وروي عن الحسين بن سعيد، عن صفوان، عن منصور بن حازم، عن سليمان، بن خالد، عن أبي جعفر: في الرجل يتوضأ فينسى غسل ذكره؟ قال: يغسل ذكره ثم يعيد الوضوء.(1/281)


[الرد على تبريراتهم للتناقض]
فهذه أخبار تقتضي الإيجاب والترك في حكم واحد، ولا يصح حمل بعضها على الإستحباب، وبعضها على الوجوب بتخريج العالم من دون نص الإمام ؛ لأن كلام الأئمة وفتواهم هو موضع الإبانة، والإيضاح، والكشف لأن السائل متحير، ولا يطلب الخلاص إلا بما يظهر له من الفتوى، فإذا وردت الأخبار متناقضة لم يكن بعضها بأن يجعل الأصل الذي يرد إليه الفرع الذي هو الخبر الآخر أولى من عكس ذلك، فلا يتميز فرع من أصل لأن كل واحد منهما في إضافته إلى الإمام على سواء فلا معنى للتخصيص، فإن ذهب إلى الإجتهاد في كلام الإمام، وحمل بعضه على الندب، وبعضه على الإيجاب، وماجرى هذا المجرى، فهذا مخالف لمنهاج أهل العلم في كلام الأئمة عليهم السلام ومخالف لرأي الإمامية لأنهم لايروون بالتعليل وكلام الأئمة عليهم السلام عندهم يستغني عن التعليل، فالأولى بهذا كلام اللَّه تعالى، وكلام رسوله صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك موضع إيجاب التكليف في الأصل، والتكليف مصالح، وهي غيوب، ولا يعلم الغيب إلا اللَّه تعالى، فإذا قال على وجه تعلقت به المصلحة، أو أمر نبيه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأنه لايقول من تلقاء نفسه، وإنما قوله عن ربه كما قال تعالى: ?وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى?[النجم:3،4]، فلا يمتنع تعلق المصلحة بذلك، ولذلك اختلفت أحكام الخطاب وأحواله، فمنه ورد بالجلي، ومنه [ورد] بالخفي، ومنه مجمل، ومنه مبين، ومنه خاص، ومنه عام، ومنه مطلق، ومنه مقيد، ومنه محكم، ومنه متشابه، ومنه حقيقة، ومنه مجاز، فهو بخلاف كلام الأئمة عليهم السلام لأنه بيان لكل مشكل، وفتح لكل مقفل، ولأن أخبار الإمامية يدَّعون فيها التواتر فكيف يقع فيها ماقالوا من التنافي، والتناقض، والحاجة إلى التأويلات البعيدة ‍‍.(1/282)


وروي عن محمد بن علي بن محبوب، عن الهيثم بن أبي مسروق النهدي، عن الحكم بن مسكين، عن سماعة قال: قلت لأبي الحسن موسى: إني أبول ثم أتمسح بالأحجار فيجيئ من البلل مايفسد سراويلي، قال: ليس به.
وهذا كما ترى ينافي ما تقدم من وجوب غسل البول، وتأويلهم له بأنه إذا كان غير واجد للماء غير موجود وجهه فيحمل عليه التأويل ؛ لأن الجواب حصل من الإمام عن السؤال بعينه، وكان لو أراد ذلك لقال: إن عدمت الماء، لأنه طلب حكم الحادثة عمَّا قد تقررت عليه الصورة فأجابه بنفي الغسل من غير تقييد بصفة، فهل ماذكروه من التأويل إلا تحكَّم منهم على قول الإمام بغير برهان؟ وتعليلهم بأن الأصول قد تقدمت، وتقررت بوجوب الغسل من البول هو بعينه الحجة عليهم في التناقض فكيف يجعلونه حجة في نفيه.
وروي عن أحمد بن محمد، عن أبيه، عن سعد، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: سألته كم يجزيء من الماء في الإستنجاء من البول؟ فقال: مثلَي ما على الحشفة من البلل.
وروي عن سعيد بن عبدالله، عن أحمد بن محمد بن عيسى، ويعقوب بن يزيد، عن مبروك بن عبيد، عن بسط، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله عليه السلام قال: يجزي من البول أن يغسله بمثله.(1/283)


