وخير أمور الناس ما كان سنة .... وشر الأمور المحدثات البدائع
قوله: وأعجب من هذا إلى آخره، مثل المؤيد بالله -عليه السلام- يستشهد بأقواله، ويستظهر بأحواله، وليس ذلك بمستغرب، وإن كان قدس الله روحه على ما حكاه الأخ -أبقاه الله تعالى- من العقيدة.
قوله: هو ما يلحق المؤتم منها من التهمة. يقال: الخوف التهمة، إنما يكون مع عدم صحة الصلاة خلف المخالف في العقيدة، فإذا صلى المؤتم خلفه اتهم بموافقته، ويكون سبب التهمة أنه لو كان مخالفاً له في العقيدة لما صلى خلفه لعدم صحة الصلاة خلف المخالف، فتحصيل الظن بأنه لو كان مخالفاً له لم يصلِّ خلفه، فإذا جعلت التهمة سبباً في منع الصلاة، وقع الدور لتوقف كل من لحوق التهمة وامتناع الصلاة على صاحبه.(1/221)


فإن قيل: إن سبب لحوق التهمة ما ذكرناه من كون الغالب من أحوال المختلفين في مسألة الإمامة، ما ذكر من المباينة والمجانبة لا ما ذكرته من امتناع الصلاة خلفه، فهي في الأصل صحيحة لولا لحوق التهمة. قلنا: المجانبة لا يقتضى اعتزال الصلاة مع اعتقاد صحتها، أو إحراز فضيلتها ولا يفعل ذلك وهو جعل صلاته تابعة لهواه، معتبراً فيها غير مطابقة رضى الإله عز وجل، إلا من هو عن الخير بمعزل، وكيف يليق بمميز فضلاً عن فاضل، أن يجعل صلاته وصلة إلى وليه بفعلها، وإيغار صدر عدوه بتركها؛ سبحان الله ما أبعد هذا عن مقصود المحققين!!، فكيف يظن في المسلم المميز أنه لو كان مخالفاً للإمام المخطئ في عقيدته لما صلى خلفه ولترك صلاة الجماعة لا لمانع بل لما اعتاده الجهلة من ذلك هذه تهمة تتفرع على ظن السوء، وقد بلغني عن بعض علماء زماننا المشددين في منع الصلاة خلف نافي الإمامة ما يقضي بأن الغرض من ذلك تشنيع حال النافي وتقبيحه، وإيغار صدره، وتعظيم جرمه، وتفظيع شأن النفي في قلوب العامة، ليكون ذلك مرعباً في جانب الإثبات، منفراً عن جنبه النفي، ولعمري إن ذلك من الغرور العظيم، المصادم لنظر الشارع الحكيم، ولو كان مثل هذا الغرض مقصوداً لنبَّه الشرع الشريف عليه ولأوصى العليم الخبير أو رسوله السراج المنير إليه، وما أبعد هذا عما ذكره المؤيد بالله قدس الله روحه، وهو مذكور عنه في (الإفادة):(1/222)


