[عقائد المتسمين بأهل السنة]

وقال الصابوني أيضاً: ويشهدون أن الله سبحانه وتعالى فوق سبع سماوات على عرشه كما نطق به كتابه في قوله عز وجل في سورة الأعراف: {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ}[الأعراف:54].
إلى أن قال عنهم: ويمرون على ظاهره ويكلون علمه إلى الله.
إلى أن قال: سمعت أبا بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة يقول: من لم يقل بأن الله عز وجل على عرشه فوق سبع سماوات فهو كافر بربه حلال الدم يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، وألقي على بعض المزابل حتى لا يتأذى المسلمون ولا المعاهدون بنتن رائحة جيفته، وكان ماله فيئاً لا يرثه أحد من المسلمين؛ إذ المسلم لا يرث الكافر.
إلى أن قال: ويثبت أصحاب الحديث نزول الرب سبحانه وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا من غير تشبيه بنزول المخلوقين، ولا تمثيل ولا تكييف، بل يثبتون ما أثبته رسول الله صلى الله عليه وآله وينتهون فيه إليه ويمرون الخبر الصحيح الوارد بذكره على ظاهره ويكلون علمه إلى الله، وكذلك يثبتون ما أنزل الله عز اسمه في كتابه من ذكر المجيء والإتيان المذكورين في قوله عز وجل: {هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلاَئِكَةُ}[البقرة:210] وقوله عز اسمه: {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا}[الفجر:22] ا ه‍.
أقول: وقد استظهر في تفسيره للاستواء بخبر رواه عن أم سلمة موقوفاً.(1/181)


وتحرير الجواب الإجمالي أن يقال: إما أن يفسر الصحابة أو التابعين مجاز القرآن من تلقاء نفسه وفهمه من لغته فما المانع لمستقري لغتهم من ذلك إلا مجرد التحكم، وإن رفعوا ذلك فكلا على أصله هل يقبل في المسألة وما شابهها المظنون أم لا؟! ولا يخفى أنهم قد أثبتوا له سبحانه الاستواء، فإن أخذنا بظاهره على زعمهم لزم المستوي حقيقة وتعطيل ما سواه من الله سبحانه وتحيزه وحلوله، وقد قال سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف:84] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ...}[المجادلة:7] إلى غير ذلك كثير.
وإن قلنا بلا كيف فقد صرفنا الآية عن ظاهرها وهو المطلوب وليس تفسيركم بغير برهان شهير، ولا علم ولا هدى ولا كتاب منير بأولى من تفسيرنا ولا مقابل له، والقول في المجيء والإتيان كذلك ويشكل عليهم أن الله سبحانه قال: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ...}[المجادلة:7] الآية، وقال: {إِنِّي مَعَكُمْ} مخاطباً للملائكة" في آية ولبني إسرائيل في أخرى، فإما أن يثبتوا له ذلك صح أنه بكل مكان كما قال: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف:84] وقال: {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:110] أو يتأولون هذه الآيات فقد خرجوا بذلك عن مذهبهم وعاد التقسيم الأول، وقد حذونا حذوهم في ترك الدليل العقلي؛ لأنهم نفوه لما يلزم كأنه أتى على زعمهم بما لم يأت به السمع.
وقال أيضاً: ويؤمن أهل الدين والسنة بشفاعة رسول الله صلى الله عليه وآله لمذنبي أهل التوحيد ومرتكبي الكبائر.(1/182)


