وروى عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبدالله عن الوضوء؟ فقال: مثنى مثنى.
وروى عن أحمد بن محمد، عن صفوان، عن أبي عبدالله قال: الوضوء مثنى مثنى.
فهذه أربع روايات متعارضة، لأن قولنا: الوضوء كذا محمول على الفرض إلا أن يقع البيان، ولم يقع في ظاهر الخبر، وقول من يقول: يحمل البعض على الفرض، والبعض على السنة يرجع إلى الإجتهاد والترجيح والتعليل، الذي أخرجوا كلام الأئمة عنه بأن جعلوه نصاً متواتراً وعلماً ظاهراً، لاوجه للتعليل عندهم فيه ولا للترجيح.
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن عمر بن أذينة، عن زرارة، وبكير: أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم فدعا بطست، وذكر الحديث إلى أن قال: فقلنا: أصلحك اللَّه فالغَرفةُ الواحدة تجزي الوجه، وغَرفةُ للذراع؟ فقال: نعم، إذا بالغت فيها، والثنتان يأتيان على ذلك كله.
وروى عن محمد بن أحمد بن يحيى [عن أحمد بن يحيى]، عن أحمد بن محمد، عن موسى بن إسماعيل، عن عباد، والعباس بن السدي، عن محمد بن بشير، عن محمد بن أبي عمير، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله قال: الوضوء واحدة [فرض]، واثنتان لاتؤجر، والثالثة بدعة.(1/291)
فالحديث الأول فيه الاثنتان يأتيان على ذلك كله، وفي [هذا] الحديث الآخر الثانية لايؤجر عليها، فهو ينافي الحديث الذي فيه الوضوء مثنى مثنى، لأن نهاية ما يحملون الحديث عليه على أن الثانية سنة، لأن من المعلوم أن السنة يؤجر عليها، وفي هذا الحديث لايؤجر عليها، والثالثة بدعة، والبدعة يستحق الذم عليها، فالثانية بصفة المباح، والثالثة بصفة المحظور، وهذا ينافي ما تقدم، والإمام على زعمهم ذكره مطلقاً، وهو موضع بيان في فتاوي الأحكام لأن الأئمة عليهم السلام موضع البيان، لأن اللَّه تعالى يقول: ?وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ?[آل عمران:187]، وقال: ?إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاَّعِنُونَ * إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا?[البقرة:159ـ160]، فهذا فرض من اللَّه تعالى البيان على العلماء، وأهل البيت ساداتهم وأئمتهم سلام اللَّه عليهم، فكيف يضاف إليهم مثل هذه الأقوال المتنافية!!!.
وروى عن محمد بن الحسن الصفار، عن يعقوب بن يزيد، عن الحسن بن علي الوشا، عن داود بن رزين، قال: سألت أبا عبدالله، فقال لي: توضأ ثلاثاً ثلاثاً.
فهذا كما ترى أيضاً متناقض لما تقدم من كل وجه فكيف يصح أن يحمل!! أو يتناول بما لا يوافقه بحقيقة ولا مجاز، وهذا تأويل مخالف للعلم، وبابه مجانب لمذهب أربابه فكيف تستقيم قناته!! أو يعد في أهل التحصيل رواته!!.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن أحمد بن إدريس، عن أحمد بن محمد، عن الحسين بن سعيد، عن فضالة بن أيوب، عن الحسين بن عثمان، عن سماعه، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله قال: إذا توضأت بعض وضوئك فعرضت لك حاجة حتى يبس وضوءك، فأعد وضوءك فإن الوضوء لايتبعض.(1/292)
وروى عن الحسين بن سعيد، عن معاوية بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله عليه السلام: ربما توضأت فنفد الماء، فدعوت الجارية فأبطأت عليَّ بالماء، فيبس، فيجفَّ وضوءي؟ قال: أعد.
