وروى عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن شعيب، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عن غسل الجنابة؟ فقال: تصب على يديك الماء فتغسل كفيك، ثم تدخل يدك فتغسل فرجك، ثم تمضمض وتستنشق، وتصب الماء على رأسك ثلاث مرات، وتغسل وجهك، وأعلى جسدك بالماء.
فهذا كما ترى بيان وجوب المضمضة والإستنشاق.
وروى عن أحمد بن محمد، عن محمد بن الحسين، عن موسى بن سعدان، عن عبدالله بن سنان قال: قال أبو عبدالله: لايجب غسل الأنف والفم لأنهما سائلان.
أحمد بن محمد، عن علي بن الحكم، عن سيف بن عميرة، عن أبي بكر الحضرمي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: ليس عليك مضمضة ولا إستنشاق لأنهما من الجوف.
وروى عن أبي يحيى الواسطي، عن بعض أصحابه قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام الجنب يتمضمض؟ قال: لا، إنما يجنب الظاهر.
فهذه أحكام تختلف، ولا يصح حملها على وجه يصحَّ، لأن الإمامية لا تقول بالإجتهاد فيعتلون بتغير إجتهاد المجتهد، وكلام الأئمة عليهم السلام عندهم توقيف في كل حال فلا يقال: وصل إليهم بعد ذلك مالم يكن وصل أولاً، وأخبارهم عندهم المتعلقة بالأحكام قد بلغت حدَّ التواتر، فكيف يقع تصحيح هذه الأخبار؟ وإن منها مايكون الأصل فيحمل عليه الحكم، ويكون الباقي فرعاً، وقد استقر الشرع الشريف، وكمل بموت النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ونصَّ بذلك القرآن الكريم في قوله: ?الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا?[المائدة:3]، ولأن مسخ شرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم لايجوز، وقد علم ذلك من دينه ضرورة، ولا خلاف فيه أيضاً بين المسلمين، فتبيَّن ذلك لتسلك أوضح المسالك.(1/306)
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، وأحمد بن إدريس، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي بن إسماعيل، عن حماد بن عيسى، عن جرير، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من اغتسل من جنابة، ولم يغسل رأسه، ثم بدا له أن يغسل رأسه لم يجد بداً من إعادة الغسل.
وهذا كما ترى دليل على وجوب الترتيب.
وروى عن الحسين بن سعيد، عن ابن أبي عمر، عن هشام بن سالم قال: كان أبو عبدالله فيما بين مكة والمدينة، ومعه أم إسماعيل فأصاب من جارية له فأمرها فغسلت جسدها، وتركت رأسها، وقال لها: إذا أردت أن تركبي فاغسلي رأسك ففعلت ذلك، فعلمت بذلك أم إسماعيل فحلقت رأسها فلما كان من قابل انتهى أبو عبدالله إلى ذلك المكان، فقالت له أم إسماعيل: أي موضع هذا؟ قال لها: هذا الموضع الذي أحبط اللَّه فيه حجتك عام أول.
فهذا خبر ينافي ماتقدم بحيث لايقع الإشكال فيه، ولا يجدون في ذلك علة إلا قولهم: وَهِم الراوي في روايته فيمكن المنازع لهم أن يقول: إن الراوي وَهِم في الأخبار التي رويتم فيها وجوب الترتيب فلا يمكنهم الإنفصال، فتأمل ذلك. تجده كما قلنا إن شاء اللَّه تعالى.
وروي عن أبي جعفر محمد بن علي، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن جعفر بن بشر، عن حجر بن زايدة، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: من ترك موضع شعرة من الجنابة متعمداً فهو في النار.
وروى عن أبي جعفر محمد بن علي بن الحسين، وأحمد بن محمد، عن أبيه محمد بن الحسن، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي بن محمد، عن رجل، عن سليمان بن حفص المروزي قال: قال أبو الحسن عليه السلام: الغسل بصاع من ماء، والوضوء بمدٍ من ماءٍ، وصاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسة أمداد، والمد وزن مائتين وثمانين درهماً، والدرهم وزن ستة دوانيق، والدانق وزن ست حبات، والحبة وزن حبتين شعير من أوسط الحب، لامن صغاره ولا من كباره.(1/307)
وروى عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أبي جعفر، عن أبيه، عن بورعة، عن سماعة قال: سألته عن الذي يجزي من الماء الغسل؟ فقال: اغتسل رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم بصاع، وتوضأ بمد، وكان الصاع على عهده خمسة أرطال، وكان المد قدر رطل وثلاث أواق.
وروى عن الحسين بن سعيد، عن ابن سنان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عن الوضوء؟ فقال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع.
وروى عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن جرير، عن زرارة، عن أبي جعفر عليه السلام قال: كان رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم يتوضأ بمد، ويغتسل بصاع، والمد: رطل ونصف، والصاع: ستة أرطال.
فهذا كما ترى اختلاف في التقدير، وفيه تحديد الماء وتقديره نصَّاً لايحتمل تأويلاً مخلِّصاً، لأن السؤال وقع عن التقدير الذي يقع به الإغتسال فأجاب بما روينا عنهم أنهم رووه، ثم قدَّروا في الصاع والمد تقديراً مختلفاً لايستقيم على سنن واحد.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبدالله بن بكير، والحسين بن سعيد، عن رضوان بن يحيى، ومحمد بن خالد الأشعري، عن الحسن بن علي بن فضال، عن عبدالله بن بكير، عن زرارة قال: سألت أبا جعفر عليه السلام عن غسل الجنابة؟ فقال: أفضْ على رأسك ثلاثة أكف، وعن يمينك وعن يسارك، إنما يكفيك ما يكفيك من الدهن.