إلى أن قال: ويؤمنون بالحوض والكوثر وإدخال فريق من الموحدين الجنة بغير حساب، ومحاسبة فريق منهم حساباً يسيراً وإدخالهم الجنة بغير سوء يمسهم، أو عذاب يلحقهم، وإدخال فريق من مذنبيهم النار ثم إعتاقهم أو إخراجهم منها وإلحاقهم بإخوانهم الذين سبقوهم إليها ولا يخلدون في النار، فأما الكفار فإنهم مخلدون فيها ولا يخرجون منها أبداً ولا يترك الله فيها من عصاة أهل الإيمان أحدا، ويشهد أهل السنة أن المؤمنين يرون ربهم تبارك وتعالى بأبصارهم وينظرون إليه.
قال: ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي وأنهم الخلفاء الراشدون ... إلى أن قال: ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآله باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم: رضيه رسول الله صلى الله عليه وآله لديننا فرضيناه لدنيانا.
إلى أن قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده فلذلك اتفقوا عليه. ا ه‍.
قلت: اعلم رحمك الله أنه أجمع من استقرأ لغة العرب على أن كلامهم ينقسم إلى قسمين حقيقة ومجاز، وأهل الحديث منعوا من حمل كلامهم على المجاز وأثبتوا الحقيقة ثم قيدوها بلا كيف وذلك خلاف الحقيقة العربية إلا على القول بالمجاز، فمن شرطه العلاقة والمشابهة في غير المجاز المرسل، ومن هنا يعرف أنهم قسموا الحقيقة إلى قسمين: أحدهما مطلق، والآخر مقيد بلا كيف ولا تشبيه لكن المنصف يعلم أنهم فتحوا باب التأويل للحقائق لكن إن شعروا بذلك وأنكروه فهم أكذب الناس وإن [لم] يشعروا فهم أجهل الناس.
وأما قول السيد محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ : إن حجج العقل قد تكون واهية مصادمة للسمع فأي سمع في يده نص في المطلوب غير محتمل؟ وأي حجة معه على هذه المذاهب لم يدخلها الظنون؟!!(1/183)


وأما قوله: إن العدلية كفروا المسلمين مع ما قدمت أنه لا تكفير ولا تفسيق إلا بدليل قطعي فقد كفرتم من قال: القرآن مخلوق، بلا دليل ولا حجة منيرة ولا صراط مستقيم، ثم أنكرتم الضرورة بأن اللفظ بالقرآن مخلوق مع تسليمكم أن الشفتين واللهات والصوت مخلوقة، وكفرتم من لم ينكر الضرورة معكم بلا هدى ولا كتاب منير، وكفرتم من قال: إن الله بكل مكان محتجاً على ذلك بالقرآن الكريم والعقل السليم كما قال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ}[الزخرف:84] {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاَثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ...}[المجادلة:7] {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ}[المائدة:12] وهم في الدنيا، وقوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}[النور:35] وقول أمير المؤمنين عليه السلام : كان الله ولا مكان فهو كما كان. ا ه‍.
فما لهم وتقحم سدد الإلهيات وما لهم جزّؤوه وحيزوه في جهة من الجهات ولو أنهم آمنوا وتركوا التعيين والحلول لكان ذلك أقرب إلى الصواب.
وأما قوله: إنهم لا يأخذون في دينهم إلا بالعلم. فقد أوردنا أدلتهم ليقف عليها فليس فيها ما يثمر العلم بل ولا الظن، أما آية الاستواء فهي محتملة والمحتمل لا يؤخذ به في المظنونات فضلاً عن العلميات وسائر أدلتهم من هذا المنوال، وكذلك الأخبار فإنها أحادية وقابلة للتأويل.
فأما قولهم: لا ملجئ للتأويل من السمع.(1/184)


قلنا: بلى، أولاً قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ}[الشورى:11] [وقوله:] {وَلاَ يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا}[طه:10] [وقوله:] {لاَ تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}[الأنعام:103]، فتقتضي مخالفته لكل شيء متعقل يعرفه العقلاء من تعريف السمع مباينة الخالق للمخلوق والصانع للمصنوع وذلك متفق على صحته العقل والنقل، وما قلتم مختلف فيه بينهما واتباع المتفق عليه أولى من المختلف فيه.
ثانياً: إنك نفيت إدراك العقل لئلا يلزم التجسيم من أقوالكم السمعية وغفلتم عن إدراك السمع لذلك على أنا لو قلنا بكونه على العرش بلا كيف فقد شابه الأشياء بالحلول والاستقرار والتحيز والقول في المجيء والنزول كذلك.

بحث في الإرادة
وإذ قد تعرضنا لحكاية بعض أهل السنة وجب علينا الإشارة إلى تحقيق ذلك والرد عليهم فنقول:
قال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ}[البقرة:185] {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ}[النساء:27] {يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ}[النساء:26]، {وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلاَلاً بَعِيدًا}[النساء:60] {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ}[المائدة:1] والآيات والأخبار دالة على حكمة أفعال الله والإجماع منعقد أن الله سبحانه وتعالى لا يوصف بصفة نقص.(1/185)

37 / 46
ع
En
A+
A-