قال بعض الأئمة -عليهم السلام-: ينبغي أن يكون العامل فيما وليه من الأعمال كالماشي على النار أحب شئ إليه الخروج منها، ثم إن مما يلزمه ويليق به ويجمل بحاله أن لا يتغير أمره وصفته فيما كان عليه من ود الإمام ونفعه والاعتلاق به، والجد في إعانته، فحيث أنه لم يرد على ما كان عليه من قبل الولاية لم ينقض منه، وينبغي له أن يعين من يخلفه في الولاية، ويحث على التسليم، ويزجر من امتنع من ذلك أو علق الأمر به، وأراد أن يقبض ما عنده على جاري العادة، فكثير ما يتفق مثل ذلك بجهل العوام وعدم تمييزهم وميلهم إلى ما ألفوه واعتادوه ويعوزهم عن غير ذلك، والدين النصيحة لله تعالى ولرسوله ولأئمة المسلمين، وكل مكلف مما يمكنه، وقيمة كل امرئ ما يحسنه، وحسبنا الله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، وكان فراغي من هذه الوسيلة، وترقيم تلك الفضيلة بعد شروق شمس يوم الأحد المبارك رابع من شهر ذي الحجة الحرام الذي هو من شهور عام سنة تسع وثمانين وألف سنة.
بخط قلم العبد الضعيف الراجي عفو ربه الخبير اللطيف، صلاح بن أحمد بن صالح الحيمي غفر الله له ولوالديه وللمؤمنين آمين، وذلك مما رسم بعناية الولد القاضي عز الإسلام محمد بن الحسن بن أحمد بن صالح الحيمي حفظه الله تعالى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً طيباً.
وهذه مسألة ونبذة ذكرها الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن -عليه السلام-.(1/286)


في النهي عن الغلو في التشكيك في الطهارة ونحوها وجزاه الله عنَّا خيراً.
أما بعد حمداً لله الملك الديان التي قضت حكمته بإنظار الشيطان، وتسليطه على الإنسان، لوجوه من الحكمة أحاط بها علماً، وضعت على العباد معرفة وفهماً، والصلاة والسلام على من بعثه الله تعالى رحمة للأمة، وكاشفاً للغمة، ومبلغاً لشريعته، وهادياً إلى سنته -صلى الله عليه وآله وسلم- وعلى الطيبين من أهله وسلم تسليماً كثيراً يفضي بهم إلى جنته.
فإن بعض الإخوان الصالحين سألني إملاء كلام ينطوي على إنكار ما يعرض لكثير من المتعصبين من الخلق في أمر الوضوء قاصداً الاستعانة بما عليه على زجر أرباب الشك وأهليه.
فتحتمت إجابته ولزمت على البر والتقوى إعانته، على حال اشتغال منا وعينه الكتب التي ينطوي على الأخبار الواردة في هذا المعنى عنَّا.
فنقول وبالله التوفيق: الشيطان لما كان من شأنه المبالغة في إغواء الإنسان، والسلوك في ذلك إلى كل مسلك ودته الاختبار، في أن يضل ويهلك، وقد طالت في ذلك ممارسته وعظمت بطرق التوصل إليه بخبرته، تيقن أنه من رسخ الإيمان في صدره، ورسم الله تعالى في قلبه، وأدركته العصمة عن ارتكاب الكبائر واقتراف الجرائر، فصار بينه وبين المعاصي الظاهرة حائل، وأيس عن اقتناصه في ذلك بالحبائل.(1/287)


لم يجد له سبيلاً إلى أن يستنزله إلى مباشرة المعاصي عمداً أو تحرياً ولا أن يجذبه إلى فعل ما يعتقده طغياناً على الله وتعدياً، فأتى له من هذه الطريق الأخرى، وجازاه مجازاة من يد له إلى ما هو أولى في دينه وأحرى، ووسوس إليه بأنه لا كمال لدينك الذي صرت حريصاً عليه، وملتقناً بكليتك إليه إلا أن يبالغ في أمر الطهارة، ويحتاط في شأنها ولا تقتصر على ما يعتاده غيرك في فعلها وإتيانها، وأنهم أهل تساهل في أمرها وتقصير في أدائها فأدخل الشك على يقينه وأوقعه في لبس من دينه، ونال منه ما أراد وسلبه ما كان عليه ينطوي من الهدى والرشاد.
فقد يقضي ذلك بالمرء إلى أن يترك الصلاة في وقتها ويخل بالإتيان بها على وجهها، ويتعدى حدود ما فرض الله وشرع ويكون لدرك الشقاق من أهل البدع، فانظر في دقة مسلك الشيطان وعظيم تصرفه في إضلال الإنسان، ولو أنه جاء إلى هذا المتدين فبالغ معه إلى أن يترك الطهارة عن أصلها، أو يقطع الصلاة جهلاً بفضلها، لما نال المريد ما يريده ولقوبل بالصد والرد السديد فنعوذ بالله من مكره.(1/288)


