[شبهة: الإحتياج إلى الإمام كاحتياج الرسول والرد عليها]
شبهة
قالوا: إنه يحتاج إليه للدعاء إلى الدين كما يحتاج إلى الرسول في ذلك.
الكلام في ذلك: إنه لايخلو إما أن يدعو إلى دين جديد ينسخ دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، أو يدعو إلى دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فإن كان دعاؤه إلى دين محمد فقد كفى [دعاء] دين محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وإن كان الدعاء إلى شرع آخر، فقد علم من دين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرورة أن شرعه صلى الله عليه وآله وسلم لاينسخ إلى زوال التكليف، وأن ملته ناسخة لجميع الملل، ولأن المذكرين، والوعاظ يكفون [في ذلك]، وهم أعم من الإمام لانتشارهم في البلاد، وعمومهم للأقطار، ولايكاد يوجد قطر من أقطار الدنيا إلا وفيه عدةٌ من الوعاظ، والمذكرين، ولأن الغرض قد انتقض لأن الإمام لم يدع، ولم يذكر، ولا علم ذلك منه، بل لم يعلم هو في ذاته فضلاً عن دعائه، فكيف يكون دعاؤه العلة في وجوده، ووجوده إنما علل بدعائه!!؟ هذا عكس في الإستدلال، وتخليط في التعليل والإعتلال.
فإن قيل: إنه لم يدع العباد لخوفه لهم فترك الدعاء لأجل إخافتهم له.
قلنا: لو كان دعاؤه إلى الدين جارٍ مجرى اللطف، أو التمكين لوجب على اللَّه تعالى تقوية عزمه، وعصمته من الناس حتى يدعوهم إلى اللَّه لإبلاغ الحجة عليهم، فلما لم يعلم الدعا وعلمنا أنه لا إمام.(1/331)
[شبهة: الإحتياج إليه لنقل الشريعة والرد عليها]
شبهة
قالوا: إنه يحتاج إليه لنقل الشريعة على وجهها سيما وهي شريعة خاتم النبيين فلا بد من معصوم.
الكلام في ذلك: إن الشريعة الشريفة إن كان التعبد بها لازماً لنا وجب على اللَّه عز وجل إيصالها إلينا على وجهها بأي وجه شاء، وإن كان غير لازم فما الحاجة إلى نقل مالا يلزمنا إلينا؟ ولأنَّا نعلم أن التعبد لازم بالعقل، والشرع، ولا ينكر ذلك إلا من انسلخ من الدين، فهل تعبدنا اللَّه تعالى بالقيام بشيء غير صحيح موضوع على غير وجههِ؟ فالتعبد بشرع غير صحيح لايجوز في دين الإسلام، وإن كان صحيحاً فقد كفتنا صحته من تأويل آخر، ولأن الإمامية تدعي أن نقلها متواتر من علي عليه السلام إليهم، فهلا كفتهم إمامة علي عليه السلام، وعصمته عن ادعاء إمام آخر؟.
فإن قالوا: إنما احتيج إليه ليوصل إلينا.
قلنا: فالذي أوصل إليكم النقل من المنتظر معصوم، أو غير معصوم.
فإن قالوا: معصوم أحالوا وهم لايقولون ذلك، وإن قالوا: غير معصوم فليكتفوا بعصمة علي عليه السلام وبالنقل عنه، ويستغنوا بذلك عن سائر الأئمة عليهم السلام، فيكون استدلالهم هذا دليلاً على الغنية عن الإمام كما ترى لأن الأعصار انقضت، والدهور مضت، والإمام غير ناقل للشريعة إلينا على الوجه الذي ذكروا، لأنَّا قدَّمنا بيان اختلاف الإمامية في الفروع مما في بعضه كفاية لمن تأمل ذلك بعين البصيرة، وانقاد لحكم الضرورة.
