[اختلاف الناس في الإمامة]
وكان اختلاف الناس في الإمامة وهي من أهم مسائل الأصول القافي مسائل العدل والتوحيد ؛ لأن الإمامة وراثة النبوة، وعليها مدار الأعمال الشرعية ؛ لأن الأئمة هم القادة إلى الله والدعاة إليه، قال الله تعالى: ?يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ?[الإسراء:71]وقال الله تعالى في إبراهيم: ?إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ?[البقرة:124]، فصحح الإمامة لمن كان غير ظالم من ذريته، وقد قال سبحانه: ?وَجَعَلَهَا كَلِمَةً بَاقِيَةً فِي عَقِبِهِ?[الزخرف:28]، وقال تعالى: ?وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا?[السجدة:24] وقال تعالى: ?أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ?[النساء: 59]، وأولو الأمر هم الأئمة بالإتفاق، وقال تعالى: ?وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا?[المائدة: 38]، وقال تعالى: ?الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ?[النور:2]، وقد وقع الإجماع من علماء المسلمين كافة أن هذه الحدود لا يقيمها إلاَّ الأئمة، أو النائب من قبلهم، وإن وقع الخلاف في أعيان الأئمة، وقال تعالى: ?يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِي اللَّهِ...?[الأحقاف:31] الآية فدل على أن هناك داعياً ولا داعي تجب إجابة دعوته إلاَّ الإمام ؛ ولأن الأمة أجمعت بعد نبيها صلى الله عليه وآله وسلم على الفزع إلى الإمام، وإن اختلفت في عينه، فقال قائل هو علي بن أبي طالب عليه السلام بالنص، وقال قائل هو أبوبكر بن أبي قحافة بالعقد والإختيار، وقال قائل هو سعد بن عبادة بالنصرة والموالاة، ولم يوجد قائل بأنه لا حاجة إلى الإمام.(1/31)
[إمامة أمير المؤمنين وولديه]
وإذ [قد] تقررت هذه الجملة وقد قدمنا في الدلالة على إمامة علي بن أبي طالب عليه السلام، وأنه أولى الخلق بخلافة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا فصل، وتراثه وعلمه ووصيته، وإن ذلك لولديه عليهما السلام على مراتبهما الحسن ثم الحسين بنص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وإجماع علماء الأمة، إلاَّ من لا يعتد بخلافهم من النوابت الكفرة، والنواصب الفجرة، وجعلنا ذلك في كتب كثيرة منها (شرح الرسالة الناصحة)، ومنها (الرسالة النافعة)، وبسطنا في الكتاب (الشافي) بسطاً بليغاً لا يكاد يوجد مثله في شيء من كتب الأصول، فانقطع بذلك شغب المخالفين لنا من العامة على اختلاف أقوالها، واتفاقها على خلافنا في الإمامة، وقامت لنا الحجة عليها بما ذكرناه، إذ قد احتججنا على العامة من أقوالها وروايتها التي لو شكت في سواد الليل وبياض النهار لما شكت فيها، وكيف تشك في أمرٍ صححته ونقلته وزيلته وغربلته، فمن أراد علم شيء من ذلك فليطلبه في المواضع التي عيّناها.(1/32)
[الهدف من الكتاب]
فإنا قد استغنينا بما ذكرنا عن إعادته في هذا المكان ؛ ولأن مقصودنا في هذا الكتاب إنما هو الكلام مع الشيعة في خلافها في الإمامة ؛ لأنها ادعت التميز على العامة لموالاة آل الرسول صلى الله عليه وعليهم، واعتقاد الإمامة لهم دون غيرهم، وأن الحق فيهم لا يفارقهم، ولا بد إذا أردنا الكلام معهم من تبيين أقوالهم ورجالهم ؛ لأنه لا يحسن منا أن ننقض ما لا نعلم ولا نرد على من لا نعرف، وقد جرى الخلاف بيننا وبين من يدعي التشيع في علي عليه السلام، وفي أولاده صلوات الله عليهم إلى يومنا هذا، فإنما نذكره على مراتبه وننهيه إلى غايته، فإذا أتينا على آخره ذكرنا ما تعلقت به كل فرقةٍ، وتكلمنا عليها ونقضنا مقالها ببرهان موصلٍ إلى العلم إن شاء الله ?لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ?[الأنفال:42](1/33)
[وجوه الخلاف بين الشيعة في علي عليه السلام]
فالخلاف بين الشيعة في علي بن أبي طالب أمير المؤمنين عليه السلام في وجوه:
- أحدها: في كيفية النص عليه عليه السلام بعد اتفاقهم على ثبوت إمامته بالنص.
- وثانيها: في حاله بعد ظهور قتله وإخبار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بذلك، وإخبار علي عليه السلام بذلك من بعده، وكون ذلك معلوماً بالضرورة.
- وثالثها: في حكم المتقدمين عليه المخالفين له.(1/34)
[الخلاف في النص]
أمَّا الخلاف في النص: فمذهبنا أن النص عليه عليه السلام من الكتاب والسنة نصٌ لا يعلم المراد منه بظاهره ضرورة، ولا بد من الإستدلال، وترجيح ما نقول فيه على سائر الأقوال، مع إجماعنا على أن النص في نفسه معلوم ضرورة من الله سبحانه ومن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ؛ وإنما الخلاف في المقصود منه، والمراد به، ويخالفنا في ذلك الغلاة، والإمامية.
فأمَّا الغلاة: فمذهبهم يخرج عن الإسلام ؛ لأنهم يفترقون على ثلاث فرق:
- فرقة زعمت أنه تعالى ظهر في الأئمة على ما لم يزل عليه في القدم.
- وفرقة زعمت أنه ظهر على صورة البشر.
- وفرقة زعمت أنه فوض إلى الأئمة الخلق والرزق، ومن قال إنه يظهر في صورة البشر قال إنه احتجب بالأئمة فعندهم عليَّ هو الله، تعالى عما يقولون علواً كبيراً، ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم عندهم رسول علي عليه السلام، فكيف ينبغي أن يذكر من هذه حاله في فرق الإسلام؟؟ ولا نرد عليهم إلاَّ ما نرد على المشبهة والثنوية، وإنما أضفناهم إلى التشيع للتسمية لا غير.(1/35)