ثالثاً: فلأن…… ذكر عن الأمة لا يعد إجماعاُ على هذا المذهب الشريف، لأن حاصله جوازها فيهم وعدم جوازها في غيرهم.
فلو صح الإجماع لم يكن إلا على الطرف الأول فقط، وقد لخصنا هذا المعنى في كتابنا (المعراج)، وأشرنا فيه إلى تقويم الإعوجاج، ولم نقف لأصحابنا في هذا المعنى على ما يشفي الأوام، ويذهب الأوهام، ويقطع اللجاج، ولقد عجبنا من كلام الإمام يحيى -عليه السلام- في هذه المسألة واحتجاجه بأنه لا خلاف بين أئمة العترة، والمعتزلة، والأشعرية على صلاحيتهم للإمامة.
قال: ولا يقال (أ)ليس الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((الأئمة من قريش )) وفي ظاهر هذا الحديث دلالة على كون الإمامة جائزة في جميع بطون قريش، فلا يجوز العدول عنه، لأنا نقول: هذا فاسد، فإن في ظاهر الحديث ما يدفع هذه المقالة، فإنه قال الأئمة ومن هنا للتبعيض.
ولا شك أن الفاطمية بعض قريش، فلهذا قصرناها في حقهم، هذا جميع ما أورد -عليه السلام- في كتابه (الانتصار)، على سعة بسطه فيه، وما أجلَّ هذا الإمام عن تفصيل ما يرد على كلامه هذا (من) التضعيف والتزييف، ومن تأمل ذلك من أهل التمييز لم يعرف (ب) عنه، والله تعالى أعلم.(1/41)
واحتج الإمام المهدي -عليه السلام- في (الغايات)، بطريقة عقلية تحريرها: إن الإمامة رئاسة عامة يكمل المقصود بها، لكمال انقياد الناس لصاحبها وينقص بنقصانه، ولا شك أن انقياد الناس للرئيس الذي من أشرف مناصبهم أقرب في العادة من انقيادهم لغير الأشرف، ولا نزاع في أن أولاد البطين أشرف مناصب العرب، وذلك يوجب على المكلفين اعتبار المنصب في الإمامة وتكلم على أصول هذه (المسألة)، الدلالة ومقدماتها، (وتسقط) في ذلك وادعا في بعضها (أنه) معلوم ضرورة، واحتج على البعض، قال: وهذه الطريقة حجة عقلية قطعية، ولم يسبقنا إليها غيرنا.
وأقول والله يحب الانصاف العجب مما أدعاه ولعمري أن هذه الدلالة جديرة بأن لا تفيد الظن فضلاً عن أن تفيد القطع ثم كيف يحتج بدليل عقلي على فرع من فروع مسألة شرعية غير عقلية لم يثبت أصلها إلا بالأدلة السمعية، وإذا كان الأصل غير عقلي فكيف يكون الفرع عقلياً. وإنما هذا من قبيل التعسف، وعنه مندوحة.
فائدتان: الفائدة الأولى إنما تصح نسب الداعي، ويصح به كونه فاطمياً وهو يثبت بالشهرة، واختلف في معناها، فقيل: تواتر المخبر بذلك حتى يحصل العلم الضروري، وقيل: أن يتكلم به أكثر أهل تلك المحلة، أو البلدة التي هو فيها ولو لم يحصل العلم به. وقيل: حيث يكون المخبرون بذلك خمسة فصاعدا، ومما يثبت به نسبه حكم حاكم معتبر، وهو أبلغ دليل على صحة النسب، وبأن يخبر عدلان أنه مشهور النسب في محله أو جهته، قيل: وبأن يخبر عدله أنه على فراش فاطمي وقيل: عدلتان، وقيل: (بياض في الأصل).(1/42)
الفائدة الثانية: إذا تزَّوج فاطمي مملوكة فحصل (…..ص14) الجواز بأن يكون ولدها ذكراً ثم عتق هل تصح إمامته، وتثبت كفاءته لمن لم يمسَّه الرق أو لا، قيل: لا، وقيل: نعم.
