[تقديم بقلم نجل المؤلف]
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي علم الإنسان ما لم يعلم، والصلاة والسلام على القائل: ((اللهم اجعل العلم في عقبي وعقب عقبي)) وعلى آله الذين أمرنا بالتمسك بهم من الضلال.
وبعد .. فإن السيد العلامة الفاضل الأستاذ عبد الله بن حمود بن درهم العزي حفظه الله وبارك فيه أرسل إلينا ملزمة من كتاب (العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم) لمؤلفه والدي المرحوم حجة الإسلام المفتي أحمد بن أمير المؤمنين الإمام الهادي الحسن بن يحيى بن علي القاسمي المؤيدي الضحياني وطلب أن أقابلها على الأصل وأصحح الخطأ وأن أضع ترجمة للمؤلف ـ رحمه الله ـ ومقدمة للكتاب، فأما الترجمة فقد كتبت سطوراً أشرت فيها إلى نسبه ومقروءاته وطلبته ومؤلفاته مع اعترافي بالتقصير.
أما المقدمة للكتاب فقد رأيت كثيراً من المقدمين للكتب يفعلون مقدمات يسهبون فيها كثيراً حتى مل القراء من قراءة المقدمات إلا أني أقول لأخي القارئ: إنك ستطلع على حوار ونقاش وجدال بين ثلاثة من جبال العلم، وأساطين الحِكم، ورؤساء الفكر، وأئمة النقاش والجدال من أهل بيت النبي المختار {ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ}[آل عمران:34] فما عليك إلا أن تجول بصحيح النظر بين رياض الأفكار، وعقول الأحرار، ونقاش الأعلام، وعبارات الأدباء، وإشارات الحلماء، وإلزامات الفصحاء.
فأولهم العلامة شيخ الإسلام علي بن محمد بن أبي القاسم محمد بن جعفر بن محمد بن الحسين بن جعفر بن الحسين بن أحمد بن يحيى بن عبد الله بن يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين العالم الكبير، والمجتهد النحرير، قرأ على مشائخ العلم الكبار، وله مؤلفات وفتاوى كثيرة وتفسير عظيم وجمع غفير من التلاميذ، ولما استنكر من أحد تلاميذه شطحات غير لائقة من مثله علما وحلماً وأدباً أرسل إليه رسالة بيّن فيها غلطاته من باب النصيحة والشفقة.
أما من هو هذا التلميذ فهو السيد العلامة والحبر الفهامة إمام المعقول والمنقول محمد بن إبراهيم الوزير.(1/11)


والذي هو الرجل الثاني قام بالرد على شيخه شيخ الإسلام علي بن محمد بن القاسم بتأليف (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) وكأنه تطاول فيه على شيخه مما أثار الرجل الثالث وهو العلامة النحرير والمفتي الكبير حجة الإسلام أحمد بن أمير المؤمنين الهادي لدين الله رب العالمين الحسن بن يحيى بن علي القاسمي المؤيدي اليحيوي الضحياني مؤلف هذا الكتاب الذي بين يديك الموسوم ب‍(العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم) قصد بذلك انتصاراً لشيخ ابن الوزير هذا.
وأما رسالة هذا الشيخ إلى تلميذه ابن الوزير فلم نعثر على صورة منها ولا على اسمها ولا تاريخ إنشائها إلا ما أثبته الإمام محمد بن إبراهيم الوزير في مؤلفه (الروض الباسم) منها، وكنا نود العثور عليها، أما (الروض الباسم) فهو بين أيدينا.
والخلاصة أن الذي أثار الخلاف بين الشيخ وتلميذه ابن الوزير هي الآثار التي رويت في كتابي (البخاري) و (مسلم) هل رواتها ثقات فيعمل بها ويستدل بها أم غير ذلك؟
فالشيخ يقول: هذه الآثار رواتها غير موثوقين لأنهم وأكثرهم من المجسمة والمشبهة والجبرية والمرجئة وهؤلاء عندنا كفار تأويل وفساق تأويل، ومن هذه حاله فأقل أحواله أنه متهم في دينه، والمتهم لا تقبل روايته.
وأما العلامة ابن الوزير فأجاب على شيخه بأن أصل الأدلة الكتاب والسنة وأن هذه التهمة لأهل الحديث تعطل أحد الدليلين وهي السنة وأن لولا محافظة أهل الحديث على السنة وتنقيتها من الشوائب وما قاموا به من الجرح والتعديل وتبيين الحسن من المعتل وغير ذلك لضاعت السنة وانتشرت البدعة، ولقال كل بما يريد، ولكن فرسان هذا الشأن وأبطال هذا الميدان من أهل الحديث أوقفوا كلاً عند حده، وقال: إن أهل الكلام من المعتزلة والزيدية عالة على أهل السنة لا يعرفون طريقة أهل الحديث وليس لهم كتب في الجرح والتعديل والعلل ونحو ذلك وما أراد إلا الذب على السنة وأهلها فقط.(1/12)


