلوقين، ونبوة النبيين، وحصر الإمامة في الآل الطاهرين وغير ذلك من سائر مسائل أصول الدين مؤلف مولانا الإمام الناقد البصير الأمير الكبير شرف الإسلام ناشر علوم عترة سيد الأنام الحسين بن محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبد الله بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام المختار لدين الله القاسم بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين عليهم السلام، من أجل الكتب التي أُلِّفت بهذا الفن على معتقد أئمتنا عليهم السلام في المعارف الإلهية، وسائر مسائل الأصول الدينية التي يلزم المكلف معرفتها ولا ينبغي لمسلم أن يجهل مقالهم فيها وأدلتها.(1/3)
سبب التأليف
ولم أكن قد وقفت على شرح له ينشر طوياته، ويظهر خفياته، ويبرز ما لمح إليه ذلك الإمام من غوامض الكلام، ويحرز ما جمعه ذلك الهمام من درر غوص أولئك الأعلام الذين هم حجج الله على كافة الأنام، إلا ما كان وضعه شيخنا صفي الإسلام وخاتمة المحققين في الكلام تغشاه الله بواسع الرحمة والإكرام من التحشية بهامشه، وهي لعمري مفيدة أي إفادة، ولكنها لما وضعت بالهامش على سبيل التعليق، والزيادة صارت بالنسبة إلى من لم يعرف قدرها بمنزلة الدُّر الموضوع في باطن القلادة، ومن ثمة لم يحفل بنقلها إلا الخواص الراغبون في التحقيق والإجادة، فاستخرت الله سبحانه في استخراج ما خبي عن خِدرها المصون وإدماج ما زوي من درها المكنون في ما سنح من لآلئ مغاصات أفكار أئمة الهدى وحجج الله على خلقه إلى يوم الندا، وأجعل الجميع شرحا لذلك الكتاب الذي يحق أن تشد إليه الرحال، وأن يعول عليه بجميع الإقبال في البكور والآصال، وذلك مع قِصَر الباع ونزر الإطلاع غير أني أتمثل ببعض قول سلفنا الصالح رحمه الله تعالى:
لك الحمد من حزب الوصي جعلتني .... ومن تابعي آل الرسول لك الحمد
لك الحمد إذ دليتني وهديتني .... إلى مذهب الآل الشريف لك الحمد
لك الحمد لم أختر سواهم ولم أقل .... بغير مقال جاء عنهم لك الحمد
لك الحمد إذ جنبتني وحميتني .... عن الميل عن آل النبي لك الحمد
لك الحمد إذ صيرتهم مأمن الورى .... وسفن نجاة للعباد لك الحمد
لك الحمد إذ نزهتهم عن مُدَنِّسٍ .... وأذهبت كل الرجس عنهم لك الحمد
لك الحمد هذا يا إلهي وسيلتي .... أريد به غفران ذنبي لك الحمد
لك الحمد وأختم بالصلاة مُسَلِّماً .... على أحمدٍ والآل يا من لك الحمد
وسميته الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين، والله المسئول أن يجعله ذخيرة ليوم الدين نافعاً للمسترشدين، دامغاً لأناف أهل الإلحاد وسائر المعاندين.(1/4)
مقدمة: في علم الكلام
اعلم وفقك الله أن الخلق المصدقين بالله تعالى ورسله واليوم الآخر على اختلاف شرائعهم ومذاهبهم الفروعية فيما اختلفوا فيه واتفاق معتقداتهم الأصولية فيما اتفقوا فيه تتفاضل درجاتهم عند الله عز وجل، وتتفاوت مراتبهم في الثواب بين الجزيل والأجزل فأرفعهم درجة عنده تعالى أعرفهم به، وأشدهم خوفاً وحياءً منه وأقواهم إيماناً وإيقاناً وأثبتهم استدلالاً وإمعاناً، وأمكنهم طمأنينةً وإذعاناً، وأنهضهم برهاناً وسلطاناً على من جحده تعالى أو ألحد في توحيده أو اغتاب في عدله وصدق وعده ووعيده، وأغرقهم معرفةً بكيفية إبطال شبه الإلحاد والتعطيل، وأكثرهم بحثاً ونظراً في معرفة معاني المتشابه الذي يجهله أهل الزيغ والضلال حججاً على أهل التوحيد والتعديل وما يتبعهما من مسائل النبؤات والإمامة والتفضيل والشفاعة، وسائر أحوال المعاد بالإجمال أو التفصيل فمن هنا كانت الملائكة والأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أفضل الخلق عند الله وأقربهم إليه وأرفعهم درجة إليه، ثم أوصياء الأنبياء، ثم الصديقون، ثم الشهداء، ثم سائر المؤمنين، على حسب تفاوت مراتبهم في العلم بالله تعالى والخشية له والفرار من موجب عقابه، والمبادرة إلى ما يوجب زيادة معرفته تعالى ونيل ثوابه ما ذاك إلا لتفاوتهم في السبب المقتضي لتلك المفاضلة والأمر المفضي بصاحبه إلى أي مرتبة من المراتب العالية أو النازلة، ومن ثمة قال تعالى ?هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ?{آل عمران:163}، وقال تعالى: ?وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا? {الأحقاف:19}، وقال: ?اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ? {الأنعام:124}وقال تعالى: ?تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ?{البقرة:253}، وقال تعالى: ?شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ وَالْمَلآَئِكَةُ وَأُوْلُوا الْعِلْمِ ?{آل عمران:18}، فلم يَعتدَّ سبحانه(1/5)