وندرء بألطاف الله تعالى في نحره، هذا وأحوال من عرض له هذا العارض يختلف ويتفاوت فمنهم من ينتهي به الشك والغلو إلى إنكار الضروريات، يعتقد ويقطع مع غسله للعضو مراراً كثيرة أنه لم يغسله، حتى ترى منهم من يسأل الذي عندهم هل غسله أو لا؟ ولا يقتصر من غسله على عشر مرات وعلى عشرين مرة بل قد ينتهي إلى مائة أو أكثر، وقد يبلغ به الحال إلى أن يقسم بالله وبالأيمان الكفرية أنه لا يزيد على ما قد فعله، لعل نفسه الشيطانية تتدفع عن ذلك ثم لا يعد، شاهدنا ذلك مع بعض أهل هذا الامتحان ومن هو في ما عدا الأمر من كملة الرجال أهل الإحكام والإتقان.
ومنهم من يفضي به ذلك إلى قطع الصلوات والوقوع في أعظم المنكرات، ثم يأتي بها قضاء وقد تركها أداء فوقع في الفسوق والعصيان، وأدرك منه ما تمناه الشيطان، حكى لنا بعض الكبراء أن رجلاً ممن ابتلي بالشك في الطهارة وهو من أهل الدين والحلم والتدريس في كتب العلم كان يشتغل بالوضوء للفجر حتى تشرق الشمس، وترتفع ولا يصلي الفجر إلا بعد ارتفاعها ويشتغل بالوضوء للظهر والعصر حتى يدخل وقت المغرب على سبيل الاستمرار والدوام. ومنهم من لا ينتهي به الحال إلى ما ذكر، ولكن يبالغ في أمر الوضوء ويتعدى القدر المشروع فيه ويطيل الاشتغال به حتى قد يفوته وقت الشارع ويحرم الفضيلة في أداء وقت الصلاة في أول أوقاتها، ويتعذر عليه الاشتغال بشيئ مما يهم أمره من الخصال الدينية أو المنافع الدنيوية التي لا غنى له عنها ولا بد له منها كالابتغاء من فضل الله أو الانقياد لأمر الغاية أو نحو ذلك، وكلامنا هو في شأن من هذه حاله.(1/289)


فأما من بلغ به الحد إلى ترك الصلاة في وقتها وإنكار الضرورة وإبطال حكمها واستعمال الأيمان المغلظة مع ملازمة الحنث فيها، فتلك أمور ظاهرة الفحش، معلومة العصيان، مقتضية لغضب الرحمن، وقبحها لا يفتقر إلى بيان والذي يوجه إلى من ذكرناه أن نقول له: المعلوم من حالك قطعاً أنك ما تريد بوضوئك إلا أداء ما كلفته وطاعة ربك فيما فرضه عليك، والإتيان بشروط صحة صلواتك، وأن الله تعالى لو لم يشرع الوضوء وتكلفك الإتيان به لما اشتغلت بشيئ منه قط، فإذا كان هذا هو مرادك وقصدك فما الملجي إلى أنك تأتي بغير ما شرع وبخلاف ما كلفت به، وبما لم يشترط في صحة صلاتك وتعدى من المشروع إلى غيره، ومن الواجب إلى سواه، فتأمل بعقلك هل يليق منك أن تتعب نفسك وتذهب في أمر لم يشرعه الله تعالى لك ولا أوجبه عليك ولا يدلك إليه، ولا يعود عليك نفع منه قط في دينك، ولا دنياك!!؟ وإنما فائدتك منه أن يمقتك الله تعالى عليه، وأن تكون به مخالفاً لما شرع ومرتكباً للبدع، ومفوتاً لثوابك الذي يجب لك لو اقتصرت على المشروع وتركت ما نهيت عنه إما نهي حظر أو نهي تنزيه، هذه شقاوة لا شك فيها، وإضاعة للعمل والوقت وبطالة يستعاذ بالله من مثلها، وإذا خطر ببال ذي الشك أن العبرة في حكم النجاسة بغلبة الظن ولم يحصل له عليه إلا ما يجري عليه ما قد اعتاده حتى يغلب على ظنه زوالها ولم يحصل فصار واجباً عليه ولا يعد تعبداً إلا في حق من يحصل عليه الطولة.(1/290)

58 / 60
ع
En
A+
A-