فأجاب مؤلف هذا الكتاب (العلم الواصم) على ابن الوزير بأنما ادعى لأهل الحديث في الفضل بحفظ السنة وأن لولاهم لضاعت السنة فغير مسلم، اللهم إلا سنة معاوية وشيعته قديماً وحديثاً، فصحيح وأما سنة رسول الله÷ فهي موجودة محفوظة من طريق أهل بيت رسول الله÷ الذي أمرنا الله ورسوله باتباعهم والاقتداء بهم، وأنهم الثقل الأصغر وأنهم الأمان للأمة من الضلال والهوان، وهذه كتبهم والحمد لله تنادي بذلك على ظهر البسيطة، وهم الذين كافحوا وناضلوا عن السنة باللسان وبالسيف والسنان والقلم حتى قتلوا في كل سهل وجبل، وشردوا في الآفاق؛ لأنهم لم يكونوا من أعوان الظلمة وأنصارهم، ولا من شيعة الطلقاء وأنصارهم؟!
وعلى ما ذكرنا جرى بينهم السجال وكثر بينهم التفاني والجدال، وإنما أردت الإشارة إلى الموضوع وإلا فالحكم للقاري إن تأمل وأمعن النظر ولم يختلط عليه كلام المترسل بجواب ابن الوزير برد المؤلف فالفرق في بعض المباحث لا يدرك إلا بتأمل ودقة، ولعمري إن من تمسك بعترة رسول الله وحمى حماهم وجادل وناضل عنهم فقد استبرأ لدينه فنجا من الضلال وأمن من الهلاك وسلك سبيل الرشد والأمان، وإن المحاجج والمجادل عن الذين يختانون أنفسهم الذين لم يسلموا ولكن استسلموا، أعداء أهل بيت الرسالة، والخائنين في العهود والأمانة، الناكثين والمارقين والقاسطين قصير باعه وإن تطاول، هين دليله وإن تظاهر، مدحوضة حجته، مخذولة نصرته، ولا يغرنك الكثرة، فقد مدح الله القلة، {وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلاَّ قَلِيلٌ}[هود:40]، وذم الكثير: {وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ}[يوسف:103] .(1/13)


وإننا نرى أهل بيت رسول الله على قلتهم وشيعتهم اجتمع عليهم أكثر المسلمين من عند الطلقاء وأبناء الطلقاء الناكثين والمارقين والقاسطين إلى هذا اليوم بكل قواهم من عدة وعديد وأموال وحصون وسلاح وخيل ورجل وغير ذلك، ولم يستطيعوا أن يطفئوا نور الله، ولا يغيروا شريعة الله، ولا يكتموا سنة رسول الله÷، رغم أن الناس مع الدنيا والملوك إلا من عصم الله.
هذا والموضوع حري بالتأمل وجدير بالبحث والنقاش {لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ}[الأنفال:42] وقبل الانتهاء أنبه على أشياء:
أولاً: أن العلامة محمد بن إبراهيم الوزير سني المذهب وشيخه المترسل عليه والمؤلف زيديي المذهب، والقاعدة الأصولية الحقة أن الخصم لا يستدل على خصمه بما يرويه أهل نحلته؛ لأنه من باب استدلال الخصم على بدعته بمذهبه وبشهادته وهذا هو الحيف نفسه، لكن الحق أن أهل السنة يستدلون على الزيدية من كتبهم، والعكس كما فعله المترسل والمؤلف واستدلا به على ابن الوزير، فتنبه لهذه فإنها مهمة!
ثانياً: أن الخمسة أهل الكساء حجة فيما قالوا بحسب الكتاب والسنة المتواترة، وكذلك كبار أهل البيت عدول بتعديل رسول الله لهم؛ لأنه أمرنا باتباعهم، وكذلك إجماع أهل البيت حجة، فافهم هذه القواعد لتكون على بصيرة.
ثالثاً: أن الزيدية ليسوا بمقلدين إن اتبعوا أهل بيت النبوة، بل مأمورون بذلك، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}[آل عمران:31] والرسول÷ يقول: ((إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي أبداً كتاب الله، وعترتي أهل بيتي...)) الحديث، رواه أهل دواوين الإسلام، فنحن مأمورون بالتمسك بهم كالتمسك بالكتاب فافهم هذا.
وقد أبلغنا الجهد في المقابلة والإصلاح، نرجو الله أن يوفق الجميع، ويجعل الأعمال خالصة لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
حرر بجامع الرضوان بضحيان، 8/ ربيع آخر/ 1422ه‍.
كتبه الفقير إلى الله
محمد بن أحمد حسن الهادي
وفقه الله(1/14)


ترجمة للوالد شيخ الإسلام أحمد بن الإمام الهادي ـ رحمه الله
نسبه عليه السلام
هو السيد العلامة شيخ الإسلام ونبراس العلماء الأعلام، إمام كل فضيلة، والمرجع لحل كل مشكلة، المجتهد المطلق، والمفتي الأكبر، ذو التصانيف الفائقة، والعلوم الزاخرة، والأنظار الدقيقة، والأقوال السديدة الواسعة، إمام معقولها والمنقول، صفي الإسلام، أحمد بن أمير المؤمنين الهادي لدين الله رب العالمين الحسن بن يحيى بن علي القاسمي المؤيدي الضحياني بن أحمد بن علي بن قاسم بن حسن بن علي بن محمد بن أحمد بن الحسن بن زيد بن محمد بن القاسم بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن المؤيد بن أحمد بن يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى الناصر بن الحسن بن عبد الله بن المنتصر محمد بن المختار القاسم بن الناصر أحمد بن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم".(1/15)

3 / 46
ع
En
A+
A-