وهذا تصريح فيما نحن بصدده ينافي ما تقدم من أنه فرض وأنه واجب، فهل في المتنافي أكثر من هذا؟ والفرض والواجب لا فرق بينهما في لسان الشرع الشريف زاده اللَّه علواً.
وروى عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن القاسم، عن علي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن غسل العيدين أواجب هو؟ فقال: هو سنة.
وقد تقدم في الأخبار التي سطرناها أولاً أنهم رووا عن الأئمة عليهم السلام وجوب غسل العيدين، فكيف التنافي والتناقض إلا ما تسمع وترى!!.
وقد روى في وجوب ذلك عن محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن الحسن بن علي، عن عمرو بن سعيد، عن مصدق بن صدقة، عن عمار الساباطي قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الرجل ينسى غسل الجمعة حتى صلى؟ قال: إن كان في وقت فعليه أن يغتسل ويعيد الصلاة، وإن كان مضى الوقت فقد جازت صلاته.
فهذا تحقيق الوجوب على أبلغ الوجوه لأنه أمره بإعادة الصلاة، وقال: فعليه، وكلما هو عليه فهو واجب لأن النفل، والمندوب له، وليس عليه.
فهذه أخبار متعارضة متناقضة لا تصحَّ إلا بالتأويل البعيد الذي لايكاد يصحَّ في الأصول المعلومة، ولا يتأول على مقتضى طرائق [أهل] العلم، ولقد عابوا على مخالفهم ما تشهد له الأدلة الشرعية، وتحكم [له] البراهين المرضية، ولولا أنَّا أردنا تبيين مناقضتهم لما أوردنا ما أوردنا، ولم نضع هذا الكتاب لتصحيح ما ذهبنا إليه في الفقه، وإبطال ما ذهبوا إليه فنذكر حججنا في ذلك، وإنما أردنا [بيان] ضعف نقلهم عن أئمتهم لكيلا يغتر بهم المغتر في دينه، فأقوالهم دعاوي مجردة، وفتاوى متناقضة يهدم بعضها بعضاً، وليس ما أرادوا ثبوته أولى بالثبوت مما أرادوا نفيه، لأنه لا برهان معهم على نفي المنفي ولا إثبات الثابت، مع أن دعواهم التواتر في أخبارهم.(1/301)
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن إبَّان، عن الحسين بن سعيد، عن حماد بن عثمان، عن أديم بن الخير، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل عليها غسل؟ قال: نعم، ولا تحدثونهن بذلك فيتخذنه علة.
محمد بن الحسن الصفار، عن محمد بن عبد الحميد قال: حدثني محمد بن الفضل، عن أبي الحسن عليه السلام قال: قلت: تلزمني المرأة أو الجارية من خلفي، وأنا متكيء على جنب، فتحرك على ظهري فتأتيها الشهوة، وينزل الماء، فعليها غسل أم لا؟ قال: نعم، إذا جاءت الشهوة فأنزلت وجب عليها الغسل.
وروى عن محمد بن علي بن محبوب، عن محمد بن أحمد، عن الحسين، عن فضالة، عن حماد بن عثمان، عن عمر بن يزيد قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام الرجل يضع ذكره على فرج المرأة فيمني عليها غسل؟ قال: لا، وقال: إن أصابها من الماء شيء فلتغسله، وليس عليها شيء إلا أن يدخله، قلت: فإن أمنت هي، ولم يدخله؟ قال: ليس عليها الغسل.
وروى الحسن بن محبوب، عن عمر بن يزيد قال: اغتسلت يوم الجمعة بالمدينة، ولبست ثيابي، وتطيبت فمرت بي وصيفة ففخذت لها فأمذيت أنا، وأمنت هي، فدخلني من ذلك ضيق، فسألت أبا عبدالله عليه السلام عن ذلك؟ فقال: ليس عليك وضوء، ولا عليها غسل.
وروى محمد بن علي بن محبوب، عن أحمد بن محمد، عن الحسن بن محبوب، عن العلا بن رزين، عن ابن مسلم، قال: قلت لأبي جعفر عليه السلام كيف جعل على المرأة إذا رأت في النوم أن الرجل يجامعها في فرجها الغسل، ولم يجعل عليها الغسل إذا جامعها دون الفرج فأمنت، قال: لأنها رأت في منامها أن الرجل يجامعها في فرجها فوجب عليها الغسل والأخرى إنما جامعها دون الفرج فلم يجب عليها الغسل ؛ لأنه لم يدخله، ولو كان أدخله في اليقظة وجب عليها الغسل أمنت أم لم تمني.(1/302)
فهذه أخبار كما ترى متناقضة متنافية ظاهراً لايمكن تأويله لأنهم أولوا أن الراوي وهِمَ، واحتجوا بالأخبار التي [قد] تقدمت وبأخبار أمثالها، وهذا احتجاج يخرج عن باب [أهل] العلم، لأن كل خصم يمكن أن يقول لخصمه: وهمت في روايتك. فما الفرق بين الأمرين؟ وأي القولين أولى بالقبول؟ فتدبر ذلك موفقاً لتعلم حقيقة ما قلنا.
