[شبهة: هو الحافظ للشريعة والرد عليها]
شبهة
قالوا: هو الحافظ للشريعة من الغلط، والتبديل فلا بد من وجوده.
الكلام في ذلك: إن الشريعة النبوية محفوظة لكون أصولها معلومة ضرورة، وفروعها مبينة على أصولها، فأين موضع الحفظ والحال هذه ولو أراد مريد تغييرها أو تبديلها لأنكرت عليه الأمة جميعاً ذلك، كما لو قال قائل: إن صيام شعبان هو الواجب دون شهر رمضان، أو قال: إن الحج إلى بيت آخر، أو قال: إن الزكاة لاتجب في الأموال، أو غير ذلك لقضى العقلاء من أهل شرع الإسلام بفساد قوله بل بكفره، ولأن الإمام لو كان حافظاً للشرع كما ذكروا، ولا ينحفظ إلا به لما وجب أن يغيب عنَّا طرفة عين؛ لأن من حق الحافظ أن يكون حاضراً غير غائب ؛ لأن الغائب لو حفظ لما كان فرق بين غائب من المحقين وغائب، فكان يكفينا في الحفظ جبريل، وميكائيل، أو غيرهما من الملائكة عليهم السلام، أو الأنبياء سلام اللَّه عليهم.
ففي الحديث ((إنهم أحياء مرزوقون عند اللَّه سبحانه))، ولأن الحافظ للشرع، والدين هو رب العالمين، وهو حاضر لايغيب، وقد أخبر تعالى بحفظ ماتعبد به، بقوله تعالى: ?إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ?[الحجر:9]، وهو [الذي] لايخبر إلا بالصدق، والذكر هو العلم فهو حافظ [له]، وما حفظه فلا يحتاج إلى حفظ غيره.(1/326)
وأما قولهم: أنه يحفظ الشريعة من الغلط، فإن كان يحفظ الأصول فهي محفوظة، [بما] يعلمه علماء الإسلام من الأئمة عليهم السلام، وغيرهم، وإن كان يحفظ الفروع التي وقع فيها الخلاف فالإمامية وغيرهم في ذلك سواء ؛ لأن الخلاف بينهم في مسائل الفروع أضعاف مابين سائر الأمة، فكيف تصحُّ دعواهم في حفظه من الغلط إن كان الخلاف في الفتاوى غلطاً !!؟ ولكن ذلك لايستقيم.
وقد روينا عنهم ما لا ينكرونه فيما تقدم من أن الإمام أفتى في مسئلة واحدة بثلاثة أقوال متنافية، فكيف تصحَّ دعواهم أنه يحفظ من الغلط، والتغليط جاء من قبله!!؟فهذه أقوال متنافية كما يعلمه الناظر في كتابنا هذا، على أنَّا ماروينا عنهم إلا ماروته علماؤهم، وسطروه في مشاهير أصول كتبهم لتكون الحجة لهم أتمَّ، ونفعه أعمَّ.
(1/327)
[شبهة الإحتياج إلى الإمام لمعرفة الفصل بين الأغذية والسموم والرد عليها]
شبهة
قالوا: إنه يحتاج إليه لمعرفة الفصل بين الأغذية والسموم المهلكة.
قلنا: هذا احتجاج بارد، وبرهان غير واكد، تكفينا في معرفة ذلك وتمييزه الأطباء وأهل التجربة، ولهذا عاش الخلق المدة الطويلة من يوم ذكرت [غيبة الإمام الذي زعموا] غيبته، وما احتاج الناس في معرفة السموم والأغذية إلى الإمام.
ولأنه لو كان اللَّه تعالى خلقه لهذا الشأن لما غيَّبه عن عباده، ولدفع عنه شر من يريد به شراً، فلما علمنا سلامة الخلق من هذا الضرر وفقد الإمام، علمنا أن كلامهم هذا لايستقيم.
