[المؤلف] الجواب عليه: إن الأمر وارد بسؤال أهل الذكر، والمراد بالذكر الصحيح المعهود ولا يعرف أنه من أهل الذكر إلا بعد معرفة صحة ذكره وهذا هو الدور وما استلزم الدور فهو عن الحجة بمعزل.
[ابن الوزير] قال: الأثر الأول: قول النبي صلى الله عليه وآله : ((يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله...))إلخ.
[المؤلف] قلت: مع القول بصحة الخبر وسلامة الطريق عن العلل فالجواب أنه يستلزم الدور لتوقف العدالة على حمل العلم المشار إليه وحمله متوقف على العدالة، بيان الملازمة من الطرفين أن العدالة مشترطة بأدلة واضحة مع كثرة الكذب على النبي صلى الله عليه وآله مقطوع بوقوعه، وكون العدالة الموجبة لحمل العلم المشار إليه وهو علمه صلى الله عليه وآله وإلا لزم تصديق كل راوي وتعديله سواء كان مسلماً أو مشركاً أو كتابياً؛ لأنها لا تخلو كتبهم عن فائدة دينية، وهذا الجواب كافي وإلا فالمسألة حرية بالتطويل لكن قصدنا الإشارة.
[ابن الوزير] قال: الأثر الثاني: قوله صلى الله عليه وآله : ((من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين)) رواه جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وآله وهو صحيح، صححه محمد بن إسماعيل البخاري وأبو عيسى الترمذي وغيرهما.
[المؤلف] قلت: الاستدلال بهذا مريض؛ لاستلزامه الدور كالأول، وإنما يعجب الواقف من تشنيعه على المترسل بنقل أخبار صحيح البخاري عليه وهو لا يستلزمه، والآن صار الاستدلال على خصمه بما لا يلتزم، فما أسرع ما نسي، ثم ذكر أثرين اعترف بضعف الاستدلال بهما، ثم عدل إلى الأنظار الموعود بها وهي أضعف مما ذكر لكن مقصده ـ رحمه الله ـ أن لا ينكر على أهل هذا القول، وذكر في العدالة أبحاثاً مفيدة جيدة ينبغي الوقوف عليها.(1/41)


[عدالة الصحابة]
[الإمام] قال صاحب الرسالة: الخامس: أن هؤلاء الأئمة في الحديث يرون عدالة الصحابة جميعاً ويرى أكثرهم أن الصحابة من رأى النبي صلى الله عليه وآله مؤمناً به وإن لم يطل ولم يلازم، وهذان المذهبان باطلان وببطلانهما تبطل كثير من الأخبار المخرجة في الصحاح.
أما المذهب الأول فلأن من حارب علياً عليه السلام مجروح، ومن قعد عن نصرته كذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وآله قال: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، وقال: ((لا يبغضك يا علي إلا منافق شقي)) وأقل أحوال هذا أن لا تقبل روايته.
وأما الثاني فيلزمهم أن يكون الأعرابي الذي بال في مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله عدل بتعديل الله ولا يحتاج إلى تعديل أحد وكذلك كثير من رواتهم الذين هم أعراب أو يفدون عليه مرة واحدة كما جاء في حديث وفد تميم وأنزل فيه: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ}[الحجرات:4] وحديث وفد عبد القيس.
[ابن الوزير] أجاب ـ رحمه اللهـ بقوله: أقول: اشتمل كلامه في هذا الوجه على مسائل:

المسألة الأولى: القدح على المحدثين لقبول المجهول من الصحابة
وقولهم: إن الجميع عدول بتعديل الله تعالى
والجواب عليه من وجوه:
ثم ساق ذلك، منها ما نقل عن بعض الزيدية أنهم صرحوا بقبول رواية الصحابة وتعديلهم وذلك مسلم، ولكن لهم في تعريف الصحابة مذهب غير مذهب المحدثين، فيرد مجمل قولهم إلى مبينه فيؤخذ التعريف من مظانه.
ثم استدل على عدالتهم فقال: أما الكتاب فمثل قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ...}إلخ[آل عمران:110].(1/42)


[المؤلف] قلت: الآية تحتمل الإشارة إلى معهودين وصفهم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع الإجمال، والقرآن يفسر بعضه بعضاً فقد قال في آية أخرى: {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ}[آل عمران:152] وقال سبحانه في الأخصين به: {وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ}[التوبة:101] وفي الأعراب: {الأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلاَّ يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ}[الأنفال:97] وذكر أن منهم من يتربص بالمسلمين الدوائر إلى غير ذلك، على أنا لو سلمنا فالدليل أخص من الدعوى كما قدمنا.
ثم قال [ابن الوزير]: الأثر الأول ما روى ابن عمر عن أبيه أن رسول الله÷ قام فيهم فقال: ((أوصيكم بأصحابي، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم يفشو الكذب حتى يحلف الرجل ولا يستحلف ويشهد الشاهد ولا يستشهد)) الحديث، رواه أحمد والترمذي...إلخ.
[إلى أن قال]: قد نقل أنه حديث مشهور جيد قال ذلك الحافظ ابن كثير في إرشاده.
قلت: وفيه ما يدل على أنه أراد بأصحابه أهل زمانه وفهم من قوله: ((ثم الذين يلونهم)) فإنه جعل أهل زمانه طبقة ((ثم الذين يلونهم)) فلم يكن ليخرج ممن لم يره ممن أدرك زمانه مع دخول من لم يره في التابعين الذين لم يدركوا زمانه.(1/43)


