الكتاب : العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم المؤلف : العلامة أحمد بن الحسن بن يحيى القاسمي |
العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم
مقدمة التحقيق
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا وحبيبنا محمد الأمين، وعلى آله الطيبين الطاهرين.
وبعد ..
فهذا كتاب (العلم الواصم في الرد على هفوات الروض الباسم) للسيد العلامة أحمد بن الحسن بن يحيى القاسمي المتوفى سنة 1375هـ ـ رحمه الله تعالى رحمة الأبرار ـ وهو رد على بعض هفوات كتاب (الروض الباسم في الذب عن سنة أبي القاسم) مختصر (العواصم والقواصم) للسيد العلامة الكبير محمد بن إبراهيم الوزير المتوفى سنة 840ه رحمه الله تعالى.
والباعث الحقيقي لتأليف كتاب (العواصم والقواصم) هو أن الإمام علي بن محمد بن أبي القاسم المتوفى سنة 837ه ـ رحمه الله تعالى ـ كتب رسالة إلى تلميذه السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير بين له فيها قواعد الحديث عند الزيدية، ولاحظ على بعض قواعد المحدثين، فزعم تلميذه العلامة النحرير محمد بن إبراهيم الوزير أن في ذلك تنقيصاً للمحدثين.
وفي معرض رده على شيخه تناول كثيراً من المواضيع التي لم يتطرق إليها شيخه، الأمر الذي أوقعه في جمع الغث والسمين، والتنكر لكثير من أسس ومناهج سلفه الصالحين من أهل البيت الطاهرين كما صرح بذلك في مقدمته لكتابه (العواصم) قال: (وقد سلكت في هذا الجواب مسالك الجدليين فيما يلزم الخصم على أصوله، ولم أتعرض في بعضه لبيان المختار عندي، وذلك لأجل التقية من ذوي الجهل والعصبية، فلينتبه الواقف عليه على ذلك فلا يجعل ما أجبت به الخصم مذهباً لي، ثم إني قد اختصرت هذا الكتاب في كتاب لطيف سميته: (الروض الباسم) وهو أقل تقية من هذا ولن يخلو).
ومن خلال هذا ندرك أن الغرض من الرد هو تكثير الاستدلالات وجمع الشبهات، وقد لاحظ ذلك ابن الوزير نفسه، إذ قال: (فلا يخلو كلامي من الخطأ عند الانتقاد، ولا يصفو جوابي من الغلط عند النقاد).(1/1)
وقد وجد فيه ــ أي في (الروض الباسم) ـ مؤلف هذا الكتاب الذي بين يديك ما تطلع عليه في ثنايا هذه الصفحات، فكيف به لو اطلع على (العواصم والقواصم) التي أكثر فيها مؤلفها من القعقعة، وشحنها بالجعجعة، وجعلها سلماً للمتمسلفين ومرتكزاً للمبتدعة.
والحقيقة أن السيد العلامة محمد بن إبراهيم الوزير ـ رحمه الله تعالى ـ يعتبر من جبال العلم وأساطين الحكم والفهم، ولكنه في كتابه (العواصم والقواصم) ومختصره (الروض الباسم) قد تنكر لمذهب أسلافه الأخيار، الذين وصفهم هو بنفسه فقال: (وعلى آله الذين أمر بمحبتهم، واختصهم للمباهلة بهم، وتلا آية التطهير بسببهم، وبشر محبيهم أن يكونوا معه في درجته يوم القيامة، وأنذر محاربيهم بالحرب، وبشر مسالميهم بالسلامة، وشرع الصلاة معه عليهم في كل صلاة، وقرنهم في حديث الثقلين بكتاب الله، ووصى فيهم وأكد الوصاة بقوله: ((الله، الله)) خرجه مسلم فيما رواه، وزاد الترمذي وسواه: بشراه لذوي قرباه، إنهما لن يفترقا حتى يلقاه).