وهذان خبران متناقضان لأنه تقدير في أحدهما [مثل]، وفي الآخر مثلان، والمثل غير المثلين لفظاً ومعنى، وقد تأولوا الخبر الآخر بأن معنى مثله أي مثل الخارج من البول، والخارج من البول قد يكون جملة كثيرة، وقد يكون جملة يسيرة، وعلى الوجهين هو يناقض الحديث الأول، لأن أقل مايسمى بولاً في العرف هو أضعاف ما على الحشفة من البلل فهو ينقض التقدير بمثلي ما على الحشفة فكيف ما دارت القضية فالتناقض واقع، فتأمل ذلك بعين البصيرة لأن القوم يعيبون الأقوال المختلفة على من صححها، وقال: قد يتغير الإجتهاد فتختلف الفتاوى لأجل اختلاف الأدلة، وترجيح العلل فيما مجراه مجرى الإجتهاد الذي ألجأتهم إليه الضرورة، لما بُلُوا بالأقوال المختلفة المروية بالأسانيد التي هي عندهم صحيحة عن مشائخهم المعتمدين، ووصولها إلى الأئمة على سواء، وهي متناقضة ومتنافية ومتغايرة، فاستعملوا طريقة الإجتهاد ضرورة في طلب الوجوه المرجحة، فتأمل ذلك تجده كما قلنا إن شاء اللَّه تعالى.
وروى عن محمد بن أحمد، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، عن حماد بن عثمان، عن عبيد اللَّه الحلي، قال: سألته عن الوضوء كم يفرغ الرجل على يده اليمنى قبل أن يدخلها في الإناء؟ قال: واحدة من حدث البول، واثنتان من الغائط، وثلاث من الجنابة.
وروى عن محمد بن أحمد بن يحيى، عن علي بن السندي، عن حماد بن عيسى، عن جرير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: يغسل الرجل يده من النوم مرة، ومن الغائط والبول مرتين، ومن الجنابة ثلاثاً، ولو أدخل يده في الإناء قبل أن يغسلها لم يفسد الماء إذا كانت طاهرة.(1/284)


فهذا كما ترى نقض للتقدير الأول، لأنه جعله في الخبر الأول قال: واحدة من البول، واثنتان [من الغائط، وثلاث من الجنابة، وفي هذا قال: يغسل يده من النوم مرة، ومن الغائط] والبول مرتين، ولم يذكر في الخبر الأول الغسل من النوم فلم يفصل في هذا بين البول والغائط، وفصَّل في الأول، فهذا تغاير ظاهر، والمحكوم فيه بحاله.
والفتوى من الإمام الذي لايجوز عند الإمامية عليه استعمال طريقة الإجتهاد فيقول بغير نظره، أو وقع له مالم يكن وقع من قبل. فتأمل ذلك. وذَكَر في تقدير الماء الذي تفسده النجاسة ذكراً مختلفاً نحن ذاكروه إن شاء اللَّه تعالى.
من ذلك مارواه عن أحمد بن محمد، عن محمد بن خالد، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن قدر الماء الذي لاينجسه شيء؟ فقال: كرٌ، قلت: وكم الكرُ؟ قال: ثلاثة أشبار.
وروى عن أبي القاسم جعفر بن محمد، عن محمد بن يعقوب، عن محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد، عن عثمان بن عيسى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير قال: سألت أبا عبدالله عن الكر من الماء كم يكون قدره؟ قال: إذا كان ثلاثة أشبار ونصف في مثله، ثلاثة أشبار ونصف في عمقة في الأرض، فذلك الكرُ من الماء.
فهذا تقدير مختلف كما تراه في أحد الخبرين ثلاثة أشبار، وفي الثاني ثلاثة أشبار ونصف فهذا تغاير في التقدير، وهو من الأئمة عند الإمامية بمنزلة التوقيف الحاصل من الأنبياء عليهم السلام، وعندنا أيضاً، وعندهم أن المقادير لاتصح إلا توقيفاً فكيف يختلف التقدير في ماهذا حكمه، وهذه صورته، والثلاتة الأشبار والنصف تزيد على الثلاثة بمثل سدسها يعلم ذلك بالضرورة، فكيف تستقيم رواياتهم والحال هذه.
وروى حديثاً، رفعه إلى زرارة قال: إذا كان الماء أكثر من راوية لاينجسه شيء، ولابد أن يكون الزيادة على الرواية أوقية أو دون ذلك لأن أكثر منه يؤدي إلى مالا يتناهى.(1/285)

57 / 73
ع
En
A+
A-