وثالثها: أن يحابي من خانه فيها من وديع أو حامل أو نحوهما، والحوامل على المحاباه كثيرة كالاستحياء فقد يحمله الحياء على الإغضاء وعدم المناقشة وكالصداقة والرحامة، فتحمله محبة من صدر منه شيء من ما ذكر أو رحامته على الإبقاء عليه، وعدم جرحه والقدح فيه وترك الإطلاع على فعله، وكاستعظام حال الفاعل، واعتقاد أن حاله يعظم على أن ينكر عليه ما فعله أو ينهيه إلى الإمام وكاعتقادات السكوت أصلح وأرجح، وما قد فات فقد مات، وأن المناقشة تؤدي إلى فساد أو ازدياد في خلاف ما يراد، وكظن أن اللائق بحاله الستر على من تعنا وعدم الكشف عن حاله وأن في ذلك انتهاك بحرمته ومخالفة اللائق بالحال، وأن الأولى له التحمل فلا يدري القيم على ولايته أو يرفع أو يشك عنها فما باله يكسب عداوة الناس لأمر لا يدري ما حكمه فيه وكأن ينظر إلى ما يفوت عليه من حصته فيجدها لا توازي ما يلحقه من المشقة في الشجار والخصام.(1/271)


وكل هذه الحوامل فاسدة ولا ثمرة لها ولا فائدة، والمحاباة فيما ذكر وفي غيره خيانة وتفريط، ولا ينبغي لأهل الاحتياط في دينهم والتحرز عما يشينهم، والواجب عليه أن يجتهد في إصلاح ما عز من ذلك ودفعه والإنكار على فاعله، وتقبيح فعله وأن لا يألو جهداً في ذلك وما أعجزه إصلاحه منه ودواه رفعه إلى الإمام في وقته واستمد رأيه فيه ونظره واستورد أمره فما أمره الإمام به فعله، وإذا خُيل إليه أن السكوت عما وقع أولى فلا يستقل برأيه في ذلك، بل يرفع القضية إلى الإمام ويعرفه بما خطر بباله من استرجاح للإغضاء وما في المناقشة من الشوائب، ثم يعمل بما رآه الإمام من تقرير ما رآه أو عدمه وما كان في الحوامل من حقه إلى ترك الإنكار أصلح له في دنياه فمغلطه، فإنه وإن كان كذلك فلا نقص عليه في دنياه فكذلك ينقصه في دينه، ويخل فيما يلزمه في أمانته وتكاليف ولايته، والله الموفق.
وللتفريط أنواع وأسباب غير ما ذكر، والقصد التحرز عنها كلها والاحتياط والتحفظ حسب الإمكان، والله المستعان.(1/272)


تنبيه: اعلم أن الزكوات وبيوت الأموال وما يجمع الإمام كثير ما يعرض له الفوات والانتقاص، وينظر إليها أهل التلصص والاختلاس، ويشق التورع عنها على أكثر الناس، وما هي إلا عرضة للانتهاب وعرض للفوات والذهاب، ولا نجد من يتورع عنها على حد تورعه عن غيرها ولا من يستحي من أخذها كاستحيائه عن أخذ غيرها، فلهذا يتوجه الاحتراز الكلي عليها واستقرار التجويزات البعيدة في ذلك، وعدم الأمن والثقة إلا بمن قد وقعت له خيرة كبيرة منها، وفي التعفف عنها، بلغني أن بعض الأئمة السابقين عليهم السلام كان كثيراً ما يذكر هذا ويصوره في زكاة الحب، فيقول ما معناه: إن رب الزكاة يعمل النظر في نقصها والتحيل في البخس ولا يسلمها حتى نال منها ما نال ثم يدفعها إلى العامل، فلا يزال يكرر النظر فيما يستبد به منها، ويصير إليه حتى نال منها ويقع فيها ثم يدفعها إلى الحامل فيكون منه ذلك، ثم كذا في الخازن ثم فيمن يدفع إليه شيئاً منها لينظر فيمن يطحنه، ثم هكذا في الطاحن ثم في المبلغ عنه، ثم في من دفع إليه ليخبره، ثم فيمن يناوله منه لتبليغه إلى الأكلة، وصدق -رحمه الله تعالى- في ذلك.
وقد وقفنا على حديث مرفوع مضمون يتكل خروج الصدقة وخلوصها إلى الغاية المطلوبة منها، ومعناه أن الصدقة لا تخرج إلا من حيث يجيء ثلاثة وسبعين سلطاناً أو كما قال.(1/273)


الأدب الثامن
أنه لا ينبغي أن يصرف مالم يؤمر بصرفه في تأليف أو مواساة ضعيف ولا يمتنع عن صرف ما أمر بصرفه فيما ذكر وفي غيره فهذان طرفان، والوجه فيهما كليهما ظاهر فإن يد الإمام فوق يده، ولا يحل له من التصرفات إلا ما أمره به جملة أو تفصيلاً، ولا يحل له أن يخالف ما أمره به، والذي في يده حكمه حكم الأمانة لا يجوز التصرف فيها إلا بإذن صاحبها ورأيه.(1/274)


الطرف الأول
يقدر بما يخطر بباله (أن) مثل ذلك يليق ويحسن، وأن فيه صلاحاً وأنه لو لم يعط (…..) ويوضح لهم لما أمن أن ينشأ من ذلك مفسدة، وأن مواساة الضعفاء أمر لازم لا يليق حرمانهم عن شيء لهم فيه مدخل، ونحو هذا (من) البواعث على ما ذكر من الاتفاق وهي مغلطة، فإنه ليس لأحد أن ينفق ما ليس له في وجوه البر، ولو قصد بذلك التقرب لم يكن قربة بل معصية، ولم يستحق به الثواب بل العقاب، وفرضه أن لا يتعدى ما أمر به ولا يزيد ولا ينقص والعمل بالحسنة هنا لا معنى له، والذي يتوجه في مثل ذلك أن يستأذن الإمام فيما عنَّ له جملة أو تفصيلاً فالجملة أن يطلب من الإمام الإذن والتفويض فيما رآه صلاحاً؛ فإن امتنع لم يتعد الحد ولم يفعل ما منعه منه وإن سعد كان ما فعله صادر على الوجه المرضي، لكن لا يغير بالتفويض ولا يفعل به إلا ما علم أو غلب على ظنه حصول المصلحة فيه وأن الإمام لو اطلع عليه لرضيه، والتفصيل أن يستأذن في مواساة فقير بعينه أو تأليف شخص منصوص عليه فإن أذن له فعل، وإن غفل عنه اغتفل، والحذر كل الحذر أن ينفق شيئاً لغرض يعود عليه أو هوى يتعلق به.(1/275)

55 / 60
ع
En
A+
A-