لا أدري ماذا أقول بعد كلام ابن الوزير هذا في أهل البيت الطاهرين"، والعجيب أنه سلك غير مسلكهم فيما حكاه ورواه، ونهج غير منهجهم فيما أورده وارتضاه، ولم يلتزم في كتابيه (العواصم) و(الروض الباسم) الوصية والوصاة، بل تعدى ذلك وتخطاه. وكأنه نسي ما زاده الترمذي وسواه: بشرى رسول الله لمن حب قرباه، وتناسى أن الكتاب والعترة قرينان لن يفترقا حتى يلقاه.
وقد أزال عجبي وأزاح استغرابي جواب شقيقه العلامة الأواه الهادي بن إبراهيم الوزير في قصيدته الرائعة التي أجاب بها على شقيقه العلامة الكبير محمد بن إبراهيم الوزير ـ رحمه الله تعالى ـ وهي طويلة نقتطف منها هذه الأبيات قال:
يا عاذلي في حب آل محمد .... دع ما تقول فأنت غيرُ مُحمَّدِ
لو كنت تعذل في محبة غيرهم .... لعلمتُ أنّك بالنصيحة مرشدي
أأحبهم وأُحبُّ غير طريقهم .... هذا المحال من المقال الأبعدِ(1/2)
من مال عنهم لم يكن منهم، وسَلْ .... أهلَ المعارف والطريق الأرشدِ
أنا منهم في فعلهم ومقالهم .... يا شاهد الله المهيمن فاشهدِ
ومنها:
مالي أراك وأنت صفوة سادةٍ .... طابت شمائلهم لطيب المَحْتدِ
تمتاز عنهم في مآخذ علمهم .... وهُمُ الذين علومهم تُروي الصدي
أخذوا مباني علمهم وأصولهم .... عن أهلهم من سيد عن سيد
سند عن الهادي وعن آبائه .... لا عن كلام مُسدَّد بن مُسرهدِ
سند عن الآباء والأجداد في .... أحكامهم وفنونهم والمفرد
وكذاك في (التجريد) و(التحرير و(الت .... عليق) و(المجموع) ثم (المرشدِ)
لهم من التصنيف ألف مصنف .... ما بين علم سابق ومجدد
قد قلت في الأبيات قولاً صادقاً .... ولقد صدقت وكنت غير مفنّدِ
هم باب حطة والسفينة والهدى .... فيهم وهم للظالمين بمرصد
وهم الأمان لكل من تحت السماء .... وجزاء أحمد وِدَّهم فتودَّدِ
والقوم والقرآن فاعرف قدرهم .... ثقلان للثقلين نص محمد
وكفى لهم شرفاً ومجداً باذخاً .... فرض الصلاة لهم بكلِّ تشهدِ
هذا مقالك في القصيد وإنه .... محض الصواب وعصمة المسترشدِ
فأتمَّ قولك بالمصير إليهم .... في كل قول يا محمد تهتدي
فهم الأمان كما ذكرت ونهجهم .... نهج البلوغ إلى تمام المقصد
ما لي أراك تقول فيهم هكذا .... وبغير مذهبهم تدينُ وتقتدي
أوليس هم حجج الإله على الورى .... والفلك في بحر الضَّلال المزبد
ما كان أحسن حسن فهمك ترتقي .... درجات علمهم إلى المتصعد
حتى إذا استوريت زند علومهم .... وأردت تزند ما بدا لك فازند
بعد النهاية في العلوم ودرسها .... وإحاطة المتوغل المتجرد
ولأنت فرعٌ باسق من دوحة .... شرُفَت بحيدرة الوصيِّ وأحمد
متردد بين النبوة والهدى .... من أهله ناهيك من متردد(1/3)
فأعد هداك الله نظرة وامقٍ .... في علمهم تلق الرشاد لمرشد
وتوسَّمِ العلمَ الذي في كتبهم .... تجد الدراية والهداية عن يد
وذكرت سنة أحمد وحديثه .... يا حبَّذا سننُ النبي محمد
أورد مسائلها ورد في مائها .... يا حبَّذاك لوارد ولمُورد
لسنا نقول: بأن سنة أحمدٍ .... متروكةٌ وحديثه لم يوجد