وروى عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن عبدالله بن المغيرة، عن جرير: في الوضوء يجفُّ؟ قال: قلت فإن جفَّ الأول قبل أن أغسل الذي يليه؟ قال: جفَّ أو لم يجفَّ أغسل ما بقي، قلت: وكذلك غسل الجنابة؟ قال: هو بتلك المنزلة، وأبدا بالرأس ثم أفض على سائر جسدك، قلت: وإن كان بعض يوم؟ قال: نعم.(1/293)
فهذا كما ترى مخالف لما تقدم بظاهره خلافاً لايفتقر إلا كشف ولابيان، وتفسيرهم لذلك بأن المراد بالآخر إذا كانت الريح شديدة والحر شديداً، هو بعد إطلاق الإمام للفتوى بدهر طويل، فكيف يحمل على ذلك!! والإمام إنما يفتي للبيان، ولأنه قد صرَّح بذلك، وقوله: وإن كان بعض يوم هذا إنما يريد المبالغة في بطء غسل الثاني وتراخيه عن جفاف الأول، لأنه [إن] أراد بالبعض الجزء القليل فهو شامل في أوقات الوضوء على المسرع شموله على المبطئ فلم يبق إلا أن المراد ببعض يوم المبالغة في البطء، ومع ذلك يعلم الجفاف بجري العادة ضرورة من غير شدة ريح ولا حر، لأنه قال: جفَّ أو لم يجفَّ فبيَّن الحكم، وبالغ في التعليل [بأن] لافرق بين الجفاف، واتصال البلل مدة الفعل، فهذا يدل على أن لا خلوص عن المناقضة، أو الرجوع إلى مقالة سائر المسلمين من أن اجتهاده عليه السلام تغيَّر [لما] تجدد له من دلالة أو علة حكم فأفتى في وقت بما صحَّ عنده، وفي وقت آخر بمثل ذلك، فأما والحال ما ذكروه فلا وجه يحمل عليه إلا المناقضة والمغايرة في الحكم الواحد، ولا يجوز أن يكون ذلك ديناً، ولأنه متى أعوزتهم العلل مالوا إلى التقية، وكيف تجوز التقية في الأحكام على من تعبَّده اللَّه تعالى بالبيان، وهذا يؤدي إلى أن لايوثق بشيء من الشريعة لتجويز أن يكون ما ظهر عن الإمام تقية، ودعوى نفي التقية في البعض دون البعض لايمكن، لأن أكثر مافيه أن يقول الإمام: هذا قول من غير تقية.
فللقائل أن يقول: وقوله هذا نهاية التقية، فبم يقع الإنفصال مما هذه حاله؟ ?نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ?[الأنعام:143].
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن عيسى، عن العباس بن معروف، عن علي بن مهران، عن حماد بن عيسى، عن بعض أصحابه، عن أحدهما: في الرجل يتوضأ وعليه العمامة؟ قال: يرفع العمامة بقدر ما يدخل أصبعه فيمسح على مقدم رأسه.(1/294)
وروى عن سعد، عن أحمد بن محمد، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن طريف بن ناصح، عن ثعلبة بن ميمون، عن عبدالله قال: سألت أبا عبدالله عن الرجل يمسح رأسه من خلفه، وعليه عمامة بأصبعه أيجزيه ذلك؟ قال: نعم.
فهذا كما ترى ينافي الحديث المتقدم في أنه يمسح مقدم رأسه لأن [المؤخر خلاف] المقدم لغةً وعرفاً، وقول من يقول منهم متأولاً أنه يبدأ بمؤخره ويمرَّ بها إلى مقدمه قول لايتحصل عند من له أدنى معرفة، لأنه ليس من لفظ الخبر ولا من معناه، فكيف يصح حمله عليه!! وهم لايقبلون بزعمهم الأمور التي يقع فيها الإجمال، ويتعلق بها الإحتمال، ولهم في هذا شروح طوال، وقولهم: إن هذا يحمل على التقية؛ لأن بعض العامة تقول بمسح مؤخر الرأس قول يؤدي إلى إبطال جميع ما تقدم مما يذهبون إليه؛ لأن ما به قول مما تقدم إلا وهو يوافق أقوال بعض العامة، فمن أين يصح لهم الثقة بشيء من مذاهبهم والحال هذه!!!.
وروى عن محمد بن يعقوب، عن عدة من أصحابه، عن أحمد بن محمد بن أبي بصير، عن أبي الحسن الرضى عليه السلام قال: سألته عن المسح على القدمين كيف هو؟ فوضع كفه على الأصابع، فمسحها إلى الكعبين إلى ظاهر القدم، فقلت: جُعِلت فداك لو أن رجلاً قال: بأصبعين من أصابعه؟ فقال: لا، إلا بكفه مستكملاً لخصال الفضل، كما قال أبو عبدالله عليه السلام: لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد، أراد فاضِلة كثيرة الثواب دون أن يكون نفي الأجر على كل وجه.
وروى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن بكر بن صالح، عن الحسين بن محمد بن عمران، عن زرعة، عن سماعة بن مهران، عن أبي عبدالله قال: إذا توضأت فامسح قدميك ظاهرهما وباطنهما، ثم قال: هكذا فوضع يده على الكعب، وضرب الأخرى على باطن قدمه، ثم مسحهما إلى الأصابع.(1/295)