لما كتب إليه بعض أصحابنا يلومه على تسويغ صرف الزكاة إلى نافي إمامته ويشير إلى أن في ذلك توهيناً لأمره، وتسهيلاً لاطراحه وهجره، فأجاب -أعاد الله من بركاته-. آمين بالتشنيع الكبير على صاحبه، وعرفه بأنه لا يترك مذهبه لما يعود عليه من النفع، واستهجن مثل ذلك النظر، وولج صاحبه عليه ومن أراد مطالعته، وهو مثبت في حواشي هذه النسخة مع أن بين المسألتين فرقاً.
قوله: قد بينا فيما مر أن هذا ليس من التقليد في شيء قد تقدم ما يرشد إلى الجواب عنه. قوله: فرفضهم لها غير مستنكر.
هذا مسلم لا إشكال فيه، لكن لا معنى لهذا التقسيم، لأنه قد وضح وتقرر كون اختلاف العقيدة في الإمام لا يختل به شرط عند الرافضين، فقد رفضوها مع عدم الاختلال فآثروا شفاء غيض صدورهم، وإيغار صدور من ليس على عقيدتهم، على درجات الفضل الكبير، ودرك الأجر الكثير، إساءة للنظر، واستهانة لعظيم الخطر.
قوله: ((لا يؤمنكم ذو جرأة في دينه )) يقال: وجه الاحتجاج بهذا الحديث صحيح في حق ذي الجرأة على فعل القبيح، ولكنه يدل بمفهومه دلالة بينة على أن نافي إمامة الإمام متثبتاً في أمر دينه، لا يمنع الصلاة خلفه لعدم جرأته بل لكونه على صدها.
وإن فرضنا كون ذلك فسق تأويل لعدم حصول علة النهي، وأما قياسه على فاسق الخوارج، فلا يصح لعدم العلة المنبه عليها، وهي الجرأة والله أعلم.(1/223)


قوله: فمبني على أصله في عدم تكفيرهم وتفسيقهم. في هذا نظر لأن الإمام يحيى -عليه السلام- ذكر ذلك على أصل أهل المذهب في تكفيرهم، ونص على أن الصلاة تصح خلفهم عند المكفرين، وأفتى بذلك على قاعدتهم، والمسألة منصوصة له في البحث.
وأما على أصله فهو مستغن عن ذكر ذلك، والله أعلم بالصواب، وهو حسبنا وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد الأمين، وآله الطيبين الطاهرين وسلم.
بسم الله الرحمن الرحيم
بحمدك اللهم استفتح مقالي، وبإستعانتك استنجز أفعالي، وبتوفيقك ألتمس الإصابة في المقال، وبعصمتك أعوذ من ركوب الضلال، وأتقرب إليك بالصلاة على سيدنا محمد الرضي، وآله وأتباعه في السبيل المرتضي.
وبعد:(1/224)


فإنه لما وردت رسالة مولانا العلامة، الشاهدة له بكونه في العلماء الشامة، وفي السيوف الصمصامة، عز الملة والدين، وترجمان الأدلة واليقين، نفع الله تعالى ببركته، كما نفع بعلومه، وحرس ذاته الكريمة حراسة سمائه بنجومه،أجبتها بما حضرني من الجواب، من غير إخلال ولا إسهاب، بعد أن طالعتها، واستقرأت مسائلها رغبة في طلب الحق الواضح، ومسارعة إلى الطعن بالدليل الراجح، مع عزيمة صارمة باتباعها، إن وجدت عندها الصواب، وإطراح التعصب لمذهب الأصحاب، وسلوك مسلك المسترشدين المنقادين لما وضح انتهاجه، الخارجين عن المسلك البين إعوجاجه، لا كما حملني مولانا
-أيده الله تعالى- عليه من أني سلكت في بعض مواضع الجواب مسلك الجدال، ورمت بجودة الفراسة وحسن العبارة تقويم ما خرج عن حد الاعتدال، فإن الله تعالى هو المطلع على سرائر الصدور، وبيده سبحانه وتعالى أزمة الأمور.
ثم أنه بعد ذلك ورد من تلقاء مولانا-أيده الله تعالى- من التشكيكات على تلك الجوابات، ما يشهد له بأنه كسعي المناضلة، عنتري المنازلة، سابق في ميدان الجولان، أخذ لقصب السبق عند الرهان، ولم أكن أحسب أن أحداً يبلغ ذلك الأمد من التحقيق، أو يسلك ذلك النمط في التدقيق، أو يتمكن ذلك التمكن في صناعة الإنشاء، ولكن الله تعالى يختص برحمته من يشاء، فما أحقه بقول من قال:
فاق الرجال بإخلاق مهذبة .... وفات من كان جاراه وباراه(1/225)

45 / 60
ع
En
A+
A-