فهل المكلفون من سنة ستين ومائتين إلى يوم تصنيفنا هذا الكتاب سنة عشر وستمائة على شريعة أم على غير شريعة؟(1/332)
فإن قالوا: على شريعة، وهو الذي ينبغي أن يقال فقد كفاهم ماهم عليه، وهو الذي يعتدون به، وإن كانوا على غير شريعة فهذا خلاف المعلوم من دين المسلمين عموماً، ولهذا يصلّون على جنائز الموتى، ويترحمون عليهم، ويفزعون إلى القضاة والمفتين فزع من يتطلب الخروج عن عهدة مالزمه، ويستوي في ذلك الإمامي، والزيدي، وسائر فرق الإسلام لايختلفون في ذلك فلو كان فزعهم إلى غير دين، ولا شرع صحيح كان ضلالة يجب الرجوع عنها لا الفزع إليها.
وأما قولهم: إن الشريعة الشريفة شريعة خاتم النبيين صلى الله عليه وآله وسلم فكذلك هي زادها اللَّه شرفاً، وجلالة، ولذلك قلنا: إنها محروسة عن الزيغ والتحريف إلى انقضاء التكليف، فلا تحتاج إلى ناقل ينقلها لأن أكثر من واحد ينقلها بل الأمة قاطبة ينقلونها نقلاً واحداً متواتراً لاتحريف فيه، ولا تبديل على الحد الذي نقلوا نبوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ومعجزاته حتى لو أن انساناً رام دسَّ شيء فيها من غيرها لما تمكَّن من ذلك، ولاجتمعوا على تكفيره، وعداوته، والرد عليه.
وأما الفروع التي تحتمل الإجتهاد، فالإمامية وغيرهم في ذلك سواء، والكل من الفرق المختلفة يرجعون إلى أصل واحد، أو إلى أصل لاينفى عن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم شرعاً، وإن ذهب المخالف الآخر إلى غيره.(1/333)
وأما قولهم: لابد في الأمة من معصوم، فمعلوم أن مخبر الأخبار المتواترة لايعتبر فيه العصمة لأن العلم بكثير من الملوك، والبلدان وصل إلينا بنقل الكفار، فلو قال بعض الناس: لاأعلم مانقله الكفار من أخبار الملوك، والبلدان لألحقه العلماء بالسوفسطائية، ومنكري المعلومات، والحقائق، ولأن الأمة معصومة في قوله تعالى: ?وَمَنْ يُشَاقِق الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا?[النساء:115]، فأوجب اتباع سبيل المؤمنين، ولولا أن عصمتهم فيما أجمعوا فيه ثابتة لما أمر الحكيم سبحانه باتباع سبيلهم لأنه لايأمر إلا بالحق.
وكذلك العترة الطاهرون قد ثبتت عصمتهم فيما أجمعوا عليه، فيكفي في أمر الشريعة النبوية نقل العترة، ونقل الأمة، والكل من الفريقين قد ملأوا الآفاق تصانيف، وعلوماً مشهورة عند أوليائهم معلومة لا ينازعهم فيما أجمعوا عليه منها منازع، ولا يدفعهم عنه دافع.(1/334)
[شبهة: في العصمة والرد عليها]
شبهة في العصمة
قالوا: لو لم يكن معصوماً لاحتاج إلى إمام كما احتاجت إليه الرعية لأن العلة في الحاجة إليه داعية.
الكلام في ذلك: إن عصمته لاتخلو إما أن تراد للمنع من ظاهر المعاصي مع التمكن على الشرائط، أو يراد ارتفاع المعاصي جملة.
فإن قال: إن المراد به رفع ظاهر المعاصي على الشرائط المعتبرة.
قلنا: فيكفي في ذلك سلامة ظاهره من دون اعتبار عصمته لأنه إن فرط في شيء من ذلك بطلت إمامته، وإن استقام عليه علمنا سلامة ظاهره، وتعبدت الأمة بطاعته لأن من أمر بطاعة اللَّه تعالى لزمت مساعدته في الواجب، وكان ندباً اتباعه في المندوب.(1/335)