وقد أجاب عليه بعض قدماء الزيدية فأحببنا نقل بعض جوابه ملخصاً.
[ابن الوزير] قال ـ رحمه الله ـ : لولا أن الله تعالى أوجب معاداة أعدائه كما أوجب موالاة أوليائه وضيق على المسلمين تركها إذا دل العقل عليها أو صح الخبر عنها بقوله سبحانه: {لاَ تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}[المجادلة:22]، وبقوله تعالى: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ}[المائدة:81] وبقوله سبحانه: {لاَ تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ}[الممتحنة:13]، ولإجماع المسلمين على أن الله تعالى فرض عداوة أعدائه، وولاية أوليائه، وعلى أن البغض في الله واجب، والحب في الله واجب لما تعرضنا لمعاداة أحد...الخ.
[المؤلف] أقول: الجواب الذي لا محيص عنه على قواعد أهل السنة وترك ما نقل عن غير طريقتهم أنا قد أجمعنا نحن وأنتم على أن الإمام بعد عثمان علي عليه السلام والناكث على الإمام والخارج عليه باغي فاسق وقد صح من نقل الناقلين أن طلحة والزبير بايعا علياً عليه السلام ونكثا عليه، فإن اعتذرتم لهما بطلب دم عثمان، فالجواب: أنهما ليسا بأوليائه.(1/206)


ثانياً: إن قتلة عثمان قد قتلوا في دار عثمان وقتل غير القاتل من السرف المنهي عنه في القرآن، فإذا صح أنهما نكثا بيعة الإمام وخرجوا عليه ومنعوه من دخول البصرة وأخرجوا عامله جرى عليهم حكم القرآن وهي قوله تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ}[الحجرات:9] والخطاب للمسلمين كافة صحابي وتابعي، وما روي عن عمار وأبي أيوب أن النبي صلى الله عليه وآله أمرهما أن يقاتلا مع علي عليه السلام الناكثين والقاسطين والمارقين، وما روي عن علي عليه السلام : أمرت أن أقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، فإذا صح أن الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وآله أمر بقتال الباغي عموماً، والناكثين والقاسطين خصوصاً، علمنا أنهم قد جانبوا عن الحق واتبعوا غير سبيل المؤمنين وصاروا حرباً لله ولرسوله حلال الدم، ومن حل دمه فبالأولى أن يحل عرضه، ووجب البراءة منه وبغضه، ولأهل صفين زيادة أخصية وهي قتلهم لعمار، وقد ورد في قاتله ما ورد.
فأما ثناء القرآن والنبي صلى الله عليه وآله على الصحابة فمسلم لكن بلفظ العموم والعموم يجوز تخصيصه.
فأما خبر أهل بدر فلعل الله اطلع على خواتم أعمالهم فإنها صائرة إلى الخير كما قد روي من غير طريق أن طلحة والزبير وعائشة تابوا، ومثل ذلك تقبل فيه رواية الآحاد ولا يقال بعدم خطأهم، فقد ورد من أهل بدر ما أوجب الحد كما كان من مسطح بن أثاثة من الإفك وبعضهم أيضاً تأول في تحريم الخمر فحده عمر.
فأما قوله: ((بأيهم اقتديتم اهتديتم)) ففي رجاله عبد الرحيم عن أبيه وهما ضعيفان جداً، بل قال ابن معين: إن عبد الرحيم كذاب، وقال البخاري وأبو حاتم: متروك، وله طريق أخرى فيها حمزة النصيبي وهو ضعيف جداً، قال البخاري: منكر الحديث، وقال ابن معين: لا يساوي فلساً، وقال ابن عدي: عامة مروياته موضوعة، وروي أيضاً من طريق جميل بن زيد وهو مجهول. ا ه‍ من إرشاد الفحول باختصار هذا المقال في رجاله.(1/207)