وأوضح مما تقدم ما رواه عن إبراهيم الصفار، عن إبراهيم بن هشام، عن نوح بن شعيب، عن زرارة، عن عبيد بن زرارة قال: قلت له: هل على المرأة غسل من جنابتها إذا لم يأتها الرجل؟ قال: لا، وأيكم يرضى أو يرى أويصبر أن يرى ابنته، أو أخته، أو أمه، أو زوجته، أو واحدة من قرابته قائمة تغتسل فيقول: مالك؟ فتقول: احتلمت، وليس لها بعل، ثم قال: لا، ليس عليهنَّ ذلك، وقد وضع اللَّه ذلك عليكم، قال: ?وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا?[المائدة:6]، ولم يقل ذلك لهنَّ.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، ومحمد بن الحسن الصفار، [عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن الحسين بن سعيد]، عن محمد بن إسماعيل، قال: سألت أبا الحسن الرضى عليه السلام عن المرأة ترى في النوم فتُنْزِل عليها غسل؟ قال: نعم.(1/303)
فأي تنافٍ وتناقضٍ ترى!! هذا ولا وجه له يصرف إليه إلا التنافي، ورواة الجميع رجال الإمامية فأي أخبارهم يقبل، وأيها يرد، وعندهم أن أقوال الأئمة لايقبل منها إلا المعلوم، وأنها معلومة لهم، وأن أخبارهم متواترة، والمتواتر يوجب العلم، وليس في أخبار الأئمة عليهم السلام ناسخ ومنسوخ، لأن ذلك في كلام صاحب الشريعة عليه السلام، والأئمة كلامهم إنما يراد للتبيين، والإيضاح، والكشف، والهداية بعد استقرار الشرع النبوي، فكيف يكون أفعل لاتفعل، يجب عليك لايجب عليك، هل هذا يتصور في العلوم المعقولة أو المنقولة؟ والقوم لايقولون بتجدد الإجتهاد فيكون عذراً لهم، فإلى ماترى يصرف قولهم؟ وعلى ما يحمل؟ والكل عن إمام هدى مرتضى عندهم ورواية رضى، لأنه عن ثقات رجالهم، ولأن الخبر الذي اثبتوه رواه الذي روى الخبر الذي نفوه، فأي تخليط يزيد على هذا!!!.
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابه، عن أحمد بن محمد، عن ابن فضال، عن ابن بكير قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الجنب؟ قال: تأكل، وتشرب، وتقرأ القرآن، وتذكر اللَّه عز وجل.
وروى عن أحمد بن محمد، عن عيسى بن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن إبَّان بن عثمان، عن الفضيل بن يسار، عن أبي جعفر عليه السلام قال: لابأس أن تتلو الحائض والجنب القرآن.
وروى عن أحمد بن محمد، عن ابن أبي عمير، عن عبدالله بن علي الحلبي، عن أبي عبدالله عليه السلام أتقرأ النفساء، والحائض، والجنب، والرجل يتغوط القرآن؟ فقال: يقرأون ما شاءوا.
وروىعن سعد بن عبدالله، عن محمد بن الحسين، عن أبي الخطاب، [عن النضر بن شعيب، عن سويد]، عن عبد الغفار الحارثي، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال: الحائض تقرأ ما شاءت من القرآن.(1/304)
وهذا كما ترى خلاف المعلوم من الدين قد رووا فيه هذه الأخبار المتظاهرة عن الأئمة الطاهرين بإباحة ماهو محظور في شرع الإسلام زاده اللَّه جلالة من تحريم قرآءة القرآن على الجنب، والحائض، والنفساء، واختلفوا في المحدث على ماهو معروف في كتب الفقه.
وقد روى أخباراً مسندة أن لهؤلاء أن يقرأ الواحد منهم سبع آيات من أي سورة شاء، وراموا أن يحملوا ذلك على هذا، وهذا لايتأتى إلا بمعرفة التأريخ، لو أن من رووا عنه شارع الشرع الشريف حمل المطلق على المقيد، فأما الأئمة عليهم السلام فأقوالهم موضع البيان، ومحل البرهان، فكيف تحمل على مالا يلائمه في الظاهر، ولا يقتضيه بحقيقته، ولا بمجازه!!.
ورووا في بعض رواياتهم سبع آيات في أخبار كثيرة، ورووا عن زرعة بن سماعة سبعين آية، ورووا في بعض أخبارهم أن للجنب، والحائض، والنفساء قرآة القرآن إلا أربع سور منه فإنهم لايقرأوها، وهي: سورة سجدة لقمان، وحم السجدة، والنجم إذا هوى، واقرأ باسم ربك [الذي خلق] .
وروي عن أبي محمد هارون بن موسى، عن أحمد بن محمد بن سعيد، عن علي بن الحسن، وأحمد بن عبدون، عن علي بن محمد بن الزبير، عن علي بن الحسن، عن عبد الرحمن بن أبي بحران، عن حماد بن عيسى، عن جرير، عن زرارة، ومحمد بن مسلم، عن أبي جعفر قال: الحائض، والجنب يقرأون شيئاً؟ قال: نعم، ما شاء إلا السجدة، ويذكران اللَّه على كل حالٍ.
وروى [عن] علي بن الحسن، عن عمرو بن عثمان، عن الحسن بن محبوب، عن علي بن زياد، عن أبي عبيدة الحدا قال: سألت أبا جعفر عن الطامث تسمع السجدة؟ قال: إن كانت من العزائم فلتسجد إذا سمعتها.
فهل ترى تناقضاً أكثر من هذا!! وهل يوجد في أقوال علماء العامة ما يشبه هذا!!؟ فإن أشبهه فهل يتجاوزه!!؟ لايوجد ذلك.(1/305)