ولأن البهائم قد عرَّفها اللَّه تعالى مضارها ومنافعها، فهي سالمة باقية، محفوظة الصحة، سالمة البنية، ولم تفتقر إلى طبيب، ولا مجرب مميز، ولأن الأمة قبل غيبة من أدعوا غبيته كانت الأئمة بينهم موجودة ظاهرة، فلم يؤثر عنهم [شيء] مما ذكرت الإمامية من تمييز السموم من الأغذية، ولا عرفوا بذلك، ولا اشتهروا بشيء من العلاج، والتمييز كما اشتهرت الأطباء كجالينوس، وبقراط، وغيرهم من أطباء الإسلام، والجاهلية.(1/328)
فهذه أدلة أحالوا فيها إلى مجهولات لايستقيم ثبوتها، فكيف ما بنوه عليها !!؟ ولأنه لو أثر عن الأئمة عليهم السلام أنهم ميزوا بين الأغذية، والسموم لوجدنا بإزائهم من علماء العامة من يبلغ في هذا الفن إلى الغاية القصوى، بحيث لايقع الفصل بين العلمين، فأي مزية بعد هذا يجعل دليلاً على ثبوت الإمامة !!؟.
ولأن دهما الخلق مايعلم منهم من مات لأجل أكل السم إلا من اغترته واغتيل، فالإمام والمأموم في ذلك سواء ؛ لأن الحسن بن علي عليه السلام قتل بالسم، وسمه معلوم ضرورة فلم يعلمه وهو الإمام المعصوم ؛ لأنه لو علم [بالسم] لما جاز له أكله، فتأمل ذلك، تجده كما قلنا إن شاء اللَّه تعالى.
وكذلك علي بن موسى الرضى عليه السلام فإنه مات بالسم، وإدريس بن عبدالله، ومن لانحصيه من أهل البيت عليهم السلام ههنا.(1/329)
[شبهة: الإحتياج إلى الإمام لقطع الخلاف في الشرعيات والرد عليها]
شبهة
قالوا إنه محتاج إليه ليقطع الخلاف في الشرعيات كالعقليات سواء.
الكلام في ذلك: إن الخلاف في الشرعيات لاينقطع بالأئمة، فإن علياً عليه السلام كان في أيام الصحابة، وفضله مذكور، وعلمه مشهور، والخلاف واقع في المسائل شفاهاً، وجاهاً.
ولقد قال له عُبيدة السلماني لما قال [له] عليه السلام: اتفق رأيي، ورأي عمر في جماعة من أصحاب رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم على تحريم بيع أمهات الأولاد، وأنا الآن أرى بجواز بيعهن، فقال له عبيدة: ياأمير المؤمنين رأيك في جماعة أحب إلينا من رأيك وحدك.
والمسائل التي اختلف فيها علي عليه السلام، والصحابة مشهورة، وكذلك من بعد علي عليه السلام من ذريته من ولد الحسن والحسين عليهم السلام، وعلى قول الإمامية نفرض الكلام في محمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى الرضى سلام اللَّه عليهم، فإن الخلاف واقع في أيامهم في الشرعيات، والعقليات، ومعلوم وقوعه باضطرار فكيف يطلبون الإمام لرفعه.
فإن قالوا: يرفعه بالقدرة، والسطوة فقد أداهم نظرهم إلى أن الإمام لم يقره قراره، ولايحتويه داره مخافة على نفسه، فكيف يمنع سطوته من الإختلاف؟.
فإن قالوا: إنه يمنع الإختلاف في آخر المدة.
قلنا: فما يكون التكليف الماضي إلى يومنا هذا، هل أدى الكل فيه ماكلفه اللَّه تعالى أم لا؟ فإن كان الكل قد أدى ما أوجب اللَّه تعالى عليه فقد وقعت الغنية عن الإمام، وإن كان الكل لم يؤدِّ ماأوجبه اللَّه [تعالى] عليه فدين الأمة باطل، وهذا مالم يقل به قائل، لاعالم ولا جاهل، فكيف يصحُّ أن يجعل ماهذا حاله دليلاً على غيره، وهو غير مستقيم في نفسه !!؟ فنعوذ بالله من الجهل المؤدي إلى هذه الحال.(1/330)