فهذا كما ترى ينافي الأول لأن ستة أكف لايكون صاعاً بل لايكون مداً، والتقدير إنما يراد ليوقف عنده في إثبات الأمر أو نفيه، وإلا فلا فائدة للتحديد والتقدير.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن الحسين بن موسى الخشاب، عن عيان بن كلوب، عن إسحاق بن عمار، عن جعفر عليه السلام، عن أبيه: إن علياً كان يقول: الغسل من الجنابة، والوضوء يجزي منه ما أجزى من الدهن الذي يبل الجسد.(1/308)
فهذا كما ترى فيه تقدير غير التقدير الأول، ولا سبيل إلى تأويله على شيء سوى التنافي والتغاير، والتناقض الذي لايجوز إضافته إلى العوام فضلاً عن أئمة علماء الإسلام، ولو أردنا نروي عنهم ما رواه العلماء المخالفون لهم في مقالتهم لكان شيئاً واسعاً، وعجباً عاجباً، ولكنا ما روينا عنهم من هذه الأمور المتناقضة إلا ماروته علماؤهم، وضمَّنوه تصانيفهم المشهورة عندهم ليكون أقطع للشغب، وأحرى بأن لاينكره منهم منكر، وإنما يفزع إلى التأويلات التي بيَّنا لهم خللها.
وروى عن أحمد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، ومحمد بن خالد، عن عبد الحميد بن عواض، عن محمد بن مسلم، عن أبي جعفر عليه السلام قال: الغسل يجزيء في الوضوء، وأي وضوء أطهر من الغسل.
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، وغيره عن أحمد بن محمد، عن يعقوب، عن يزيد، عن ابن أبي عمير، عن رجل، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: كل غسل قبله وضوء إلا غسل الجنابة.
وروى عن الحسين بن سعيد، عن فضالة، عن سيف بن عمير، عن أبي بكير الحضرمي، عن أبي جعفر قال: سألته قلت: كيف أصنع إذا جُنبت؟ قال: أغسل كفيك وفرجك فتوضأ وضوء الصلاة ثم اغتسل.
فقد رأيت كيف يقول وجوب الوضوء قبل الغسل، وعللوه وأسندوه إلى الإمام عليه السلام، ثم صرَّح في هذا الحديث بوجوب تقديم الوضوء على الغسل في الجنابة لأنه سأله عن الغسل فأخبره بصفته، وصفة الواجب من المفتى واجبة عند أهل العلم لأن البيان كما يقع بالقول [يقع بالفعل]، وهذه صفة الفعل، فاعلم ذلك وتأمله.
ولو أردنا استقصاء ما اختلف فيه رواياتهم في جميع الأحكام من لدن أبواب العبادات إلى آخر فصل في الأحكام الشرعيات لاحتجنا إلى كتاب بل كتب، وإنما في ماذكرنا كفاية لمن كان له قلب رشيد، أو ألقى السمع وهو شهيد.(1/309)
[فإذا] كانت أقوالهم في الأصول ما قدمنا ورواياتهم عن الأئمة عليهم السلام بل عن الإمام الواحد مختلفة، متنافية، متناقضة في أصول الدين، وفروعه، ومعقول التعبد، ومسموعه، كيف يثق برواياتهم ذو بصيرة مستقيمة، وعارفة سليمة.
وقد ألزموا نفوسهم في الرواية مالم تلتزمه الأمة من أن أخبارهم متواترة، وأنها عن الأئمة في حكم ما ليس بيننا فيه، وبين صاحب الشرع صلى اللَّه عليه وعلى آله واسطة، وجعلوا كل قول مخالف قولهم هباءً منثوراً، وهم في نهاية الخلاف لأنفسهم بأنفسهم في رواياتهم عن الأئمة عليهم السلام ما عقدوا عقداً إلا أحلَّوه، ولا شيدَّوا بناءاً إلا هدموه، فهم في أمر مريج في فروع مذهبهم، وأصوله، ونصِّه، وتعليله، ومسموعه، ومعقوله، فإذا كانت هذه حاله فكيف يطمع بالنجاة منه أو به.
وقد بيَّنا أنواع مقالتهم، وشرحنا فنون جهالتهم من لدن ادعاء النص الجلي في الأول إلى الحسن بن علي عليهما السلام، وما ادعوا من غيبة الإمام الذي صاروا في نهاية الحيرة في صحة وجوده، وكونه في الدنيا فضلاً عن صفة أحواله، والوجوه الموجبة لغيبته وانسلاله.
فإن العاقل إذا تأمل ذلك بعين النصفة وضح له برهان الحق، ولاح دليل الصدق، إذ الحق لايتنافى، والصدق لايتناقض، والحق واحد، والدليل عليه يمت إليه من كل جهة، ومن كل قابل بوجه واحد، وإن اختلفت ألفاظه هذا في الموصل إلى العلم، فأما مالا يوصل إليه فهو شبهة وليس بدليل.(1/310)