مولده
ولد بهجرة ضحيان في شهر ربيع أول سنة 1310 عشر وثلاثمائة وألف للهجرة وتربى في حجر والده الإمام التربية الشريفة الطاهرة فقرأ عليه وارتوى من معينه الفياض، ورشف من بحر علمه الزاخر، وشارك في القراءة عليه أخوه العالم الرباني حجة الإسلام والمسلمين عبد الله بن الإمام حيث قال وهو يترجم لأخيه أحمد: أحمد بن أمير المؤمنين الحسن بن يحيى القاسمي، ولد في ربيع أول سنة 1310 عشر وثلاثمائة وألف بهجرة ضحيان، نشأ في حجر أبيه وقرأ القرآن، ثم في فنون العلم وبرع في ذلك، سمع من أمير المؤمنين والدنا ـ رضوان الله عليه ـ : (المسائل النافعة) و (الكافي) و العروض، وشاركني في الفروع والأصولين، والنحو، والصرف، والمعاني والبيان، والتفسير، والحديث، وغير ذلك.
وبرع في العلوم حتى صار متفنناً مرجعاً ماهراً مجتهداً له شرح على (التحفة العلوية) لمحمد بن إسماعيل الأمير، وله موضوع في علم الكلام وشرحه، وله تأليف فيما اختاره من مسائل الفروع سماه (مشارق الأنوار) نقد فيه الأدلة، وله (الجوابات المفيدة) وديوان في الشعر وغير ذلك، أجازه القاضي أحمد بن عبد الله الجنداري إجازة عامة، وقد أجازني بتلك الإجازة ـ كافأه الله عني ـ وهو الآن مكب على مطالعة العلوم، وقائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومجيب للشريعة المحمدية ـ أيده الله ـ ومنتفع به، انتهى كلامه ـ رحمه الله.
قوله: (أجازه الجنداري)، نعم كان ذلك عندما سافر المترجم له إلى المتوكل إلى السودة وصالح بينه وبين والده وستطلع على بعض من تلك القصة في هذه الترجمة.(1/16)
مؤلفاته
في الفقه: له (مشارق الأنوار المنتزعة من البحر الزخار) من أول (باب الطهارة) إلى آخر (السير) اختارها لنفسه ولمن عمل بها، أتى فيها بالعجب العجاب، وبيّن فيها الحجة من السنة والكتاب، وإن خالف بعض الآباء والأجداد.
أصول الدين: وله في أصول الدين (تذكرة الأفهام) جمع فيها أغلب الأقوال، وشرحهاً شرحاً مفيداً، فنّد فيه أقوال الخارجين عن الطريقة، والمتنكبين عن المحجة المنيرة أقوال أهل بيت الرسالة ومعدن الوحي والأمانة، وله أيضاً قصيدة في أصول الدين وشرحها، إلا أنها لم تكمل، وله مباحث كثيرة في الاستواء والرؤية والصفات، وغير ذلك.
علم الرجال: وله في علم الرجال مؤلف ترجم فيه لمجموعة كبيرة من محدثي رجال الزيدية جمع فيه الكثير الطيب، وله ـ رحمه الله ـ جواب على (منهاج السنة) لابن تيمية الحراني، أبان فيه خطأ ابن تيمية في الدين، والبغض لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ كرم الله ـ وفنّد شبهه وأنهاها، وهجن مزاعمه وأفناها، ثم أورد عليه الآيات والأحاديث النيرات والواضحات حتى رد كيده في نحره من باب ((وأنصر من نصره، واخذل من خذله)).(1/17)
وله ـ رحمه الله ـ مؤلف سماه (المنهل السمعي فيما ورد من الأدلة على الطلاق البدعي) بحث مهم وخطير، دار النقاش في هذا الموضوع بينه وبين أخيه شيخ الإسلام وقطب السادة الأعلام عبد الله بن الإمام ـ رحمه الله ـ تعالى، كل منهما أبدى رأيه وأدلته وأجاب عن أدلة الآخر {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}[آل عمران:34] وقد حوى هذا البحث الكثير من الفوائد والدقائق، والدرر والفرائد، ومن العمومات والتخصصات، والمطلقات والمقيدات، والمنطوقات والمفهومات، وغير ذلك من الفوائد الكثير الطيب.
وله ـ رحمه الله ـ مختارات في أصول الفقه رأيتها بخطه، ولم تعز لأحد أحسب أنها مختاراته؛ لأني وجدته كثيراً ما يبني اختياراته بالفروع عليها ـ رحمه الله ـ .وله ـ رحمه الله ـ هذا الذي نقدم له وهو (العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم) وهو الكتاب الوحيد في مغزاه، يحمل في طياته مناقشة لثلاثة من جبال العلم والحلم والفكر، فما على المطلع إلا أن يسرح النظر فيما قيل ويقال، ويوزن ذلك بميزان القسط والاعتدال.
وله رسائل وجوابات كثيرة منها: رسالة (جواب على العلامة سالم بن سالم عمر ـ رحمه الله) استدل فيها على عدم وجوب صلاة الجماعة، وفيها فوائد كثيرة، وأخرى استدل فيها على عدم وجوب الفاتحة في الصلاة، وقال: ((إنما الواجب قراءة شيء من القرآن)).