وفصّل: فقيل: أما الكفاءة فلا، وأما صحة الإمامة فنعم، قيل (القاضي عبد الله الدواري): وهو الصحيح، ويلحق بهذه الفائدة ما إذا اشترك فاطمي وغيره في وطئ أمة مشتركة بينهما فجاءت بابن فادعياه، قال أبو مضر: لا تصح إمامته،وقيل: لأنه لكل واحد منهما ابن، وكل واحد منهما له أب، بل ويحرم عليه ما يحرم على بني هاشم، والله أعلم.(1/43)
ب - الشروط الاكتسابية
وأما الشروط الإكتسابية فهي: العدالة، والورع، والسخى، والشجاعة، وحسن التدبير، والعلم، وألا يتقدمه داع مجاب، ونحن نتكلم فيها واحداً واحداً.
أما العدالة والورع: فهما في الحقيقة شرط واحد، فإن الورع يتضمن العدالة وينطوي عليها، وقد يعدَّان شرطان نظراً إلى أن العدالة يراد بها السلامة من الأمور المكفرة والمفسقة وما ينقض العدالة مما عدا ذلك، والورع يرجع إلى التحري في الحقوق والأموال والتصرفات، وقد عدهما الإمام يحيى بن حمزة -عليه السلام- شرطين، فجعل معنى العدالة: أن لا يكون الإمام كافراً صريح ولا تأويل، ولا فاسق تصريح يتلبس بالكبائر الفسقية وينهمك فيها، ويستعمل الفواحش، لأن المقصود المهم منه إزالة المعاصي الكبيرة، فمن فعلها فكيف يكون منصباً للإمامة وحاصلاً عليها، فكيف يقوم الظل والعود أعوج.
ولا فاسق تأويل كالخارجي والباغي ونحوهما، فمثل الإمام من يبعد عن هذه الأمور، وادَّعى الإجماع من جهة الصدر الأول من الصحابة والتابعين إلى يومنا هذا، على أن الإمام لا تجوز إمامته إلا أذا كان عدلاً مجنباً عن الخصال الكفرية والخصال الفسقية من جهة الخوارج ومن جهة التأويل على ما فصلناه، واحتج على ثبوت الإجماع بقيام الصدر الأول على عثمان لما نقموه منه، قال وإن لم يقطع بكونه فسقاً حتى أفضى الأمر إلى قتله.
وفيه دلالة على أنه لا بد من اعتبار العدالة، وحسن السيرة، فإن على الخليفة أن يقفوا أثر المستخلف، وهو الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم-، ومن كان بعده من الأئمة السائرين بسيرته المقتفين لأثره.(1/44)
قُلتُ: وقد حكى القاضي عبد الله الدواري عن بعضهم القول بصحة إمامة كافر التأويل وفاسقه، قال: وقال بصحة إمامة الفاسق أهل خراسان، ومن كان من البغدادية، قال: ويقرب أن الخلاف في فاسق التأويل يجري على صفة الخلاف في قبول شهادته.
قلت: وخلاف الحشوية في صحة إمامة الفاسق المتغلب على الأمر ظاهر، ولهذا قالوا: بإمامة يزيد الخمور متبع الفجور، الفاسق، المارق، شديد الجرأة على الله تعالى، الذي هتك ستور الإسلام بوقعة كربلاء، ووقعة الحرة، وغير ذلك.
وقيل: إنهم لا يخالفون في اعتبار العدالة عند عقد الإمامة، وإنما خلافهم في الفسق الحادث بعد انعقادها.
قال الإمام المهدي -عليه السلام-: وقد قال بمقالتهم بعض الفقهاء كالنووي، فإنه نص على ذلك في (المنهاج)، وصرَّح به في (الروضة).
قلت: وذلك ظاهر عنهم ولا يبعد أن يكون مذهباً لأهل مذهبه كافة، وقد يؤول بهم هذا المذهب الشنيع في ظاهره على أن القصد ثبوت أحكام الإمام له بثبوت وجوب طاعته في غير معصية الله تعالى، ونفوذ أحكامه المطابقة لشرع الله ونحو ذلك، لئلا يقع التنازع وانشقاق العصا وما يتفق من المفاسد لسبب ذلك، لا أنهم يقولون بأنه إمام في نفس الأمر ثابتة فيه أحكام الإمامة حقيقة.(1/45)