الكتاب : العناية التامة في تحقيق مسألة الإمامة المؤلف : الإمام عز الدين بن الحسن |
العناية التامة في تحقيق مسألة الإمامة
الإمام عز الدين بن الحسن
أعد هذا الكتاب إلكترونيا
قطب الدين بن محمَّد الشَرْوَني الجعفري
للتواصل
viva_intifada@hotmail.com(1/1)
مقدمة
جرت عادة الأصحاب بذكر الإمامة في كتب علم الكلام، وفي أصول الدين، وعُدَّت في بعض كتبهم أحد الأصول الخمسة. وليس لذلك وجه يظهر فإنها مسألة فروعية، وباب من أبواب الفقه بين علمي وعملي، وليس ينبغي أن يعد من فن الكلام إلا ما كان علماً بالله عز وجل ذاته وصفاته، وأفعاله وأحكام أفعاله، والذي ينبغي أن نعتذر به لهم في ذلك وجهان:
أحدهما: أنها مسألة قطعية، لا يؤخذ فيها إلا بالعلم اليقين، والأدلة والبراهين، فألحقت بالفن الذي هذا حاله وهذه صفته.
وثانيهما: إظهار الاهتمام بهذه المسألة وتعظيم شأنها، وإنزالها من القلوب بمنزلة رفيعة، إذ هذا الفن أجل الفنون. فكما أدخل فيه وألحق به انسحب عليه حكمه، والعذر الأول لا تعويل عليه ولا إلتفات إليه ويستنكر من أن يلحق بعلم الكلام كل مسألة قطعية، من الفروع وأصولها وغيرها.
وأما العذر الثاني: فعذر حسن، وأحسن منه أن الإمامة لما كانت خالفة النبوة وقائمة مقامها، وبدلاً منها حتى قضت الحكمة برفعها، وكانت النبوة من فن الكلام، وباب من أبواب كتاب العدل منه ذكرت في الفن الذي تذكر النبوة فيه، لكنه لما لم يكن لها تعلق بباب العدل ولا غيره من أبواب فن الكلام.
أُخزّت وذُكِرَت بعد فراغ ذلك الكلام على أبواب ذلك الفن وحُذِي يذكرها فيه حذو ذكرها في فن الفقه حيث تذكر في آخره. والله سبحانه وتعالى أعلم.(1/2)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم. الحمد لله الذي جعل الإمامة ذروة للدين، وسناماً وصلاحاً لآراء العالم ونظاماً، وناط بها قواعد من الشرائع وأحكاماً، وجعلها للنبوة الهادية للخلق إلى الحق ختاماً، ولشرعة سيد الأنام الفاصلة بين الحلال والحرام تكملة وتماماً، والصلاة المتبعة إكراماً وسلاماً، على أشرف البرية ومن كان للرسل إماماً.
وعلى عترته الذين ما زالوا لشرعته حفَّاظاً وقياماً، وعلى أصحابه الذين وفوا بنصرته وشمروا الساق في طاعته أزماناً وأعواماً، وفزعوا إلى نصب من يخلفه في أمته ويتحمل أعباء شرعته قبل مواراته في حفرته إجلالاً لأمر الرئاسة الدينية وإعظاما، (وبنوا لها) بمسيس الحاجة إليها واهتماماً.(1/3)
وبعد فإنه لم يزل بعض أهل الولع بالتحقيق في العلوم الدينية ومن همه في سلوك منهج التدقيق يسألنا إملاء نبذة في مسألة الإمامة شافية، وبما أراد من تنقيح معانيها وافية، وكلما اعتذرنا عن ذلك بما نحن عليه من الشواغل المستغرقة للأذهان على مرِّ الزمان في كل مكان لم يزدد إلا مبالغة في طلب الإسعاد، والتماس الإسعاف إلى ذلك المراد، فلم نَرَ إلا الإجابة وعدم الابتعاد، وإن كانت الأوقات مشغولة، والقلوب من كثرة المشاق معلولة، وأيدي الأنظار المحررة مغلولة، فإعانة الله سبحانه وتعالى مأمولة، وإياه نسأل أن يثبتنا في الورد والصدر، وما نأتي وما نذر، وأن يوفقنا لإصابة الصواب، ويعصمنا عن الزيغ والارتياب، ونحن نأتي من أصول مسائل الإمام وفروعها، بما اقترح السائل ذكره والتمس تحقيقه وصدره، ورام منا إيضاحه ونشره، ما سُبِقنا إليه وما لم نُسبْق، وما حقق في غير إملائنا هذا وما لم يحقق، حسب ما يدخل في حيز الإمكان، والله تعالى المستعان. مع التزام الإنصاف والاغتراف من المورد الصاف، ورفع التعصب بالكلية، فليس لنا بمذهب وليس وراء الله للمرء مطلب.(1/4)
القول في حقيقة الإمامة وبيان ماهيتها
أما لغة فقيل: ض (عبد الله الدواري): الإمام المتقدم على غيره، في أمر من الأمور على حد يقتدي به فيه، ومنه إمام الصلاة سواء كان مستحقاً لذلك أو غير مستحق، في هدى أو ضلال، وعلى الأول قوله تعالى{وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً }[الفرقان: 74] وعلى الثاني{وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ }[القصص: 41] وقيل: المقتدي به في خير أو شر، ويجمع ذلك قوله تعالى{يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ }[الإسراء: 71].
والتحقيق أن الإمام لغة مأخوذ من أمهم، وأم بهم إذا تقدمهم، وأنه أيضاً الذي يقتدى به، ذكر المعنى الأول في (القاموس)، والآخر في (الصحاح)، ولا يزاد على هذا.
وحيث حصل المعنى أطلق اللفظ، فلا يحتاج إلى ذلك التفصيل، والإمامة صفة الإمام ووظيفته وهو كونه يقتدى به وكونه متقدماً.
وأما اصطلاحاً فقيل الإمام ي: (يحيى بن حمزة) رئاسة عامة لشخص من الأشخاص بحكم الشرع، وقيل ض(عبد الله بن حسن الدواري): رئاسته على كافة الأمة في الأمور الدينية والسياسية، على حد لا يكون لأحد عليه طاعة في ذلك ولا لأحد معه.
وقيل: (الإمام المهدي): رئاسة عامة لشخص واحد، يختص به أيضاً أحكام مخصوصة على وجه لا يكون فوق يده يد.
قلت: والمعنى متقارب، والاحترازات فيما ذكر لا يعزب على ذي الذوق السليم، وفسر بأمراء السرايا، وهذان المعنيان ثابتان في حق الإمام.(1/5)