أقول: فلما صح أن عليا هو المحق، وأعداءه من الناكثين والقاسطين والمارقين على الباطل، وصح أنه لعنهم وتبرأ منهم، وجب علينا ذلك فيمن لم تصح توبته لقوله تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران:31] فوجب اتباع النبي واتباع المحق من بعده، كيف وقد روى الموالف والمخالف متواترا قوله صلى الله عليه وآله في علي عليه السلام : ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، واخذل من خذله))، وقوله صلى الله عليه وآله: ((لعنتك يا علي من لعنتي، ولعنتي من لعنة الله، ومن يلعن الله...))الخبر، وقد صح أنه قنت بلعن معاوية وعمرو والمغيرة وأبي موسى وأبي الأعور السلمي والضحاك بن قيس الفهري، وصح أن معاوية لعنه الله لعن علياً والحسنين وابن عباس.
نعم وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وآله أنه قال: ((ستة لعنتهم ولعنهم الله وكل نبي مجاب: الزائد في كتاب الله، والمكذب بقدر الله، والمتسلط بالجبروت فيعز بذلك من أذل الله، ويذل من أعز الله، والمستحل لحرم الله، والمستحل من عترتي ما حرم الله، والتارك لسنتي)). أخرجه الترمذي عن عائشة وابن عساكر عن ابن عمر وهو عند أئمتنا"، ومعاوية استلحق زيادا ورد السنة في ذلك وفي حكم آنية الذهب والفضة بيعاً واستعمالاً، وأخاف أهل الحرمين وقتل بعض الشيعة فيهما على يدي عامله بسر بن أرطأة واستحل من العترة، وأعز الطلقاء وأذل المهاجرين والأنصار.
وقال الحسن البصري: أربع خصال في معاوية لو لم يكن فيه إلا واحدة منها لكانت موبقة: انتزاؤه على هذه الأمة بالسيف حتى أخذ الأمر من غير مشورة وفيهم بقايا الصحابة وذوي الفضيلة، واستخلف من بعده سكيرا خميرا يلبس الحرير ويضرب بالطنابير، وادعاؤه زياداً وقد قال رسول الله صلى الله عليه وآله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر))، وقتله حُجْرا وأصحاب حُجْر ويا ويلاه له من حُجْر وأصحاب حُجر. ا ه‍.(1/211)


وروى أبو الحسن المدائني أن معاوية خطب أهل الكوفة بعد بيعة الحسن فقال: يا أهل الكوفة أتروني قاتلتكم على الصلاة والزكاة والحج وقد علمت أنكم تصلون وتزكون وتحجون، ولكني قاتلتكم لأتأمر عليكم وألي رقابكم...إلخ.
وأخرج ابن عدي عن أبي سعيد مرفوعاً: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه)). وأخرجه العقيلي عن الحسن، ورواه سفيان بن محمد عن منصور بن سلمة عن سليمان بن بلال عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر مرفوعاً، وقد ذكره المعتضد العباسي في كتابه، وشاهده في القرآن، قال سبحانه: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي...} الآية.
وأما قوله: ولو كان واحد من هؤلاء قد أخطأ لوجب أن يحفظ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله، فلم لا حفظتم رسول الله صلى الله عليه وآله في عمه أبي لهب أما صار هجير المسلمين قراءة: {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}[المسد:1] ولم لا حفظتموه في كافله وناصره أبي طالب حتى رويتم فيه في الصحيح عن عدو بني هاشم في الجاهلية والإسلام ما رويتم ولم ترقبوا فيه أولاده وأخويه العباس وحمزة، فإن قلتم بكفر من ذكرنا، قلنا: العلة واحدة وهي مراقبة الخير بعدم ذكر مساوئ قريبه وسواء كان كافراً أو فاسقاً مع أن الله تعالى قد طهر نبيه صلى الله عليه وآله وأهل بيته من مداهنة الفسقة وأهل المعاصي من كان.(1/212)


