[الرد على شبه الإمامية]
ولا بدنا من ذكر معظم شُبه الإمامية في دعواها، والإجابة عليها على وجه الإختصار:
وإن كانت قد تخللت في أثناء هذا المختصر أو بعضها فإنما هذا على وجه التأكيد، والإستظهار ليكون المكلف من أمره على يقين، ومن دينه على بصيرة.(1/311)


[الحاجة إلى الإمام في العقليات]
شبهة
قالت الإمامية: إن الحاجة إلى الإمام في العقليات فيجب أن يكون ملازماً لأوقات التكليف لأن التعبد العقلي لايتعرى عنه مكلف ولا زمان من أزمنة التكليف، فوجب وجوده في كل حال فإذا لم يكن شاهداً معلوماً ظاهراً فهو غائب منكتم.
والكلام عليهم في ذلك: إنَّا نقول لهم: ما الدليل على ما ذكرتم من أنه يحتاج إليه في العقليات حتى يصح لكم ما بنيتم عليه من الإحتجاج؟ وهم لايجدون إلى ذلك سبيلاً، ولأنه لو كان كما ذكروا لوجب وجوده مع كل مكلف، ومعلوم خلافه لأن هذا من حق الدليل، ولا ينوب واليه ولا رسوله منابه لأنه غير معصوم، وعندهم لايحصل العلم إلا بقول المعصوم فكان لابد من أحد أمرين باطلين أدى إليهما هذا القول: إما يُشافه الإمام كل مكلف في كل وقتٍ، وإما القول بعصمة ولاته، وأمرائه، وقضاته، والمبلغين عنه، ولأنا نعلم بطلان كل واحد من الأمرين مشافهة الإمام، وحصول رسله إلينا على كل حال سواء كانوا معصومين، أو غير معصومين، فلو كان من جملة الأدلة العقلية لوجب ما قلنا.
ولأن العقل كافٍ في حصول العلم بالأمور العقلية فترتفع الحاجة إلى الإمام في ذلك، ولأن التكليف لازم مستقيم عندنا، وعندهم لكل مكلف بالشرع والعقل مع غيبة الإمام، ولا قائل بسقوطه عن العقلاء فلو كان وجوده يجب في ذلك لأظهره اللَّه تعالى لأن حكمته توجب إزاحة العلة عن المتعبدين كما قال تعالى: ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا?[البقرة:286]، وليس في الوسع العلم بمدلول الدليل مع عدم الدليل.(1/312)


[و]أما قولهم: إن الطريق إلى الإمامة العقل فغير مسلم بذلك، ولا دليل لهم عليه لأنهم يقولون: إن الناس مع وجود الرئيس المهيب أنقاد إلى الحق، وألزم للأحكام، وقد يعلم خلاف ذلك فإنه لارئيس أعظم رئاسة من علي بن أبي طالب عليه السلام فإن الدماء المسفوكة في أيامه لم يسفك مثلها قبله عليه السلام، ولا بعده، مائة ألف قتيل في الجمل، وصفين خارجاً عن قتلى النهر، ووقع من التنازع والتهارج مالا يقادر قدر قدره.
وسكن الناس في أيام معاوية سكنة حقنت فيها الدماء إلا مالا يعتدُّ به في جنب مامضى، فأما أن قدر الأمر بظهور رئيس على الجميع، ولا يتمكن أحد من نزاعه لسبب من الأسباب فذلك صحيح لكنه لايوجد في الأنبياء عليهم السلام، ولا الأئمة لأن النزاع في أيامهم معلوم ضرورة، وكما يجوز ذلك يجوز أن الناس متى سكنوا، وتناصفوا كان أصلح لهم من الرئيس لأنه يدعي عليهم البينوية فيدخل في قلوبهم حبَّ الرئاسة، وعصبية المنافسة فيفسد عليهم ما كان صالحاً باستوائهم.
ولأنَّا نعلم استمرار أمور التكليف عموماً، ولزومه بحيث لايحتاج إلى أمرٍ آخر غائب، ولا حاضر إلا في الأمور الشرعية التي هي إقامة الحدود، والجمعات، وتجييش الجيوش إلى الظالمين، وأخذ الأموال ممن وجبت عليه طوعاً وكرهاً، وهذه أمور شرعية وجدت بوجود الإمامة وعدمت بعدمها، فكان ذلك الدليل الأكبر على أن الحاجة إلى الأئمة عليهم السلام لهذه الأمور لالغيرها.
فالإمامة شرعية ودليلها شرعي لأن العقل لايمتنع منعه عنها لما يتعلق بها من الأمور التي يمنع العقل منها على بعض الوجوه من سفك الدماء، وأخذ الأموال، والخوف الواقع على المؤمنين لمحاربتهم الظالمين إلى غير ذلك، وكل هذه أمور يمنع منها العقل لولا حصول دليل الشرع، فكيف يكون دليل المنع دليل الإيجاب لولا ضلال الرأي وعدم التأويل.(1/313)


