[الكاملية ورأيها في النص الجلي]
وممن خالف في أمر علي عليه السلام الكاملية أصحاب أبي كامل، ورأيهم رأي الإمامية في النص الجلي سواء سواء إلاَّ أنهم يقولون أن الأمة كفرت بمنع علي حقه، وكفر علي بترك طلب حقه، وهذا قول ساقط، فتركنا الكلام عليه لظهور فساده ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أخبرنا أن الحق لا يخرج من أيدي الأئمة، وأن الحق لا يفارق العترة، وقد ورد من الأخبار الظاهرة بعصمة علي عليه السلام كحديث الكساء وغيره ما بعضه كاف في هذا الباب، فكيف يصح أن يدعى عليه الكفر أو الكبائر مع ثبوت العصمة.(1/41)


[الحكم في المتقدمين على أمير المؤمنين عند الزيدية]
وأمَّا حكم المتقدمين على علي عليه السلام ومن شايعهم على ذلك: فعندنا أنهم عصوا بترك الإستدلال على إمامة أمير المؤمنين، وعصوا بالتقدم عليه، وهو الفاضل المنصوص عليه، ولا نقطع على أن معصيتهم كبيرة تحبط أعمالهم لعظم الحال في ثواب مؤاساة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبذل الروح والمال دونه، ولا نقطع على أنها صغيرة ؛ لأنه لا يعلم مقادير الثواب والعقاب والصغائر بعيونها إلاَّ الله تعالى، فَنَكِلُ أمورهم إلى الله تعالى.(1/42)


[عند الإمامية]
وعند الإمامية أنهم خالفوا المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة في أمر علي عليه السلام فكفروا، وإن كان منهم من يتعدَّى أو يقول أنهم كانوا منافقين على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نجم نفاقهم وبان شقاقهم.(1/43)


[الرد على الإمامية]
والكلام عليهم في ذلك: إنا نقول: هذا قول لا دليل عليه، وما لا دليل عليه فلا يكون بالصحة أولى منه بالفساد.
فإن قالوا: الدليل على ذلك ورود الوعيد على العاصين والظالمين، كما قال تعالى: ?وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا?[الجن:23]، وقوله تعالى: ?مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلا شَفِيعٍ يُطَاعُ?[غافر:18]، وهذا نهاية الوعيد، وقد صح ظلم القوم لعترة نبيهم صلى الله عليه وآله وسلم ومعصيتهم لتقدمهم على الإمام المنصوص عليه.
قلنا: مجرد الظلم والمعصية لايدل على ما ذكرتم من استحقاق الوعيد ؛ لأن الله تعالى قد حكى المعصية والظلم من الأنبياء عليهم السلام، ولا وعيد عليهم بالإجماع، قال تعالى: ?وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى?[طه:121]، وقال تعالى حاكياً عن يونس: ?فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ?[الأنبياء:87]، وإنما يصح الوعيد متى عُلم أن المعصية كبيرة، أو الظلم، ولا تكون كبيرة إلاَّ بدليل ؛ لأن مقادير الثواب والعقاب لا يعلمها إلاَّ الله تعالى، أو من أعلمه بذلك، ولأنا نعلم أن علياً عليه السلام لم يكن يعاملهم معاملة الفاسق والمنافق، بل يعاتبهم وينعي عليهم أفعالهم، ولا يسبهم، ولا يعلم منه البرآة منهم، كما كان يظهر البرآة من الفساق والمنافقين، وذلك الظاهر المعلوم من ذريته الأئمة الطاهرين، والأئمة العلماء إلى يومنا هذا، لا نجد أحداً يحكي عنهم حكاية صحيحة لسب ولا برآءة، بل وكلوا أمرهم إلى رب العالمين.(1/44)


[حكم المخالفين لأمير المؤمنين]
وأمَّا حكم المخالفين له عليه السلام، المباينين بالحرب من الناكثين وهم: طلحة والزبير وعائشة، وأتباعهم.
والقاسطين وهم: معاوية وعمرو بن العاص، والوليد بن عقبة وأتباعهم.
والمارقين وهم: عبدالله بن وهب الراسبي، وابن الكوا وحرقوص وأتباعهم فهؤلآء عند الإمامية كفار على سبيل العموم.
والكلام عليهم في ذلك: إن الكفر اسم لمعاصٍ مخصوصة، كإنكار الباري سبحانه، أو الإلحاد في أسمائه، أو تكذيب رسله إلى غير ذلك يتبعها أحكام مخصوصة كحرمة الموارثة، والمناكحة، والدفن في مقابر المسلمين، إلى غير ذلك، ولم تكن هذه صفة القوم، وإنما نقول بكفر بعضهم لأمورٍ ظهرت منه، كما نقول في كفر معاوية لخلافه ما علم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة من قوله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) فألحق الولد بالعاهر في ادعائه أخوة زياد بالزنا، وخالف المعلوم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فكان كافراً بتكذيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي شهدت المعجزات بصدقه، وأجمعت الأمة على كفر من كذبه، وقد سئل علي عليه السلام عن الخوارج أكفارٌ هم؟ قال: من الكفر هربوا. قيل: أمؤمنون؟ قال: لو كانوا مؤمنين ما قاتلناهم، قالوا: فما هم؟ قال: إخواننا بالامس بغوا علينا فقاتلناهم حتى يفيؤا إلى أمر الله، ويقضى على عمومهم بالفسق لخروجهم على الإمام ؛ ولأن علياً عليه السلام قتلهم، ولا يحل قتل المؤمنين ولا المسلمين، وقد ورد في ذلك الوعيد العظيم.
وعلي عليه السلام ليس من أهل الوعيد لعصمته، وقد كان من أعظم المسلمين نكايةً في القوم، حتى قيل: إنه قتل في ليلة الهرير خمسمائة رجل ونيف على ثلاثين رجلاً، وإذا لم يكونوا مؤمنين كانوا فاسقين، إذ لا واسطة بين الفسق والإيمان في المكلفين، وإنما قد ذكرت توبة قومٍ فأخرجناهم عن حكمهم لأن الله تعالى يقبل توبة التائبين كالزبير، وطلحة، وعائشة، فإن توبتهم قد نقلت.(1/45)

9 / 73
ع
En
A+
A-