4- حكم ناكث بيعة الإمام
قال الإمام يحيى -عليه السلام-: من نكث بيعة الإمام العادل المحق، وامتنع من طاعته مع العلم بإمامته، فهو فاسق بالإجماع، لكن لا يقاتله الإمام ما لم يظهر العداوة ولم يقاتل، فإن أمير المؤمنين علياً -عليه السلام- لم يقاتل ابن عمر، وأسامة، ومحمد بن مسلمة مع ما ظهر منهم من نكث بيعته لما لم يحاربوه.
قلت: يتحقق حقيقة النكث منهم، فالمشهور عن ابن عمر أنه لم يبايع حتى شنع كثيرون عليه لامتناعه من بيعة أمير المؤمنين -عليه السلام-، وكونه بايع الحجاج لعبد الملك بن مروان، والمشهور عنهم التوقف والخذلان، وعدم القيام معه في حروبه، وتركهم الجهاد، والله سبحانه وتعالى أعلم.(1/121)
5- حكم من ضم إلى نكث البيعة قتاله
وهذا كما كان من طلحة والزبير، في حق أمير المؤمنين -عليه السلام-، فلم يقتصرا على مجرد النكث بل كان منهما ما كان من قتاله والبغي عليه والمناصبة له.
قال الإمام يحيى-عليه السلام-: فلأجل هذا فسقوا بخروجهم عليه مع كونه داعياً إلى الحق وأمر بقتالهم.
قال -عليه السلام-: أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وقال: ما وجدت إلا قتالهم أو الكفر بما أنزل على محمد -صلى الله عليه وآله وسلم.(1/122)
6- حكم من عرف بالتثبيط عن الإمام
إما عن بيعته أو عن إمامته، أو عن الخروج إليه، ومناصرته أو نحو ذلك.
قال الإمام يحيى بن حمزة -عليه السلام-: فالواجب تعزيره بالضرب والحبس والإهانة، وإن رأى الإمام طرده طرده لأنه ساع في توهين أمر الإمام، وفساد أحواله، وينشأ من ذلك ضعف أحوال المسلمين وتقوية أمر الفسقة، والظلمة، فمن كانت هذه حاله استحق الزجر والتأديب لإقدامه على ما هو فساد في الدين، ومحظور في حكم رب العالمين ولأن في إهانته بشئ مما ذكر زجراً وتحذيراً ومنعاً لغيره عن مثل حاله، ولئن مثل ذلك نوع من الإرجاف وقد قال تعالى: {لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ}[الأحزاب: 60]الآيات.
قال الإمام يحيى بن حمزة -عليه السلام-: وقد تضمنت إبعاد مريض القلب عن قبول دعوة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- وحجته، وذكر استحقاقه اللعنة والطرد والإغراء به والقتل، فهكذا يكون حال الإمام لقيامه مقام الرسول -صلى الله عليه وآله وسلم- إلا فيما خصه الدليل.
تنبيه: من كان من أهل التثبيط أو من كان يظهر منه الفساد على الإمام، فلا ينبغي أن يأذن له الإمام بالخروج معه أو مع بعض أمرائه، ولا يجوز للمؤمنين أن يصطحبوه، وحال من يظهر منه الفساد على أحد وجوه، منها:
تخذيل المسلمين عن الجهاد: كأن يصف كثرة أهل الحرب، أو كثرة خيولهم أو جودة سلاحهم، وأنه لا طاقة للمسلمين بهم فمثل هذا يهنهم ويكسر من همهم في الإقدام على القتال.(1/123)
ومنها: أن يصدر منه ما يكون فيه عون لأعداء الحق كأن يزعم أن ورائهم مدداً عظيماً أو أن من ورائهم كميناً أو جيشاً كثيرًا.
ومنها: أن يأتي بغير هذا المعنى من الإرجاف، وما ييئس المسلمون عن النيل من خصومهم لقوة شوكتهم ونحو ذلك.
ومنها: أن يكون جاسوساً، وهو الذي ينقل أخبار أهل الحق إلى أعاديهم، ويدلهم على عوراتهم، ويفضي إليهم بأسرارهم، وهؤلاء لا ينبغي أن يصحبوا الإمام في سفر ولا حضر ولا جيوشه، وهم المقصودون في قوله تعالى: {اقْعُدُوا مَعَ الْقَاعِدِينَ ، لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً وَلاََوْضَعُوا خِلاَلَكُمْ}[التوبة: 46،47]أي: ما زادوكم إلا ضرراً وفساداً، ولأوقعوا الخلاف بينكم.
وقيل: لا تسرعوا إلى تفريق جموعكم، لا يقال: فقد كان النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يأذن لعبد الله بن أبي في الخروج معه، وكان جامعاً لهذه الخصال الرذائل، وكان من أعظم المثبطين والمخذلين، لا بالقول أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانوا لا يلتفتون إلى مثله، لأنهم أهل البر والتقوى، وأين جنود الأئمة عليهم السلام ومن يصحبهم منهم!؟ ولأن رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- كان ينزل عليه الوحي بأخبارهم، وما يصدر منهم فيطلع على مكرهم بخلاف الأئمة عليهم السلام.(1/124)
7- حكم الجاسوس
وقد تقدم ذكر صفته، قال الإمام يحيى -عليه السلام-: إن كان جاسوساً لأهل الحرب جاز قتله إن كان في دار الحرب، وإن دخل دار الإسلام بغير أمان جاز ذلك وجاز استرقاقه، ويكون فيئاً لمن أخذه. وإن دخل بأمان طرد وأخرج لفساده، فإن امتنع نبذ إليه العهد وجاز قتله، وإن كان جاسوساً لأهل البغي قتل إن قتل قصاصاً.
وكذا إن قُتِلَ أحد من المسلمين بسببه، ما دامت الحرب قائمة بين الإمام والبغاة، وإن أتفقت الهدنة طرد ولم يقتل. ويلحق بهذا الباب ذكر مسألة جليلة القدر، عظيمة الخطر، وهي أن من حقوق الإمام المفروضة على المسلمين، تسليم الزكوات إليه، وتبليغها حتى تصير بيده قليلها وكثيرها وصغيرها وكبيرها، وظاهرها وباطنها، ومن صرفها إلى غيره بغير أمره أعاد، ومن اتهمه بالغل استحلفه بالمواثيق الشداد، والقول بأن الولاية في ذلك إليه، هو مذهب الأئمة الأعلام والمحققين من علماء الإسلام، والحجة على ذلك قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً }[التوبة: 103]الآية، وما رواه ابن عمر، عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((ادفعوا صدقاتكم إلى من أولاه الله تعالى أمركم )).
وقوله -صلى الله عليه وآله وسلم-: ((أمرت أن أخذها من أغنيائكم ، وأردها في فقرائكم)).(1/125)