بل سنة المختار معمولٌ بها .... وحديثه شف النضار العسجد
ومقالهم في سنة وجماعة .... قول رديء ليس بالمتمخد
سبوا الوصي وأظهروها سنة .... لبني الدنا من مغورين ومنجد
وكذاك سموا حين صالح شبّرٌ .... ابن التي عُرفت بأكل الأكبد
عام الجماعة واستمروا هكذا .... حتى تملك عصره المستنجد
أعني به عمراً فأنكر بدعةً .... ونظيره في عدله لم يُوجد
ونقول في كتب الحديث محاسن .... من سنة المختار لما نقصد
لكن نُرجّح ما رواه أهلنا .... سفن النجاة وأهل ذاك المسجد
ونقول: مذهبهم أصح رواية .... وأمتّ في متن الحديث المسند
فبهم على كل الأكابر نبتدي .... وإليهم أبداً نروح ونغتدي
وبهديدهم في كل سمت نهتدي .... وبقولهم في كل أمر نقتدي
وبفعلهم في كل مجدٍ نحتذي .... وبعلمهم في كل وقتٍ نجتدي
وإذا تعارض عندنا قولٌ لهم .... ولغيرهم قولٌ وإن هو واحدي
ملنا إلى القول الذي قالوا به .... لتوثق في حفظهم وتشدد
وتصلب في دينهم وتنزه .... وتورع في كسبهم وتزهد
ولما روينا فيهم عن أحمد .... حسبي به للمقتدي والمهتدي
فاليوم عصمتنا بهم وبحبهم .... وهم الأئمة والأدلة في غد
نشروا العلوم وأيدوا دين الهدى .... علماً بهادٍ فيهم ومؤيد
ومضوا على سنن الجهاد ورسمه .... ما بين مقتول وبين مشردِ
ومخلد في حبسه ومطرد .... عن أهله ومصلّب ومقيّدِ(1/4)
من في البرية يا محمد مثلهم .... في فضلهم وجهادهم والسؤدُدِ
وذكرت تصحيح الخلاف وأنهم .... قد خالفوا آبائهم بتعمد
فصدقت فيما قلته وحكيته .... وقع الخلاف وليس ذاك بمفسد
إن الصحابة ماج فيما بينهم .... شرع الخلاف وهم صحابة أحمدِ
وكذا الأئمة بعدهم لما تزل .... آراءهم في العلم ذات تبدُّدِ
والحق تصويبُ الخلاف وما تر ال .... إجماع إلا في نوادر شرد
وذكرت أن الموت يقطع في الهدى .... تقليد صاحبه لكل مقلد
وحكيتَ ذلك مذهب الجمهور عن .... علمائهم بينت كالمستشهد
فخلاف ذلك ظاهرٌ متعارف .... في كتبنا وبكتبهم فاستورد
قد نصّ بيضاويهم في (شرحه) .... تجويز تقليد الإمام الملحد
وكذاك في (المعيار) جوزه وقد .... أفتى به حسنٌ سليل محمد
قالوا جميعاً للضرورة: إنه .... لم يبق مجتهد فَطُفْ وتفقد
قالوا: وإلا أي فائدة لنا .... في درس علم الشافعي وأحمد
وكذاك درس علوم آل محمد .... كم دارس لعلومهم متفرد؟
فإذا تبين أن تقليد الورى .... حق لمهدي وهادٍ قد هُدي
وأصبت فيما قلت مت تصويب أه .... ل العلم في فنِّ الخلاف الأمجد
فن الفروع فإنه لا بأس في .... سَعَةِ الخلاف به لك مجرد
وذكرت قولك في الكلام وما لهم .... فيه من القول الغريب الموجد
فلقد ذكرت من العلوم أجلّها .... قدراً وأعظمها لكل موحد
فن به شهد الكتاب وصحة ال .... ألباب ليس لفضله من مَجْحَدِ
راضته أفكار الأفاضل واغتدى .... كالدرّ بين زبرجد وزُمرد
ما فيه من عيب سوى أن دققوا .... لدفاع قول الفيلسوف الملحد
لولا صناعتهم وحسنُ كلامهم .... نزعت يد الحربا لسان الأسود
وصدقت أن محمداً في صَحبه .... لم يعرفوا تلك العبادة عن يد(1/5)