[تكليف المكلفين إصابة الحق وحاجتهم من يكمل نقصهم]
شبهة
قالوا: قد كُلِّف المكلفون إصابة الحق في كل زمان مع مامعهم من النقص، فاحتاجوا إلى من يكمل نقصهم وضعفهم في كل وقت، ولابد من أن يكون معصوماً، وإلا لزمه ما لزمهم.

[الرد على هذه الشبهة]
الكلام على ذلك: وإن كان قد تقدم ما فيه الكفاية بحمد اللَّه، الكلام في ذلك إنَّا نقول: إن المكلفين في كل زمان ماكلفوا إلا مايمكنهم الوصول إليه، والتأدية له، وإلا كان تكليف مالا يطاق، و[تكليف ما]لا يعلم، وكل ذلك قبيح، والله تعالى لايفعل القبيح لعلمه بقبحه، وغناه عن فعله، وعلمه بغناه عنه، وكل من كان بهذه الأوصاف فإنه لايفعل القبيح، وموضع تفصيل هذه الجملة أصول الدين.(1/314)


وقد أودعنا من ذلك كتبنا في الأصول بما فيه كفاية بحمد اللَّه تعالى كالشافي، وغيره، وكتب العلماء من آبائنا عليهم السلام، وأتباعهم من علماء الإسلام مشحونة بذلك، والمحصِّلون من الإمامية لاينازعوننا في ذلك كالشريف المرتضى، وغيره فإذا كان ذلك كذلك، وعلمنا استمرار التكليف علينا في جميع الأوقات علمنا أنه لولا إزاحة العلة لما حسن التكليف، فلو كان الإمام شرطاً لاستحال التعبد بالمشروط مع فقد الشرط، ولو كان الإمام بياناً لتوقف الفعل على حصوله، أو تمكيناً فكذلك، أو لطفاً لوجب وصوله إلينا، وارتفاع التكليف لأجل عدمه، وكل ذلك باطل، ولأن الناس كلفوا إصابة الحق فكفاهم في ذلك إكمال العقول، وحصول الأدلة الشرعية المعلومة التي ترد إليها الفروع.
وإن جعلوه متمماً للنقص فما به مخلوق إلا وهو ناقص، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ((كل بني آدم طف الصاع)) وكل من ألفاظ العموم، يعرف ذلك أهل اللسان، وتمام النقص لايخلو إما أن يكون التكليف لايصح إلا به فهذا مما يجب على الباري لحكمته، وعدله فعله وتحصيله، وإيصاله إلى المكلفين، وإن كان مما يصحُّ التكليف من دونه فلا حاجة إلى حصوله، ولأن المتمم للنقص لو قدر حصوله فهل يتمم وهو حاضر أو غائب، باطل أن يكون غائباً لأنه لو تمم مع غيبته لكان هو والملك في منزلة واحدة، فكان يقال: إن المتمم لنقص المكلفين جبريل، أو ميكائيل لأن أكثر مافي هذا أنه محق معصوم غائب عنَّا.(1/315)

63 / 73
ع
En
A+
A-