[جواب المؤلف في تضعيف حديث: ((أوصيكم بأصحابي))]
[المؤلف] الجواب: إن في بعض طرقه عبد الملك بن عمير أحد النواصب عن جابر بن سمرة وأظنه أحد جلساء معاوية وأمرائه، ومثل هذه الطريقة هي عين النزاع فلا يلزم الخصم، ومع تسليم المدعى فالزمن كالقرن وقد فسر القرن بمائة سنة وقيل: خمسين، فيكون الخبر قد اشتمل على تعديل الثلاثة القرون جمعهم ومنه يلزم تعديل يزيد ومسلم بن عقبة ومن ارتد من الصحابة وغيرهم وهذا خلاف ما ورد به النقل عن الصحابة كما رد عمر خبر فاطمة بنت قيس، وعائشة خبر أبي هريرة، وأمير المؤمنين خبر العشرة وخبر: ((مروا أبا بكر يصل بالناس)) وردت الأنصار خبر: ((الأئمة من قريش)) سلمنا فعدّ لي من تقدم ومن أحرق الكعبة وقتل طلحة والزبير وغيرهم، بل لو سلم هذا فأكثر علم الجرح والتعديل جرى في التابعين وتابعيهم، فمالك هدمت مندوحة أهل نحلتك؟ وما يضرنا لو سلمنا ذلك، إذاً سلم لنا رجال الشيعة المجروحين لديكم ولزمتكم أخبارنا التي تقضي بكفر من خالفها منكم وذلك الكثير، فأنت بالخيار بين الأمرين خذ أحبهما إليك فالمسألة عنية [شيدوها بالآجر] وكفى بالقرآن في هذا المقام عروة لمن له من قلبه زاجر.
[ابن الوزير] قال: الأثر الثاني: عن ابن عباس قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله فقال: إني رأيت الهلال -يعني رمضان- فقال: ((أتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله؟ قال: نعم، فقال: يا بلال أذّن في الناس أن يصوموا غداً)). رواه أهل السنن وابن حبان...إلخ.(1/44)


[المؤلف] أقول: هذا لا يلزم أيضاً؛ لأن المترسل لا يلتزم هذه الطريقة، وجوابه: إن الخبر لا يدل على المطلوب؛ إذ هي حكاية فعل لا ندري على أي صفة وقعت هل عضدها وحي أو قرينة بوفاء شعبان أو مجرد احتياط كما قال أمير المؤمنين صلى الله عليه وآله: ((لئن أصوم يوماً من شعبان أحب إليّ من أن أفطر يوماً من رمضان ...)) الخبر أو معناه، ثم إن الظاهر طهارته بالشهادة في تلك الساعة ولم يقارف شيئاً من المعاصي فيرد، فالتعديل قوله صلى الله عليه وآله: ((الإسلام يجب ما قبله)). على أن النبي صلى الله عليه وآله لا يقر على خطأ وكلامنا فيمن تلبس بالردة أو الفتن مع جواز الإقرار على الخطأ.
[ابن الوزير] قال: الأثر الثالث: حديث أبي محذورة فإن رسول الله صلى الله عليه وآله علمه الأذان عقيب إسلامه، واتخذه مؤذناً من ذلك الوقت معتمداً عليه في تأدية الفرائض وأجزائها.
[المؤلف] والجواب على هذا الخبر كالجواب على الأول مع زيادة بقائه معه ومصاحبته وتأدية الفرائض التي هي معظم شرائط العدالة.
وأما قبول علي ومعاذ -رضي الله عنهما- لشهادة أهل اليمن على بعضهم الآخر مع عدم معرفتهم فلا يدل لوجوب قبول شهادة المثل على مثله لقضا الدليل بذلك سلمنا، فأين الأمر النبوي لهما بقبول المجهول؟ وأين النقل عنهما لقبوله؟
وأما ما رواه الذهبي في (تذكرة الحفاظ) وحكم بحسنه عن علي صلى الله عليه وآله أنه كان يستحلف من اتهمه من الرواة فجوابه من وجهين:
أحدهما: إن فعل علي صلى الله عليه وآله ليس بحجة عندكم أنت والذهبي فغريب منك، سلمنا حجة فعله، وأنه يلزمنا فهم الطريق على شرطنا وعلى قبول رواية المجهول.
الثاني: إن الخبر ورد في معنى تصديقه صلى الله عليه وآله لرواية أبي بكر من دون تحليفه وهو معارض برده لروايته في أمر فدك وغير ذلك، وليت شعري ما منعه من ذكر تمام الخبر وما أظنه جهل ذلك إلا لئلا يقال: إنه من موضوعات العثمانية.(1/45)

9 / 46
ع
En
A+
A-