وروى حديثاً، رفعه إلى أبي عبدالله قال: الكرُ الماء نحو جُبي هذا، وأشار إلى جُب من تلك الأجباب التي تكون بالمدينة، فهل رجع تقديره إلى جب، وإلى راوية لايوقف على قدرها لجواز الكبر والصغر، فكيف يصح تأويل ما هذه حاله على الإتفاق لأن المنازع في ذلك بجعل الجب، والراوية أصلاً ويتحكم فيهما بما أراد، لأن الوقوف على قدر معلوم بغير دليل لايصح، والشبر يختلف فيه الحال بالكبر والصغر، فإن قال: بالوسط، قال: وكذلك الجب، والراوية فلا يوقف على قدر معلوم.
وروى عن محمد بن أبي عمير قال: روي عن عبدالله يعني ابن المغيرة، رفعه إلى أبي عبدالله: إن الكرَ ستمائة رطل.
وهذا غير ما تقدم، فهذه أخبار رواها من رجال الإمامية عن الأئمة عليهم السلام بل عن إمام واحد، فكيف يتقدر حكم فيما هذه صورته لمن له أدنى علم ومعرفة بأحكام العلم، وعندهم أن أخبارهم متواترة، وهم لاينكرون ذلك، لأنهم يناظرون على بطلان ما سواه.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن إبَّان، عن الحسين بن سعيد، عن أبي عمير، وفضالة، عن جميل، عن زرارة بن أعين، قال: حكى لنا أبو جعفر عليه السلام وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، فدعا بقدح من ماء فأدخل يده اليمنى، فأخذ كفاً من ماءٍ فأسدلها على وجهه من أعلى الوجه، ثم مسح بيده الحاجبين جميعاً، ثم أعاد اليسرى في الإناء فأسدلها على اليمنى، ثم مسح جوانبها، ثم أعاد اليمنى في الإناء وصبها على اليسرى فصنع بها كما صنع باليمنى، ثم مسح بما بقي في يديه رأسه ورجليه، ولما يعدهما في الإناء.(1/286)
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن سعد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن أذينة، عن بكير، وزرارة ابني أعين أنهما سألا أبا جعفر عليه السلام عن وضوء رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم؟ فدعا بطست أو بتور فيه ماء، فغسل كفيه، ثم غمس كفه اليمنى في التور فغسل وجهه بهما، واستعان بيده اليسرى بكفه على غسل وجهه، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فغسل يده اليمنى من المرفق إلى الأصابع لايرد الماء إلى المرفقين، ثم غمس كفه اليمنى في الماء فاغترف بها من الماء فأفرغه على يده اليسرى من المرفق إلى الكف لا يرد الماء إلى المرفق كما صنع باليمنى، ثم مسح رأسه وقدميه إلى الكعبين بفضلِ كفيه لم يجدد ماء.
وروى عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن معمر بن جلاد قال: سألت أبا الحسن أيجزي الرجل يمسح قدميه بفضل رأسه؟ فقال: برأسه لا، فقلت: أبماءٍ جديد؟ فقال عليه السلام: نعم.
وروى عن الحسين بن سعيد، عن حماد، عن شعيب، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن مسح الرأس؟ فقلت: أتمسح بما في يدي من النَّدا رأسي؟ قال: لا، بل تضع يدك في الماء ثم تمسح.
وروى عن ابن عقدة، عن فضل بن يوسف، عن محمد بن عكاشة، عن جعفر بن عمارة، إلى عمارة الجارفي قال: سألت أبا جعفر محمد أمسح رأسي ببلل يدي؟ قال: خُذ لرأسك ماءً جديداً.(1/287)
[أغرب التعللات بالتقية]
فهذا كما ترى متنافي ظاهر التناقض، ولا يجدون وجهاً يعتلون به إلا قولهم يُحمل على أن يده قد كانت جفت وأعضاؤه، وهذا خلاف ظاهر السؤال لأنه قال: بالبلل الباقي في يدي، أو قولهم: إنما قال ذلك على التقية، فهذا خلاف المعلوم في ظاهر الإسلام ضرورة، إن فقهاء الإسلام اختلفوا ولم يتقِ أحد أحداً، وكذلك فتاوي أهل البيت عليهم السلام ظاهرة مخالفة لفتاوي العامة فلم يقع ذلك موقع التقية، ولأن لقائل أن يقول: ما أنكرت أن قول أهل البيت الذي وافقوا به العامة خرج مخرج التقية، وهذا أقرب إلى التقية، وما في أخذ ماء جديد، والمسح بالبلل الباقي في اليد من تقية؟ وما في مقابلة ذكره على أحد الوجهين من مخافة؟ وهذا سائل سأل، وإنما يتقى السلطان، أو من يكون من قِبَلِه فيما ينافي عرضه، فأما في أمور العبادة، وأنواع الطهارة فلا تتعلق التقية بذلك، ولا محيص للقوم من التناقض، وأما التأويل على غير ما قدمنا ذكره فلا يتوجه على قول أحد من أهل المعرفة لأنه قال في رواية من رجال الزيدية، [وأي وجه يتعلق بالتقية من الزيدية] في الأحكام الشرعية أو غيرها، وهم أعداء السلطان وأحزابه لقيامهم مع القائم من الذرية، ورجال الإمامية من أقوى أنصارهم لرفضهم القائمين المجاهدين من الذرية الزكية، فالسلطان وحزبه في جانبهم، فأي وجه للتقية ههنا.(1/288)
[عود إلى التناقض]
وروى عن أحمد بن محمد، عن أيوب بن نوح قال: كتبت إلى أبي الحسن عليه السلام أسأله عن المسح على القدمين؟ فقال: الوضوء على المسح، ولا يجب فيه إلا ذلك، ومن غسل فلا بأس يعني إذا أراد به التنظيف.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن علي [بن] محبوب، عن أحمد بن محمد، عن أبي همام، عن أبي الحسن عليه السلام: [في] وضوء الفريضة في كتاب اللَّه المسح، والغسل في الوضوء للتنظيف.
