وسيلة العمال إلى صالح الأعمال
للإمام عز الدين بن الحسن عادت بركاته
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين والحمد لله رب العالمين.أما بعد.
حمدا لله على ما أهلنا للإرشاد والهداية، وللرغبة، إليه في أن يقينا أخطار الزعامة والولاية، والاستعاذة به من الندامة والملامة لأجلها وسوء الغاية، واستمداد التوفيق منه لنا ولإخواننا وأعواننا وأرباب العمل منهم والسعاية، والتوكل عليه والإركان إليه في البداية والنهاية.
والصلاة والسلام على رسوله سيد الأنبياء، وعترته الأصفياء ما خفقت راية وتليت أية، فإنه غير عازب عن الأفهام ما يلزم الإمام من الإهتمام، بالخاص من المصالح والعام، وإن التكاليف المتعلقة بالإمامة لن تقوى عليها الجبال، مدارها على تحصيل بيوت الأموال، بأيدي السعاة والعمال، خاصة في هذا الزمان الذي لم يبق لأهله تعويل على غير الدرهم والدينار، وليس لهم إلتفات إلى ما أوجبه الله تعالى من حقوق الإمام ولا نظر في ذلك ولا اعتبار، ولم نزل نتأمل حال أولي العمل ونؤمل منهم الاستقامة، فيخيب الأمل حتى يكاد يظفر منهم بما يرضى سجاياه إلا الأقل.(1/251)
فرأينا بعد استخارة الله عز وجل تحرير هذه الرسالة، وتصدير هذه المقالة إلى عمالنا كافة ليكون لهم عن التفريط فيما يلزمهم من (تكاليف) الولاية كافة، وسميناها (وسيلة العمال إلى صالح الأعمال)، ونرجو أن يتقوم بها الأود، ويصلح لأجلها ما فسد، وتوقظ من غفل، ويتضح مسلك السلامة في العمل، وموضوعها تعداد الآداب، التي ينجو باعتمادها العاقل من العذاب ويفوز بها يوم المآب وضمنه ما لا تحتوي ما سلف من مؤلفات السلف فهي درة (ثمينة)، وجديرة بأن (يتخذها) الولاة والسعاة غنيمة، والله تعالى ولي التوفيق في القول والعمل، وبه الاعتصام من الخطأ والزلل.(1/252)
الأدب الأول
أنه لا ينبغي للإنسان أن يتعرض لطلب الولاية ويتصدى لها ما لم تتوجه عليه لأحد الوجوه التي نذكر في الأدب الثاني -إن شاء الله تعالى-، وذلك لأن الولاية يتعلق بها تكاليف وأخطار، وجدير بالعاقل أن يهتم ويغتم بما عليه من التكاليف التي لا مندوحة له عنها، ولا مخلص له منها، وهي المتوجهة إليه عند إكمال أبنية عقله فعل من يقوم فيها بما يجب عليه ويلزمه، فكيف يتصدى لتكاليف أخر لا يجب عليه إدخاله نفسه فيها ويحمله باختياره لها!!؟
وأما من لا يثق بنفسه ولا (يغلب) على ظنه قيامه بتكليف العمل والتولي فلتشتد الكراهة في حقه بل لا يبعد خطر ذلك عليه، لما ورد فيه من الوعيد والتهديد والترهيب والتشديد، فقد روت عائشة أم المؤمنين عن رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((ويل للعرفاء !! ويل للأمناء!! ليتمنين أقوام يوم القيمة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يتذبذبون بين السماء والأرض، ولم يكونوا عملوا على شيئ))، وورد هذا الحديث من طريق أبي هريرة بلفظه.قال –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ويل للأمراء !! ويل للعرفاء!! ويل للأمناء!!، ليتمنين أقوام يوم القيامة أن ذوائبهم معلقة بالثريا يدلون بين السماء والأرض وأنهم لم يلوا عملاً))، وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله –صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن في النار حجراً، يقال لها: ويل يصعد عليها العرفاء وينزلون))، وعنه –صلى الله عليه وآله وسلم- أنه قال: ((إنه سيفتح عليكم مشارق الأرض ومغاربها ، وأن عمالنا في النار إلا من اتقى الله عز وجل وأدى الأمانة)).(1/253)
الأدب الثاني
أنه ينبغي للإنسان التأهل للولاية حيث يتعين عليه إما لعدم سد غيره مسده فيها أو لتعيين الإمام وإلزامه إياها، أو حيث يكون في تولية إدخال سرور على الإمام أو دفع اغتمام عنه، وكفاية ما أهمه منه، أو حيث يكون قوياً عليها أميناً فيها مع الثقة من نفسه أنه يعمل بمقتضى التقوى ويراقب عالم السر والنجوى.
أما حيث يتعين عليه فلأنه أمر قد وجب عليه لا سبب منه ولا يتعرض للوجوب، والتفريط حينئذ تفريط في حب الله تعالى والإخلال بما فرض الله تعالى والقيام به حق لازم كالقيام بالصلاة والزكاة.
وأما حيث يكون في ذلك إدخال سرور على الإمام وكفاية ما أهمه منه فلأن مثل هذا في حق الطارف من المسلمين قربة جليلة وطاعة وفضيلة، فكيف بذلك في حق الإمام الأعظم مع انتفاء الأسباب المكروهة والخطر المتقدم ذكرها!!؟، وشواهد ذلك من الأخبار لا غاية لها ولا انحصار كقوله
-صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من كان في حاجة أخيه كان الله تعالى في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة)) رواه ابن عمر.
وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن لله خلقاً خلقهم لحوائج الناس ، يفزع الناس إليهم في حوائجهم، أولئك الآمنون من عذاب الله)) رواه ابن عمر أيضاً.
وروي عنه، وعن أبي هريرة، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من مشى في حاجة أخيه حتى يثبتها له أظله الله عز وجل بخمسة وسبعين ألف ملك يصلون عليه ويدعون له إن كان صباحاً حتى يمسي وإن كان مساء حتى يصبح، ولا يرفع قدماً إلا حط الله عنه خطيئة ورفع بها درجة)).(1/254)
وعن زيد بن ثابت -رضي الله عنه-: ((لا يزال الله عز وجل في حاجة العبد ما دام في حاجة أخيه )).
وعن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((من لقي أخاه المسلم بما يحب فبشَّره بذلك بشَّره الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة)).
وروي عن الحسن بن علي -عليهما السلام- قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وآله وسلم-: ((إن من موجبات المغفرة إدخالك السرور على أخيك المسلم )).
وروي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- قال: ((إن أحب الأعمال إلى الله تعالى بعد الفرائض إدخال السرور على المسلم)) فهذه الأخبار وغيرها دلت على عظم موقع قضى حاجة أي مسلم كان وإدخال السرور عليه، ولا شك أن تولى العمل للإمام وكفايته فيه قضاء حاجة مهمة له ومما يدخل السرور عليه والانشراح ولا ينبغي لمسلم أن يزهد في الفضائل، وترغيب نفسه في الطاعات والقربات.(1/255)