ولم يسالم القوم حتى لقي اللَّه سبحانه، وهو في نهاية المنابذة لهم، وهم في عنفوان سلطانهم، وعاصر منهم المسمى بالمهدي، والهادي، والرشيد، والأمين، والمأمون.
فهلا كان إمام الإمامية الذي زعموا أنه المهدي عليه السلام ينزل منزلة القاسم بن إبراهيم عليه السلام، وينشر العلوم، ويشافه الأولياء، ويبث الحكمة، ويرشد الأمة، ويعرفهم الحق.(1/321)
[شبهة وجود الإمام لطف والرد عليها]
شبهة
قالوا: إن وجود الإمام لطف ؛ لأن المكلفين يكونون مع وجوده أقرب إلى القيام بما كلفوا، كما يعرف من حال الرئيس في الدنيا.
الكلام في ذلك: إن قولهم: إن الإمام لطف لاسبيل لهم إلى الدلالة عليه، لأن اللطف غيب، والغيب لايعلمه إلا اللَّه تعالى، ولم يقع دليل على ماقالوه فيجب القضاء بفساده، ولأنه لو كان لطفاً لوجب على اللَّه [تعالى] إحضاره إلينا كما في سائر الألطاف، ولكان الطريق إلى العلم به موجودة معلومة، والتمكن من الوصول حاصل لكل مكلف، كما نعلم في المعرفة بالله تعالى، فما به من المكلفين إلا من هو يعرفه، أو يتمكن من معرفته، ومعلوم أن الإمامية في نهاية الإجتهاد في طلب الإمام فلا يتمكنون من العلم به فكيف يصح أن ينزلوه منزلة اللطف الذي يجب حصوله!!؟ وإن لم يطلبه الملطوف له ؛ لأن الحكمة الإلهية توجب إزاحة علة المكلف باللطف وغيره من المنبهات والخواطر، وأن لايحول دون ذلك حائل.(1/322)
[قولهم إن المكلفين يكونون مع وجود الإمام أقرب إلى القيام بما كلفوه والرد عليه]
وأما قولهم: إن المكلفين يكونون مع وجود الإمام أقرب إلى القيام بما كلفوه، فقول غير سليم، وقياس لا يستقيم بل لايمتنع في المشاهدة كونهم أبعد مع وجوده من فعل الطاعة، وأقرب إلى فعل المعصية كما كان في أيام علي[عليه السلام]، والحسن، والحسين سلام اللَّه عليهم فإن الناس ارتكبوا في أيامهم من الآثام، وحلوا من عقد الإسلام مالم يكن قبل ذلك، ولا بعده.
وهذا الحسن [بن علي] عليه السلام نهض في شيعة أبيه، وأجناده فثاروا به فجرحوه، ونهبوا بيت ماله، وسلبوا أمهات أولاده، وصغَّروا عظيم حقه، حتى تمكَّن منه عدوه، واستولى على الأمر من ليس من أهله.
وكذلك الحسين بن علي عليه السلام أناخ بإزاء شيعة أبيه بعد استدعائهم له، وإنفاذهم للرسل المتواترة [إليه] لإزعاجه، ووعدهم له النصرة، والقيام بما يجب من حقه، وتقلد أكثرهم البيعة، والعقد الوثيق في ملازمة طاعته فقادوا الخيول، وأرخوا الكتائب حتى أحاطوا به من كل جانب، وحاولوه من كل وجه حتى سفكوا دمه، وحصدوا بشفار السيوف وشبا الأسنة جميع من حضره من أهل بيته سلام اللَّه عليهم بضعة عشر غلاماً ممن [له مرتكض] في رحم فاطمة ابنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأي قرب تراه إلى الطاعة، وأي بعد تراه من المعصية، والأمر كما يعلمه العقلاء بالضد من ذلك، بعدوا من الطاعة، وقربوا من المعصية مع وجود الإمام المعصوم المعلوم لإمامة ذرية رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم من ولده، وريحانته من الدنيا، وثمرة فؤاده، ومن كان يحمله على عاتقه، ويبلعه ريقه، ويربيَّه بكفه الطاهرة، ويعظّمه على أعيان الأنصار والمهاجرة، وليس على وجه الأرض ابن بنت نبي غيره فقتلوه، وقتلوا أهل بيته سلام اللَّه عليهم، ومثَّلوا بهم أقبح مثلة، فأي عقل يقضي بأن هذا قرب من الطاعة، وبعد من المعصية!!؟.(1/323)
وأما إحالتهم إلى ما يعلم من حال الرئيس في الدنيا، فإحالة إلى غير أمر مستقر، ولا سنن مستمر، فإن في كثير من الأوقات وجود الرؤساء يكون سبباً لسفك الدماء، وذهاب الدهماء، واستباحة المحارم، وأخذ الأموال، [ونهب] القرى، وقد يستقيم الأمر لرئيس فتسكن الدهما.
فإن قدروا رئيساً ظاهر الأمر مبسوط اليد، فهذه صفة لاتوجد في إمامهم الذي ادعوا إمامته ؛ لأنهم ذكروا أن الخوف شرَّده حتى لم يقرّ به قرار، ولا تلقته دار، وزاد خوفه على خوف الخائفين، وهربه على هرب الهاربين، فإذاً مثالهم لايلائم ممثولهم، لم تحمه هيبته، ولا تقره في مكان سطوته، فكيف تسكن هيبته دهما المكلفين، وتذهب روع الخائفين، ولم تسكن روعة قلبه بين جوانحه، ولا أنس نافر فزعه!!؟ بل ذكر علماؤهم الكبار في كتبهم المحصلَّة أن الإمام ما منعه من الظهور لأوليائه إلا مخافة أن يظهر أمره إلى الظلمة بسعاية بعض السعاة فيهلكه، فلذلك [انكتم] من الولي، ومن العدو.
فأي هيبة والحال هذه تمنع المكلفين من القبيح من إمام هذه صورته!!؟ و[لا] يمنعهم من فعل القبيح ظهور الإمام الظاهر السطوة المروي صدر سنانه، وظبة حسامه من كبش الكتبية، وحرمته أظهر الحرم جلالة عند الأمة لقرب ولادة النبوة كالحسين بن علي عليه السلام، والطاهر من أهل بيته سلام اللَّه عليهم، ومشاهدة الخلق لتعظيم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لهم فانتهكوا حرمتهم، وارتكبوا العظيم من أمرهم، فأين المثال من الممثول !!؟.
فتأملوا ياذوي العقول فإن الحق واضح البرهان لائح لأهل البصائر والأعيان، ينم عليه شعاعه، ويغشى العيون السليمة التماعه.(1/324)
[شبهة: وجود الإمام كالخواطر والرد عليها]
شبهة
قالوا: إن وجود الإمام كالخواطر المنبهة للساهي والغافل، فيجرى مجرى إزالة العلة.
الكلام في ذلك: إن الخواطر كافية في التنبيه فلا نحتاج إلى الإمام، والحال هذه، ولأن الخواطر تختص بالمكلف نهاية الإختصاص، والإمام مبائن لهم بالغيبة على زعمهم نهاية المباينة، فكيف ينزل منزلة الخواطر، والحال هذه!!؟ ولأن اللَّه تعالى قد أزاح العلة بنصب الأدلة، والتمكين فلم يبق لذكر أمر آخروجه.
ولأنه لو تعلق به شيء من التكليف لوجب حضوره إلينا، وعصمته من الخوف، وما يحاذر منه ليكمل الحجة على العباد، ولأن قولهم هذا لادليل عليه فيجب بطلان دعواهم فيه.(1/325)