وأما المعنى فباطل؛ لأنه قد اقتدى قاتل عمار ـ رحمه الله ـ بمعاوية وعمرو بن العاص ومن معهما من الصحابة فيلزم أن يكون هادياً مهدياً أو محكوماً عليه بالنار ومخطئاً باغياً غوياً، وفيه أيضاً رد لما تواتر نقله عن النبي صلى الله عليه وآله أن قاتل عمار في النار عرف ذلك وليه وقاتله، بل يلزم في قتلة عثمان لأنهم اقتدوا في ذلك بمن حرض عليه من الصحابة كعائشة وطلحة والزبير.
وأما قوله: ((خيركم القرن الذي أنا فيه...)) الخبر، فقد ساوى فيه بين الصحابة والتابعين وتابعيهم وعلى الجملة فالقرن مائة سنة وقيل خمسون فأطلق على أربعمائة سنة أو مائتين سنة التي وقع فيها قتل الصحابة وأهل البيت واستباحوا فيها حرم الله وأحرقوا بيته وحرم رسوله، واستباحوا بنات المهاجرين والأنصار واستعبدوهم، وفيها إمارتي الحجاج وزياد بن أبيه وغير ذلك، إذا تأملته عرفت أنه من وضع الأموية، بل إن كان كما يقولون فلا فائدة في كتب الجرح والتعديل لأنها وضعت في رجال هذه القرون، وكم نعد من مساوئها نعوذ بالله من الافتراء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله.
وأما كلام الحسن البصري فإن صح النقل عنه فلا حجة في كلام أحد غير المعصوم.
وأما أننا لم يبلغنا ما جرى بين الصحابة على التحقيق فمن رد الضرورات التي لا تخفى على من له أدنى مسكة بل يؤدي إلى التشكيك فيما جرى بين النبي صلى الله عليه وآله وأهل الكفر، كيف والناقل لتلك الأخبار هم نقلة الشريعة النبوية.(1/208)


وأما اللعن فقال الزيدي ـ رحمه الله ـ : فأما لفظة اللعن فقد أمر الله تعالى بها وأوجبها، ألا ترى إلى قوله: {أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ}[البقرة:19] فهو إخبار معناه الأمر كقوله: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوءٍ}[البقرة:228] وقد لعن الله العاصين بقوله: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ}[المائدة:78] وقوله: {الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا}[الأحزاب:57]، وقوله: {مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلاً}[الأحزاب:61]، وقال الله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص:78] وقال: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا}[الأحزاب:64].(1/209)


فأما قول من يقول: أي ثواب في اللعن؟ وإن الله لا يقول للمكلف: لِمَ لَمْ تلعن؟ بل قد يقول: لِمَ لعنت؟ وأنه لو جعل مكان (لعن الله) (اللهم اغفر لي) لكان خيراً له، ولو أن إنساناً عاش عمره كله لم يلعن إبليس لم يؤخذ بذلك، فكلام جاهل لا يدري ما يقول، اللعن طاعة ويستحق عليها الثواب إذا فُعلت على وجهها وهو أن يلعن مستحق اللعن لله وفي الله لا في العصبية والهوى، ألا ترى أن الشرع قد ورد بها في نفي الولد ونطق به القرآن وهو أن يقول الزوج في الخامسة: {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ}[النور:7] فلو لم يكن الله تعالى يريد أن يتلفظ عباده بهذه اللفظة وأنه قد تعبدهم بها لما جعلها من معالم الشرع ولما كررها في كثير من كتابه العزيز ولما قال في حق القاتل: وغضب الله عليه ولعنه، وليس المراد من قوله: ولعنه إلا الأمر بأن نلعنه ولو لم يكن المراد بها ذلك لكان لنا أن نلعنه؛ لأن الله قد لعنه أفيلعن الله تعالى إنساناً ولا يكون لنا أن نلعنه؟ هذا ما لا يسوغ في العقل كما لا يجوز أن يمدح الله إنساناً إلا ولنا أن نمدحه ولا يذمه إلا ولنا أن نذمه، وقال تعالى: {هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ}[المائدة:60] وقال: {رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا}[الأحزاب:68] وقال عز وجل: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}[المائدة:64] ...إلى آخر كلامه.(1/210)

42 / 46
ع
En
A+
A-