وله ـ رحمه الله ـ (رسالة في جواز الجمع بين الصلاتين).
وله ـ رحمه الله ـ ديوان في الشعر، إلا أن الأيدي الحاسدة قضت عليه أيام العزاء.(1/18)
وله ـ رحمه الله ـ أكثر من ثلاثمائة جواب سؤال في شتى أنواع العلم، كيف وهو الشامة في بني الحسن علماً وحلماً وذكاءً وفهماً، ولولا ما بلي به من الحروب والصراع بين والده الإمام الهادي وبين المتوكل يحيى حميد الدين، والذي استمر سبع سنوات، ثم لجأ مع والده إلى بلاد عسير، واستوطن وأقام بالحرجة نحواً من ثلاث سنوات، ثم عاد مع والده إلى باقم، وعادت المشكلة بين والده والمتوكل، إلا أنه لما عرف هو وأخوه الأكبر عبد الله بن الإمام أن والدهم لا يتنازل عن الإمامة حسب مذهبه، وأنه لا يخرج من اليمن مرة ثانية لكبر سنه، ولما معه من العول الكبير، وخوفاً على أولاده وأقاربه من الضياع، وأن أنصاره قد تعبوا وضللتهم الدنيا، عزم على القيام بالإصلاح بين والده وبين المتوكل يحيى حميد الدين وإن كان فيه حتفه مع سلامة والده وإخوانه وعائلتهم الكبيرة فهو راض به في سبيل الله، ثم توكل على الله وعزم إلى عند المتوكل إلى السودة وبقي عنده شهرين، ونجح في الإصلاح بينهما، على أن والده يستمر في باقم وينشر العلم ولا يتنازل من إمامته ولا يعارض الأوامر وهو آمن وذريته وأصحابه وطلبته ومن وصل إليه أو زاره، ثم عاد من السودة بالأمان المذكور فوصل إلى ضحيان وتلقاه أخوه واستر سروراً عظيماً بما حصل، إلا أن الوشاة وأهل المصالح كانوا قد أوشوا به عند والده أنه قد باعه من المتوكل وقد نازله من الإمامة، فلما وصل إلى والده وأخبره بما حصل وأنه باقٍ على إمامته وله نشر العلم الشريف وإقامة الجمعة والجماعة في مسجده، وأنه آمن وأولاده وطلبته وكل من وصل إليه، وأنه لم يفعل هذا الصلح إلا بعد أن تحقق أنه لم يبق معه أنصار فقد أخذوهم بالمال وغيره، كما قال الفرزدق للحسين%: ((قلوبهم معك وسيوفهم عليك)) فرضي والده، فكانت هذه منقبة كبيرة ومكرمة عظيمة أمن فيها والده وإخوته وطلبتهم ومن هو عائد إليهم وسكن الدهماء ونشر بسببها العلم الشريف، فقد بلغت حلقات والده(1/19)
العلمية كل حلقة خمسة وثلاثين طالباً في جميع فنون العلم حتى نعش العلم في باقم، ووصل إليه من جميع أنحاء اليمن، واستمر الإمام على ذلك نحو من عشر سنوات كان الخير في ذلك كله.
ومن ذلك أن الإمام تفرغ من المشاكل، ونشر العلم، وأشرف على تربية أولاده تربية حسنة وعلى تدريسهم الدروس النافعة الخالصة، حتى أصبح التسعة الأولاد من العلماء الأعلام الأكابر المجتهدين، وإن تفاوتوا في درجات الاجتهاد كل ذلك مع دين وزهد وورع وعفة وأمر بمعروف ونهي عن المنكر.
وكم وكم من خير وقع بسبب هذا الصلح المبارك، ولا زال آل الهادي ذرية الإمام من حينذاك في لواء صعدة إلى اليوم في أمن وأمان، ورغد عيش واطمئنان، ونشر للعلم، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد أفاد المترجم له في سبيل ذلك الصلح حتى تم له ويلات المشاق، وأشرف على الهلاك مرات ومرات، ولولا لطف الله به وحلمه وصبره وحسن أخلاقه لفشل، وكان يكفيه ما لاقى من التعنت والجدال والنقاش مع علماء ووزراء المتوكل في السودة، وعلى رأسهم العلامة الكبير أحمد بن عبد الله الجنداري في اليوم الواحد مجلس أو مجلسان للنقاش، ولولا عون الله ونصره لما تغلب عليهم ولم يغلب لمدة شهرين غير مرة واحدة؛ لأنه ـ رحمه الله ـ كان عالم اللسان والقلم شغله في المذاكرة، لا يكاد ينسى شيئاً دَرَسَه أو دَرَّسَه، آية من آيات الله {اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ}[الأنعام:124] جزاه الله عنا وعن والده وأقاربه خير الجزاء، ورفع له درجاته العلي.
وقد حصل أيضاً على تفويض من المتوكل يحيى في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في لواء صعدة، فكان ـ رحمه الله ـ كهفاً للمساكين، وملجأ للمظلومين، ومرجعاً للأحكام والفتيا.
هذا وكان ممن يشجع طلبة العلم ويفدون إليه، وله جم غفير من التلاميذ نذكر منهم نبذة ممن تخرج على يديه وهم:(1/20)