وروى عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين بن أبي الخطاب، عن الحكم بن مسكين، عن محمد بن مروان قال: قال أبو عبدالله عليه السلام: إنه يأتي على الرجل ستون، وسبعون سنة ما قَبِل اللَّه منه صلاة، قلت: وكيف ذاك؟ قال: لأنه يغسل ما أمر اللَّه بمسحه.
فهذا حديث كما ترى ينافي ما تقدمت روايته عن أبي الحسن، وما عليه الكافة من الأمة الإمامية، وغيرهم من أن من غسل فلا حرج، وهذا وعيد وارد على من خالف أمر اللَّه تعالى فلا يقبل منه صلاة، فكيف يستمر تقدير هذا!! وحمل حكم بعضه على بعض بحيث لايقع تنافٍ ولا تناقض.
وروى عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبي إسحاق، عن عبدالله بن الحسين بن علي بن أبي طالب، عن أبيه، عن أبي عبدالله [عليه السلام] قال: لاتمسح المرأة بالرأس كما يمسح الرجال، إنما المرأة إذا أصبحت مسحت رأسها، وتضع الخمار عنها، فإذا كان الظهر والعصر والمغرب [والعشاء] تمسح بناصيتها.
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حماد، عن جرير، عن زرارة قال: قال أبو جعفر عليه السلام: المرأة يجزيها من مسح الرأس أن تمسح من مقدمه قدر ثلاث أصابع، ولا يلقى عنها خمارها.(1/289)
فهذا حديث ينافي الأول في ذكر الخمار وإلقائه، وذكر في حديث آخر إنها تلقي خمارها للمغرب والفجر، ولا تلقي فيما سواهما. فهذه أخبار تتناقض في الظاهر فتأملها فضل التأمل، والقوم لايجيزون ذلك عن الأئمة عليهم السلام ولا يسوغونه.
وروى عن محمد بن علي بن محبوب، عن العباس بن معروف، عن القاسم بن عروة، عن أبي بكر، عن زرارة، عن أبي جعفر قال: ليس الإستنشاق والمضمضة فريضة ولا سنة، إنما عليك أن تغسل ما ظهر.
وروى عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن الحسين بن الحسن بن إبَّان، عن الحسين بن سعيد، عن القاسم بن عروة، عن عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله قال: المضمضة والإستنشاق مما سنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم.
فهذا كما ترى تناف ظاهر، وتناقض بيِّن، ولا يصح تأويل من يقول ليس بسنة لايجوز تركها ؛ لأن هذا التأويل لايصح في مقابلة قوله: فريضة، لأن الفريضة لايجوز تركها، [ثم] قال: ولا سنة، وهي ما عَدَى الفريضة مما سنه الرسول، وقال في الخبر الآخر: المضمضة والإستنشاق مما سنَّ رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وإنما أردنا أن نبين لك تنافي روايات القوم، واختلاف نقلهم مع دعواهم التواتر في أحاديثهم، ومثل دعاويهم يمكن الفرق المخالفة تدَّعي عليهم لأنها بأكثر منهم خلفاً وسلفاً، وهذا يؤدي إلى اختلال الأحكام، إذ أثبتت بالدعاوي من غير برهان صحيح، ومن حاول التصحيح مع التنافي والتناقض فكيف يكون حاله!! فتأمل ذلك موفقاً.
وروى عن سهل بن زياد، عن أحمد بن محمد، عن عبد الكريم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الوضوء؟ فقال: ما كان وضوء علي عليه السلام إلا مرةً مرةً.
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن الحسن، وعروة، عن سهل بن زياد، عن ابن محبوب، عن رباط، عن يونس بن عمار قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الوضوء للصلاة؟ فقال: مرةً مرةً.(1/290)