روى نصر بن مزاحم عن عمر بن سعد قال: بينما علي عليه السلام واقف بين جماعة من همدان وحمير وغيرهم من أبناء قحطان إذ نادى رجل من أهل الشام من دل على أبي نوح الحميري، فقيل له: قد وجدته فماذا تريد، فحسر عن لثامه فإذا هو ذو الكلاع الحميري ومعه جماعة من أهله ورهطه فقال لأبي نوح: سر معي، قال: إلى أين؟ قال: إلى أن نخرج عن الصف، قال: وما شأنك؟ قال: إن لي إليك لحاجة، فقال أبو نوح: معاذ الله أن أسير إليك إلا في كتيبة، قال ذو الكلاع: بلى فسر فلك ذمة الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وذمة ذي الكلاع حتى ترجع إلى خيلك فإنما أريد أن أسألك عن أمر فيكم تمارينا فيه، فسار أبو نوح وسار ذو الكلاع وقال: إنما دعوتك أحدثك حديثاً حدثناه عمرو بن العاص قديماً في خلافة عمر بن الخطاب ثم أذكرناه الآن به فأعاده، إنه يزعم أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله قال: ((يلتقي أهل الشام وأهل العراق وفي إحدى الكتيبتين الحق وإمام الهدى ومعه عمار بن ياسر)) فقال أبو نوح: نعم والله رأيته إنه لفينا، قال: نشدتك الله أجاد هو على قتالنا؟ ..
إلى آخر القصة، منها أنه سأل ذو الكلاع أبا نوح أن يذهب معه إلى عمرو فذهب معه إليه وأخبره ذو الكلاع فسأله عمرو عن عمار فاستفهمه أبو نوح لم سألت عنه؟ فأعاد عليه الحديث الذي حدث به ذي الكلاع فأخبره أنه فيهم، فسأله عمرو أن يجمع بينهم وبين عمار فجمع بينهم فأخبره عمار أن النبي صلى الله عليه وآله أمره أن يقاتل مع علي عليه السلام الناكثين والقاسطين وأخبره أنهم هم ...إلخ.(1/156)


وروى الشعبي قال: دخل عمرو بن العاص على معاوية فسأله حاجة وقد كان بلغ معاوية عنه ما يكرهه، فكره قضاها وتشاغل، فقال عمرو: يا معاوية إن السخاء فطنة وإن اللؤم تغافل والجفاء ليس من أخلاق المؤمنين، فقال معاوية: يا عمرو بماذا تستحق منا قضاء الحوائج العظام، فغضب عمرو وقال: بأعظم حق وأوجبه إذ كنت في بحر عجاج فلولا عمرو لغرقت في أقل مائه وأرقه ولكني دفعتك فيه دفعة فصرت في وسطه، ثم دفعتك فيه أخرى فصرت في أعلى المواضع منه فمضى حكمك، ونفذ أمرك، وانطلق لسانك بعد تلجلجه، وأضاء وجهك بعد ظلمته، وطمست لك الشمس بالعهن المنفوش، وأظلمت لك القمر بالليلة المدلهمة. ا ه‍.
وكم أروي له من الجراءة بعد المعرفة والكذب على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وآله مع أنا نتحاشا من نقل بعض الأخبار تحاشياً وخوفاً من الإسهاب فيما هو أشهر من نار على علم فقصرنا عنان القلم عن استقصاء بعض ما يلزم.

[المغيرة بن شعبة]
وأما المغيرة بن شعبة الثقفي فقصة إسلامه مشهورة وغدرته بأصحابه في التواريخ مصدورة، وفجرته في الإسلام ظاهرة غير مستورة، ويكفيه جواب الحسن سبط رسول الله صلى الله عليه وآله أحد سيدي شبابي أهل الجنة وأحد ريحانتي نبي هذه الأمة حيث قال: وإن حد الله في الزنا لثابت عليك، ولقد درأ عمر عنك حق الله [والله] سائله عنه، ولقد سألت رسول الله صلى الله عليه وآله: هل ينظر الرجل إلى المرأة يريد أن يتزوجها؟ فقال: ((لا بأس بذلك يا مغيرة ما لم ينو الزنا)) لعلمه بأنك زان. ا ه‍.
وقد نقل غير واحد أنه كان يلعن أمير المؤمنين عليه السلام على منبر الكوفة وهو الساعي بين معاوية وزياد حتى استلحق معاوية زياداً.(1/157)