وأما قوله: فالأدب أن تحفظ أم حبيبة وهي أم المؤمنين في أخيها، فهلا حفظها رسول الله صلى الله عليه وآله حيث لعن الراكب والسائق والقائد وحيث قال: ((إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه))، وحيث قال: ((لا أشبع الله بطنه)) رواه النسائي، وهلا حفظ رسول الله وأبو بكر وعمر عثمان في عمه الحكم وابنه مروان حتى قال صلى الله عليه وآله: ((الوزغ بن الوزغ)) فإما قلت: إن النبي صلى الله عليه وآله لم يراعِ مقام الأدب ولم يحترم حرمة أحد كفرت بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ}[القلم:4] أو سلمت وجوب عداوة الفاسق كائناً من كان وآمنت بقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[الممتحنة:13] وغير ذلك، ولم لا حفظتم عائشة أم المؤمنين في أخيها محمد بن أبي بكر بل تبرأتم منه لكونه من المحاصرين لعثمان وعلى أنكم غلوتم غلواً لم يبلغه أهل الكتاب في أصحاب أنبيائهم فنزلتم معاصيهم منزلة الطاعات من دون أن يعرفوا لأنفسهم ذلك، هذا رسول الله صلى الله عليه وآله تبرأ من فعل خالد بن الوليد وهجر الثلاثة الذين تخلفوا عنه في تبوك وأقام الحدود على من استوجبها من أصحابه، وكذلك الخلفاء.(1/213)


فأما تبري الصحابة من بعضهم الآخر فأمر لا ينكر وضروري لا يرد، وأما تغير قلوبهم على بعضهم الآخر فغير مدفوع بدعوى الأباطيل ما يسلم لنا أهل بدر عن تغير قلوبهم على بعضهم الآخر فكيف بالطلقاء وغيرهم ولكنكم لا تستحيون من الكذب ولا تهابون المجاهرة بالبهتان، وكل ذلك معارضة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وعداوة لأهل بيته، أتنكرون تبري المشائخ من سعد بن عبادة وتبري عمر من خالد بن الوليد، وتبرأت عائشة وعمار وعبد الرحمن بن عوف وطلحة والزبير وغيرهم من عثمان وسمته عائشة نعثلاً، وتبري أمير المؤمنين من أعدائه وتبرأوا منه واستمر لعنه على منابر الإسلام ألف شهر ما عدا خلافة عمر بن عبد العزيز -رضي الله عنه-، أما تغير عمر على عماله ونسبهم إلى الخيانة وشاطرهم أموالهم؟ أما كان من الشيخين إلى فاطمة الزهراء البتول -رضوان الله عليها- ما كان في شأن فدك حتى هجرتهما مع سماعهما لقول أبيها صلى الله عليه وآله فيها: ((فاطمة بضعة مني يريبني ما رابها))؟ فهل ينكر ذلك إلا من أعمى الله قلبه، وختم على سمعه وبصره، وأصابته دعوة المصطفى لخذلانه علياً المرتضى.
وأما قوله: أليس المفسرون كلهم قالوا: هذه الآية نزلت في أبي سفيان وأهله وهي قوله تعالى: {عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عَادَيْتُمْ مِنْهُمْ مَوَدَّةً}[الممتحنة:7] فكان ذلك مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وآله أبا سفيان وتزويجه ابنته. ا ه‍. فالجواب عليه:
أولاً: إن كتب المفسرين على ظهر البسيطة بريئة عما ادعى عليها وإنما تعرض بعضهم بعد التفسير فقال: وقيل ...إلى آخر ما شرحته.(1/214)


وثانياً: أنه تعقب التزويج بأم حبيبة من العداوة والحروب التي قادها أبو سفيان ما لا يجهله متطلع واستمرت العداوة حتى الفتح ظاهراً وبعده باطناً بإجماع النقلة أن آل أبي سفيان من المؤلفة قلوبهم، يدل عليه جواب أمير المؤمنين عليه السلام على أبي سفيان بعد موت النبي صلى الله عليه وآله فافهم.
وأما إنكاركم رواية ثقات الشيعة جميعاً فمن ركوبكم متن الاعتساف وتبجحكم بمساوئ عدم الإنصاف، ومجانبة لما دل عليه الدليل من وجوب قبول خبر العدل الضابط، ومجانبة ما أمر الله ورسوله من وجوب محبة آل محمد، فعوضتم ذلك بتكذيبهم وجرحهم وإهراق دمائهم والإفك عليهم.(1/215)

43 / 46
ع
En
A+
A-