وأما عمر بن الخطاب فإنه سلك سبيل العدل، وهو واضح غير منطمس، وشهير غير مندرس، ومع قرب العهد بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وخليفته المرتضاة، وكونه بين ظهراني الصحابة الأخيار، وفضلاء المهاجرين والأنصار، الذي لو رام الميل بينهم عن السيرة المرضية لقوموه بالسيوف الهندية، والرماح الخطية،ولم يقروه على خلاف السيرة النبوية، فانظر في عظم شأن تلك المزية (ص59) ويلحق بعمر بن عبد العزيز في العدل، وإن لم يكن مساوياً ولا مدانياً في الفضل يزيد بن الوليد.
قال الحاكم: أجمع المعتزلة على صحة إمامتهما، وعندي أنه يمكن أن يتمحل لعمر بن عبد العزيز من الأعذار في توليه لما تولاه، ما لا يمكن أن يتمحل لعمر بن الخطاب في مثل ذلك، وهو أن من المعلوم قطعاً أنه لم يفعل أو فعل، ثم رام التنحي لبعض أعلام البيت، وإيثاره بهذا الأمر لما تم له ذلك، ولا وجد إليه سبيلا وإن ترك تولا الأمر يزيد بن عبد الملك،وأخوه هشام بن عبد الملك،أو من يضاهيهما من الساعين لدين الله تعالى في الانهدام، وقد جعل سليمان بن عبد الملك الأمر إليه ثم إلى يزيد ثم إلى هشام، فلو لم يسعد إلى تولي الأمر، أو رام التنحي بعد التولي، لما تولاه إلا من ذكر أمراً محتوماً، لا محيص عنه ولا مناص، كما يتيقن ذلك من عرف أحوالهم وسيرتهم وأساليبهم.(1/166)


وأما عمر بن الخطاب فمن المعلوم أنه لو ترك التولي للخلافة، أو تنحى عنها لمن هو أحق بها منه، لما قام مقامه إلا من هو أفضل منه وأكمل، وأعلم بالعلوم الدينية وأعمل، وإذا عرف ذلك فغير بعيد أن يتحتم على عمر بن عبد العزيز ما كان منه من تولي الأمر لما فيه من إزالة المنكرات، وتغيير الظلامات، وإقامة قواعد الدين، وصيانة الإسلام عن أقاربه المعتدين، جزاه الله خيراً عن الإسلام والمسلمين، والحمد لله رب العالمين، وصلاته وسلامه على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله الطيبين الطاهرين من يومنا هذا إلى يوم الدين.
قال المؤلف مولانا أمير المؤمنين: هذا الإملاء المبارك، وفرغ منه أوان صلاة الجمعة لسبع ليال خلون من شهر ذي الحجة الحرام سلخ سنة ثماني وتسعين وثمانمائة سنة، وفرغت أنا من رقمه بعد شروق الشمس في يوم الخميس سادس شهر جمادى الآخرة، الذي هو من شهور عام ثمان وثمانين وألف، بخط الفقير إلى الله تعالى المستمد ممن نسخ له واطلع عليه، ونظر إليه الدعاء بحسن الختام، وبلوغ المرام، صلاح بن أحمد بن صالح بن دغيش الحيمي اليوسفي، غفر الله له ولأبويه وإخوانه، السابقين له، واللاحقين، ولجميع المسلمين المؤمنين، السالكين طريق المؤمنين، مما استنسخت فرقمت للولد القاضي العلامة، القدوة الفهامة، محمد بن الحسن بن أحمد بن صالح بن دغيش الحيمي، حفظه الله تعالى، وأمد بطول حياته، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، وصلى الله على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد الأولين والأخرين، والحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه.(1/167)


وهذه جوابات تسمى الجواب المعقول في بيان القطع بإمامة أئمة آل الرسول، إنشاء سيدنا الفقيه العلامة، الحبر الفهامة، المدرة الصمصامة، لسانالمتكلمين، وزين الموحدين، جمال الدنيا والدين، علي بن محمد البكري رحمه الله تعالى:
قال: بسم الله الرحمن الرحيم: وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم، الحمد لله حمداً يستدعي مزيد فضله، ويستوجب مواد طوله، في الإنباء عن البراهين القاطعة، والحجج البالغة، والصلاة والسلام على من محى رسم الضلال، وارتقى من الشرف أعلى ذروة الكمال، محمد وآله خير آل. وبعد.
فقد ورد من تلقاء مولانا السيد الأفضل، العلامة الأمثل، عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين دام دوام الفاعل، واحتجب عن النوائب احتجاب ضمير اسم الفاعل، طرس كريم، يتضمن البحث عما أهمل تحقيقه كثير من الناس، مع كونه للدين كالرأس، ولكثير من الأحكام الشرعية كالأساس.
وذلك مسألة الإمامة المقتضية لمن اختص بها الرئاسة والزعامة، وبحثه أيده الله تعالى عن ذلك من ثلاث جهات:(1/168)


الجهة الأولى:
المطالبة بدليل على صحة ما ادعاه أصحابنا، من كون مسالة الإمامة من المسائل القطعية، لا من المسائل الاجتهادية، والقدح في ما أورده من الأدلة على ذلك.(1/169)


الجهة الثانية:
بيان ما يلزم على القول بكونها قطعية من الأمور المستبعدة.(1/170)

34 / 60
ع
En
A+
A-