[أبو هريرة]
وأما أبو هريرة، فروى ابن أبي الحديد أنه غير مرضي الرواية عند المعتزلة...إلى أن قال: ضربه عمر بالدرة وقال: قد أكثرت من الرواية وأحرى بك أن تكون كاذباً على رسول الله صلى الله عليه وآله.
قلت: وروي أنه تهدده بالنفي إلى جبال دوس، قال: وروى سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم التيمي قال: كانوا لا يأخذون عن أبي هريرة إلا ما كان من ذكر جنة أو نار.
وروى أبو أمامة عن الأعمش قال: كان إبراهيم صحيح الحديث فكنت إذا سمعت الحديث أتيته فعرضته عليه فأتيته يوماً بأحاديث من حديث أبي صالح عن أبي هريرة فقال: دعني من أبي هريرة إنهم كانوا يتركون كثيراً من حديثه، وقد روي عن علي عليه السلام أنه قال: ألا إن أكذب الناس ـ أو قال: أكذب الأحياء ـ على رسول الله صلى الله عليه وآله أبو هريرة الدوسي.
وروى أبو يوسف قال: قلت لأبي حنيفة: الخبر يجيء عن رسول الله صلى الله عليه وآله يخالف قياسنا ما نصنع به؟ قال: إذا جاءت به الرواة الثقات عملنا به وتركنا الرأي، فقلت: ما تقول في رواية أبي بكر وعمر، فقال: ناهيك بها، قلت: علي وعثمان، قال: كذلك، فلما رآني أعد الصحابة قال: والصحابة كلهم عدول ما عدى رجالا، ثم عد منهم أبا هريرة وأنس بن مالك.
وروى سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن القاسم عن عمر بن عبد الغفار أن أبا هريرة لما قدم الكوفة مع معاوية كان يجلس بالعشيات بباب كندة ويجلس الناس إليه فجاء شاب من الكوفة فجلس إليه فقال: يا أبا هريرة أنشدك الله أسمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله يقول لعلي بن أبي طالب: ((اللهم وال من والاه وعاد من عاداه))، فقال: اللهم نعم، قال: فأشهد بالله لقد واليت عدوه وعاديت وليه، ثم قام عنه. ا ه‍.
أقول: ولّى أبا هريرة عمر فخانه فأخذ عمر ما وجد معه، ويكفيه مداخلته معاوية وولايته لعمله ومفارقته أمير المؤمنين عليه السلام بعد أن سمع فيه من رسول الله صلى الله عليه وآله ما سمع.(1/158)


قال عبد الرحمن الشافعي الملقب بأبي شامة في رسالته (مختصر كتاب المؤمل): وروى محمد بن الحسن عن أبي حنيفة أنه قال: أقبل من كان من القضاة من الصحابة ـ وفي رواية: جميع الصحابة ـ ولا أستجيز خلافهم إلا ثلاثة نفر: أنس بن مالك، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب، فقيل له في ذلك فقال: أما أنس فاختلط في آخر عمره وكان يفتي من عقله وأنا لا أقلد، وأما أبو هريرة فكان يروي كل ما سمع من غير أن يتأمل في المعنى ومن غير أن يعرف الناسخ والمنسوخ. ا ه‍.
قال: وكذلك روى ابن قتيبة أن عائشة كذبت أبا هريرة.
وأخرج أبو داود الطيالسي عن عائشة أنها أنكرت على أبي هريرة بعض الأخبار.
وأخرج البخاري في صحيحه ما لفظه: عن نافع يقول: حدث ابن عمران أبا هريرة يقول: ((من تبع جنازة فله قيراط)) فقال: أكثر أبو هريرة علينا فصدقت -يعني عائشة- أبا هريرة وقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقوله، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة. ا ه‍.
وفيه: أن أبا هريرة اعتذر عن قولهم أنه أكثر بالآية، فقف عليه تعرف تهمة الصحابة له بالكذب حتى استهزأ به ابن عمر فقال: لقد فرطنا في قراريط كثيرة.

[سمرة بن جندب]
فأما سمرة بن جندب فكان على شرطة زياد سفاكاً للدماء يفعل الأفاعيل، روى الأعمش عن أبي صالح قال: قيل لنا: قدم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله فأتيناه فإذا هو سمرة بن جندب وإذا عند إحدى رجليه خمر وعند الأخرى ثلج فقلنا: ما هذا؟ قالوا: به النقرس. ا ه‍.
وقيل له: اتق الله تقتل هذا وتقتل هذا على الظنة، فقال: وأي بأس في ذلك إن كان من أهل الجنة مضى إلى الجنة وإن كان من أهل النار مضى إليها. ا هـ شرح النهج بالمعنى.(1/159)


وكان سمرة على شرطة ابن زياد يوم مقتل الحسين بن علي عليه السلام وكان يحرض الناس على الخروج عليه وقتاله وهو الراوي لما بذل له معاوية أربعمائة ألف أن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ...}[البقرة:204] الآية، نزلت في علي عليه السلام وأن قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ}[البقرة:207] نزلت في ابن ملجم لعنه الله. ا ه‍.
قلت: وهو القائل لما عزله معاوية عن إمارة البصرة: لعن الله معاوية والله لقد أطعته طاعة لو أني أطعت الله مثل ذلك ما عذبني قط. كلامه أو معناه خسر الدنيا والآخرة، وهو آخر الثلاثة موتاً الذين قال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله: ((آخركم موتاً في النار)).

[الدعوة إلى الله ووسائلها]
[ابن الوزير] قال ـ رحمه الله ـ : قال المعترض: ويقال ما تقول إذا وردت شبهات الملحدين ومشكلات المشبهة والمجبرة المتمردين وقد ساعدك الناس إلى إهمال النظر في علم الكلام وهل هذه إلا مكيدة للدين...إلى آخر ما ذكره.
أقول: لا يخلو الكفرة إما أن يطلبوا منا أدلتنا حتى يسلموا أو يوردوا علينا شبههم حتى نترك الإسلام فهاتان مسألتان:
أما المسألة الأولى: وهو إذا سألونا أدلتنا حتى يسلموا.
فالجواب من وجوه:
الوجه الأول: أن نقول لأهل الكلام: ما تقولون للكفرة إذا قالوا: إن أدلتكم المحبرة في علم الكلام شبهة ضعيفة وخيالات باردة كما قد قالوا ذلك وأمثاله فما أجبتم به بعد الاستدلال والنزاع والخصومة فهو جوابنا عليهم قبل ذلك كله. ا ه‍.
[المؤلف] قلت: أما مع عدم المعرفة فما يكون الجواب الجملي مع إرادة الإنصاف، وأما مع المكابرة فلا يضر دعوى من ادعى ضعف الدلائل العقلية المنيرة الشاهد لها السمع.(1/160)

32 / 46
ع
En
A+
A-